من حيث المبدأ، يحق لأي شخص أن يختلف مع «صدى الوطن» وأن تكون له آراء مغايرة ومتعارضة مع خط الصحيفة حتى ولو على صفحاتها. لا بل إن ذلك يندرج ضمن المبادئ الأساسية التي تعتمدها «صدى الوطن» القائمة على حرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر شرط عدم المسِّ بكرامات الآخرين وتحويل «مساحة التعبير» إلى منصّة للقدح والذم والتهجم على الناس وعلى معتقداتهم.
ولكن هناك مسلمات بديهية تؤمن بها «صدى الوطن» ولا تحيد عنها أبداً ولا تغيّر موقفها منها تبعاً للأهواء والظروف وتبدّل المصالح، وأولى هذه المسلمات، القضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم حتى استعادة كامل حقوقه في أرضه المغتصبة واستعادة كل الأراضي العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان. فالموقف من الكيان الإسرائيلي المحتل ليس موقفاً عرضياً ولا عابراً يمكن تمييعه وتطويعه غبّ الطلب.
قد يقول قائل: كيف تنشر «صدى الوطن» مقالاً يدافع عن استضافة الإسرائيليين في «المركز الإسلامي في أميركا» ويشبّه المعترضين من أبناء الجالية بـ«جبهة النصرة» مع ما يحمله التشبيه من إيحاءات خطيرة ومضرّة بالسواد الأعظم في الجالية اللبنانية بشكل خاص والعربية بشكلٍ عام؟
بكل بساطة، كان يمكن للمحرر الاعتذار عن نشر ذلك المقال للأسباب الآنفة الذكر، وكذلك لكونه يتعارض مع مبادئ «صدى الوطن» وواجبها الإنساني والأخلاقي في نصرة الحق والوقوف بوجه الظالم. وبالرغم من أنّ المقال يتهجم على جمهور واسع وعريض -ومن ضمنهم أعضاء في أسرة تحرير الصحيفة- فقد ارتأى المحرر نشر المقال وفي حساباته أنّ ما يقرأه أفكاراً في غاية الخطورة ويجب التصدي لها ومحاربتها على قاعدة «وداوها بالتي كانت هي الداء» حتى يعود أصحابها إلى جادة الحق والصواب، لأنهم -شئنا أم أبينا- جزء من نسيجنا الاجتماعي ويجب أن نكون حريصين على سلامتهم الفكرية والعقلية وحتى النفسية في بعض الأحيان.
فالموضوع أبعد من مجرد رأي في «مقالٍ عابر» يفتقد للمنطق السليم ويفتقر للمنهجية العلمية وفيه مجموعة من المغالطات والتناقضات، ولم يكن من الصواب تجاهل المقال وإغفال نشره لأننا كنا سنفقد فرصة تمكننا من معاينة «المرض» وتوصيف «الداء» الذي بدأ يتسرب إلى عقول البعض في جاليتنا، وهو ما يجب التصدي له قبل أن يتفشى بين أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا.
أوليس هذا هو التطبيع بعينه؟ كأن نقرأ وجهة نظر تعتبر بأنه لا مشكلة باستضافة الإسرائيليين في المركز الإسلامي كي نظهر للقاتل حضارتنا وسلميتنا ووداعتنا!
من المسؤول عن رواج هذه الأفكار وتغلغها في عقول البعض؟ من المسؤول عن التغرير بأبنائنا وتضليلهم بتبرير استقبال عسكريي الدولة العبرية بحجة «حوار الأديان» حتى اختلط الأمر على البعض وعجزت أقلامهم عن التفريق والتمييز بين اليهودية كدين نحترم أتباعه ونستقبلهم أينما كان وبين الضباط الإسرائيليين الذين من المحتمل أن يكونوا من ديانات أخرى غير يهودية؟
عندما يتأثر البعض بمنهجية بعض أعضاء الإدارة ومجلس الأمناء في المركز الإسلامي، من الذين يبررون استقبال الإسرائيليين على أنه فعل حميد وعمل خيِّر كي «يسود الإسلام وتبقى كلمة الله هي العليا»، ستكون النتيجة المساهمة بنشر هذه الأفكار وتبريرها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الجلسات واللقاءات وحيث أمكن .. أما في حالتنا، فكانت النتيجة مقالاً «خبط عشواء» يسوّغ لإدارة المركز فعلتها ويلقي الاتهامات الباطلة جزافاً على جمهور واسع من الشباب الواعد في جاليتنا، ويجري مقارنات في غير مكانها ويضرب أمثلة في غير موقعها ويستحضر روايات في غير موضعها، يتخذ من الهزالة منهجاً ومن الرتابة مسلكاً ومن الضحالة موئلاً، حتى سقطت القواعد الأدبية للكتابة والتعبير في مستنقع التبعية العمياء وضاعت الأخلاق الحميدة وغابت المبادئ السامية، وتم التعدّي على «صنعة» الصحافة و«حرفة» الكتابة ووقعت الشبهة بين القصص المسلية في بعض الأحيان وبين المقاربات الفكرية والثقافية العميقة والتي في كثير من الأماكن والمواضع قد عجز فطاحل التنظير للانبطاح أمام «الرجل الأبيض» عن مقارعتنا ومجاراتنا لسببٍ بسيط وهو تمسكنا بقضيتنا والتشبث بحقوقنا.
فالتصدي لأمور بحجم أمٌة يتطلب وعياً ورؤية ثاقبة وثقافة وعزيمة وهمّة، وهو بالطبع، يختلف عن «السوالف» وأخبار الجيران والأقارب.
«صدى الوطن» ستبقى المساحة المضيئة للحرية والتعبير في الجالية، ولن توصد أبوابها وصفحاتها بوجه أحد على أن يلتزم بالأصول والقواعد والمبادئ الأساسية، وفي مقدمتها نصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد كنّا نأمل و نتمنى أن لا تصل بِنَا الأمور إلى هذا الدرك والمنحدر في جاليتنا والذي دفعتنا إليه دفعاً إدارة المركز الإسلامي من خلال إصرارها على أمرٍ باطلٍ وتعنتها إزاء قضية عادلة و محقة.
ونأمل أن تعيد الإدارة العمل بالتعهد الذي قطعته بعدم استضافة أو استقبال أي ضابط أو جندي إسرائيلي في المستقبل، وتحت أي نشاط وعنوان، وأن تقوم بمعالجة الخلل الإداري قبل أن يتفاقم ويتضخم وتصعب معالجته.
لأن «المركز الإسلامي» هو رمز من رموز جاليتنا وصرح يمثل انتماءنا فمن واجبنا المحافظة عليه ليبقى كما نريده وكما يجب أن يكون.
Leave a Reply