لبنان ساحة صراع اقليمي-دولي ومسلسل الاغتيالات طال الضابط عيد
المبادرة العربية اعطت تفسيراً غامضاً وقدمت ضمانة للمقاومة
بيروت – غادر الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لبنان، بعد جولات من الحوار مع طرفي النزاع، الى اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، من اجل وضع تفسير واضح للمبادرة العربية وتحديداً في البند الثاني منها المتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، فخرج الاجتماع بمزيد من الغموض، وهو ما سيعطل التحرك الجديد بإتجاه الحل العربي للأزمة اللبنانية، لانه لم يقدم رؤية واضحة، تنطلق من الواقع الحقيقي الازمة ، والمتمثل بإيجاد توازن بين الموالاة والمعارضة، والخروج من الانحياز الذي مارسه موسى مدعوماً من اطراف عربية لاسيما مصر والسعودية والاردن وبعض دول الخليج الى جانب قوى 14 شباط، وتبني وجهة نظرها، حول توزيع المقاعد في الحكومة.
والبيان الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الثاني، ابتعد عن ما ورد في بيانهم الاول، لجهة الاشارة الى عدم اعطاء الاغلبية والاقلية حق الاسقاط في الحكومة، ومنح الارجحية لرئيس الجمهورية، ورمى الكرة في ملعب اللبنانيين، تاركاً للحوار فيما بينهم حل المشكلة القائمة والتي تتركز في تشكيل الحكومة، التي لا يبدو ان اياً من الطرفين سيقبل بالتراجع عن شروطه حولها، اذ ما زالت الموالاة ترفض ان تحصل المعارضة على الثلث الضامن، وكذلك لا تقبل المعارضة بإستئثار قوى 14 شباط بالسطة.
وامام تصلب الطرفين في موقفهما، فإن عمرو موسى الذي أخر عودته الى ما قبل ايام من الموعد الجديد الذي حدده الرئيس نبيه بري لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 11 شباط، فلن يوفق في ايجاد حلحلة للأزمة، وبالتالي فان المبادرة العربية ستتعثر، ولن يلتزم مجلس النواب بدعوة وزراء الخارجية العرب لانتخاب رئيس جديد في الموعد الذي حدده الرئيس بري، لان انقضاء هذه المهلة وبقاء رئاسة الجمهورية فارغة، دفع بالامين العام للجامعة العربية، الى التهديد من ان الزعماء العرب سوف يكون لهم موقفاً، دون ان يذكر الاجراءات التي ستتخذ، لكنه يلمح الى سوريا، التي يطالبها مسؤولون عرب واجانب ان تضغط على حلفائها لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية وعدم ربطه بإتفاق مسبق على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ولم تنجح محاولة بعض وزراء الخارجية العرب تجزئة الحل العربي للأزمة، وفك الارتباط بين انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، وقد حصلت مشادة بين وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، حول المسألة، فأصر المعلم على ان الحل يجب ان يكون ضمن سلة كاملة، وهو مطلب المعارضة، في حين مثل رأي الفيصل موقف الموالاة على الفصل بينهما واظهر هذا الخلاف السوري-السعودي، تأثير الدولتين على طرفي النزاع في لبنان، وهذا ما كشفه الرئيس بري منذ حوالي العامين، واقترح لحل الازمة اللبنانية، حصول توافق سوري-سعودي او ما سماه س-س.
فبالرغم من الاجماع العربي على المبادرة، الا انها تحمل في مضمونها، بذور موتها، لانها لا تقدم آلية شفافة للحل، بما يضمن تقريب وجهات النظر بين طرفي الازمة، والتي تتمثل في توزيع النسب داخل الحكومة، حيث سيحاول عمرو موسى ان يصل الى تمثيل يتناسب مع حجم القوى، وقد سبقه الى ذلك وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير الذي اقر بضرورة الاخذ بتمثيل الكتل النيابية داخل الحكومة ما بين 55% للموالاة و45% للمعارضة، وقد وافق على هذه المعادلة الرئيس بري والنائب سعد الحريري في 5 كانون الاول الماضي، وكاد الاتفاق ان ينفذ وتجري الانتخابات الرئاسية لولا التدخل الاميركي الذي عطل الاتفاق لانه يعطي اكثرية للمعارضة داخل الحكومة ويمنحها التحكم في القرار.
فالأمين العام للجامعة العربية الذي يحاول ان يتخلى عن لعبة الارقام، والتفسير الرقمي للمبادرة العربية، فانه سيدخل مع المعارضة والموالاة في حوار حول الضمانات والتطمينات، بما يذلل امامه موضوع الاحجام، وهو سعى الى تضمين بيان القاهرة الاخير، التأكيد على ان الحكومة المقبلة ستأخذ بما ورد في البيان الوزاري للحكومة الحالية، التي هي برأيه حكومة وحدة وطنية، وانه لن يتم التطرق الى سلاح المقاومة، بل الحفاظ عليه.
وهذا الموضوع الجديد الذي سيعود به موسى الى بيروت، سيكون برأيه مدخلاً الى زرع الثقة بين الموالاة والمعارضة، حيث يؤكد الامين العام للجامعة العربية ان عدم الثقة التي تتحكم بينهما، هي من الاسباب الرئيسية لعرقلة الحل، والتشدد في مسألة الارقام داخل الحكومة وتوزيع المقاعد.
هذه الرؤية الجديدة سيدخل منها موسى في لقاءاته المقبلة، وفي حواراته، وستكون مادة البحث التي سيعرضها على طاولة الحوار التي ستجمع كل من: العماد ميشال عون عن المعارضة، الرئيس امين الجميّل والنائب سعد الحريري عن الموالاة بحضور موسى الذي فتح في الجلسة الاولى بينهما موضوع الضمانات للتأسيس للثقة المفقودة بينهما، وان مهمة موسى ستركز على هذه المسألة.
فهل ينجح الوسيط العربي في مهمته المستحيلة الجديدة، ويمارس الدور النزيه بين الطرفين؟
لا تبدو الاجواء مشجعة على ان موسى سينجح، لان الازمة اللبنانية ليست قائمة بذاتها، بل هي مرتبطة بأزمات اخرى، وبالخلافات العربية-العربية، ولعبة المحاور الاقليمية والدولية، وهي لذلك لن تبصر الحل اذا لم يتم فكه عن ازمات المنطقة، وهو لم يساعد عليه اجتماع وزراء الخارجية العرب.
فمهمة موسى قد تكون الاخيرة في لبنان، ووزراء الخارجية العرب لم يحددوا موعداً جديداً لاجتماعهم لمتابعة مبادرتهم للحل، بل حددوا فقط موعداً نهائياً لانتخاب العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي.
وقد لا يعلن الامين العام للجامعة فشل مهمته، لكنه سيرفع الى القمة العربية في دمشق الملف اللبناني، بعد ان اكد ان القمة ستعقد في مكانها وزمانها.
والى حين انضاج الحل العربي والاقليمي والدولي للأزمة اللبنانية، فان لبنان سيبقى على خط الزلازل الامنية والسياسية، وسيشهد مزيداً من الاغتيالات والتفجيرات والاحداث الامنية، حيث لم يتوقف مسلسل الاغتيال، وكان آخر من وصلت اليه يد الاجرام، احد ضباط فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الرائد وسام عيد ومرافقه أسامة مرعب، حيث ربطت مصادر امنية اغتيال عيد، بموقعه كرئيس للقسم الفني والاتصالات، وكشفه لشبكات ارهابية، وتحديداً الاصولية الاسلامية، ومتابعته لملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومشاركته الفعالة في اعتقال مفجري باصي عين علق الذين ينتمون الى تنظيم «فتح الاسلام»، الذي لعب الضابط عيد دوراً في متابعة قيادته واعتقال بعض عناصرها وتصفية آخرين لاسيما في طرابلس والشمال والبقاع، وهو كان تعرض لمحاولة اغتيال العام الماضي على خلفية دوره هذا، بعد ان كان المقدم سمير شحاده تعرض ايضاً لمحاولة اغتيال بعد اعتقال شبكة اسلامية اصولية من 13 عنصراً مما اضطره للسفر الى كندا.
وما اصاب الرائد عيد من اغتيال، هو نفسه ما لحق باللواء فرنسوا الحاج، الذي كان له دور فاعل في معارك مخيم نهر البارد، وقد تم الربط بين الجريمتين، كما في عملية تفجير سيارة دبلوماسية اميركية.
ان لبنان الذي اصبح فارغاً في مؤسساته، تحول الى ساحة صراع اقليمي-دولي، بأدوات مختلفة، وهذا ما يبقي كل الحلول في الثلاجة.
Leave a Reply