وليد مرمر
عبثاً راح فريق التحقيق التابع للبحرية الأميركية والذي استدعته الإمارات العربية يفتش عن أدنى دليل يورط إيران أو حلفاءها في هجوم الأحد الماضي على أربع سفن بحرية قبالة ساحل إمارة الفجيرة الذي يعتبر من أكبر موانئ تموين السفن في العالم.
لقد بدت السفن وكأن شيئاً قد خرقها عند مستوى الماء فسبب فجوات بقطر مترين تقريباً. لكن الإمارات لم تزود وكالات الأنباء إلا بصورة الباخرة النروجية فقط. وهي كانت قد أوقفت زورقاً يقل مراسلين من وكالة «أسوشيتد برس» ومنعته من الاقتراب من مكان الحادث لالتقاط الصور. والعجيب في الأمر أنه لم يكن ثمة آثار لأي تفجير بل كان الأمر يبدو وكأن السفن قد تعرضت لضربات عنيفة من آلة حادة سببت فجوات فيها. ولمّا لم يفلح المحققون في إيجاد أي دليل يورط إيران وحلفاءها، كان الاتهام السياسي حاضراً.
اتهام إيران جاء على لسان مسؤول في الإدارة الأميركية -لم يتم الكشف عن هويته- والذي قال إن «التقييم المبدئي يشير لتورّط أيران أو أحد وكلائها بالمنطقة في حادث التخريب الذي تعرضت له أربع سفن قبالة الميناء الإماراتي». وأضاف المصدر، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، «هذا ما تفعله إيران.. فهو يتطابق مع الموديس أوبيراندي modus operandi الإيراني».
وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح اللاتيني في دوائر الشرطة لدى التحقيق في الجرائم للإشارة إلى أساليب محددة يستخدمها الجناة في ارتكاب جرائمهم ويمكن أن تؤدي إلى الكشف عن تورطهم. لكن المصدر الأميركي لم يشرح كيف تتطابق بصمات الهجوم جنائياً مع أعمال إيران «التخريبية». وهنا تطفو إلى الذاكرة عملية تفجير الباخرة الحربية الأميركية «يو أس أس كول» قبالة ساحل عدن عام 2000 والتي راح ضحيتها 17 من جنود البحرية الأميركية وكلف إصلاح السفينة 240 مليون دولار! تلك العملية تكاد تكون العملية البحرية الوحيدة في المنطقة قبل التفجيرات الأخيرة في الفجيرة. وقد أشارت التحقيقات الجنائية، إضافة الى أحكام القضاء الأميركي يومئذ، إلى تورط «القاعدة» المدعومة والممولة سعودياً في هذا الهجوم. لكن المصدر الأميركي الذي تحدث إلى «وول ستريت جورنال» نسي أو تناسى أن ما حصل يتطابق مع «الموديس أوبراندي» لتنظيم «القاعدة»، أو غيرها من الدول التي ربما قد قررت أن موسم الإصطياد في ماء الخليج العكر قد بدأ.
وفي هذا الإطار تزايد الحديث في واشنطن عن دور متنام لإسرائيل وأجهزة استخباراتها في هذا التصعيد، حيث نقل موقع «أكسيوس» الأميركي بأن الإستخبارات الإسرائيلية نقلت معلومات إلى واشنطن منذ أسبوعين، خلال زيارة قام بها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي ماير بن شابات، إلى مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون تتطرق إلى احتمال قيام طهران بهجوم على مصالح أميركية في الخليج، أو هجمات على السعودية أو الإمارات. والمعروف عن بولتون أنه من اشد المتحمسين لضرب إيران وذلك منذ عقدين من الزمن. وهو كان قد عنون مقالاً في «نيويورك تايمز» عام 2015 بجملته الشهيرة: «لمنع قنبلة إيران، علينا تفجير إيران» To stop Iran’s bomb, bomb Iran.
وفيما تمخر في مياه الخليج سفن ومدمرات الأسطول الأميركي، كان لا بد من حشد أكبر عدد ممكن من التأييد للحرب المحتملة. لذا عمد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وللمرة الثالثة خلال عشرة أيام، إلى تغيير جدول مواعيده فجأة بإلغاء زيارة إلى موسكو واستبدالها بلقاء مسؤولين أوروبيين قبل التوجه إلى «سوتشي» للقاء القادة الروس. لكن اللقاء بالأوروبيين لم يأت بما ابتغاه بومبيو من التأييد الأعمى للحرب. فقد أعرب الحلفاء الغربيون عن قلقهم من أن التوترات قد تؤدي إلى نشوب صراع إقليمي بطريق الخطأ.
وأما لقاء سوتشي فيتلخص بما أعلنه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف من أن «موسكو لا تتفهم سياسة الضغط القصوى التي تؤدي إلى حشر إيران في الزاوية، مشيراً إلى أن الضغوط على طهران لا تحقق نتائج أبداً كما يظهر التاريخ».
لكن يبدو أن الأصابع الخفية التي تدير الصراع قد تصل إلى مبتغاها عاجلاً أم آجلاً.. ففي ظلال الغيوم القاتمة المخيمة على المنطقة دعت الخارجية الأميركية الأربعاء الماضي موظفيها «غير الأساسيين» لمغادرة العراق، وذلك بعد الحديث عن تهديدات وشيكة محتملة ضد القوات الأميركية هناك. كما أوصى بيان وزارة الخارجية من شملهم القرار «بالرحيل بوسائل النقل التجارية في أسرع وقت ممكن». كذلك رفعت بريطانيا مستوى التأهب لقواتها ودبلوماسييها في العراق، نظراً «لمخاطر أمنية كبيرة من إيران» مؤكدة أن التهديد «حقيقي» وتقف وراءه ميليشيات عراقية بقيادة الحرس الثوري الإيراني.
ومع انقطاع خطوط الاتصال بين أميركا وإيران، وارتفاع منسوب التوتر، وغياب أية محاولة جدية لإيجاد حل للأزمة، يحبس العالم أنفاسه بانتظار ساعة الصفر، التي يبدو أن «الفريق ب» (بنيامين، بولتون، بن سلمان، بن زايد) عازم على تفجيرها، غير عالم بأنه إن استطاع أن يبدأ الحرب، فإنه لن يستطيع إنهاءها.
Leave a Reply