دمشق – انتهت الأسبوع الماضي مهمة بعثة المراقبين العرب في سوريا، في ظل إصرار أمير قطر على استنفاذ كل ما لديه من وسائل ضد نظام دمشق، ويواجهه موقف إيراني-روسي-صيني صلب لاسيما بعد تصريحاته الاخيرة بخصوص إرسال قوات عربية إلى سوريا. كما رفضت روسيا، استراتيجية العقوبات التي يتبعها الغرب ضد سوريا وإيران، فانتقدت فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، وأكدت انها لن توافق على اي تدخل عسكري في سوريا في إطار الامم المتحدة، ما اعتبر صفعة جديدة في وجه الطموح الغربي-التركي-الخليجي، الذي قدمت له موسكو مشروع قانون حول سوريا في الأمم المتحدة.

ولكن المشروع الروسي لقي معارضة فرنسية-ألمانية-بريطانية، حيث قال وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي ان “مشروع القرار الروسي الجديد لا يصل الى حيث يجب ان يصل، الا انني ارحب بحصول بداية تغيير ولو كان بسيطاً، لبعض شركائنا مثل روسيا في مواقفهم”.

ولقد نوقش مشروع القرار على مستوى الخبراء الذين يمثلون اعضاء مجلس الامن. وقال مصدر دبلوماسي في نيويورك ان مشروع القرار الجديد هو “مجرد تجميع للتعديلات التي اقترحها الاعضاء الآخرون في المجلس”، من دون تقدم في الجوهر. وترفض البلدان الغربية رغبة موسكو في ان تضع النظام والمعارضة على قدم المساواة على صعيد ادانة العنف.

عربياً، قالت مصادر دبلوماسية إن الجامعة العربية تميل في قسمها الأعظم نحو تمديد عمل بعثة مراقبين الجامعة العربية شهرا آخر، ونقلت المصادر عن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي قوله في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن الجامعة العربية أكثر ميلا الآن نحو التمديد لبعثة المراقبين شهرا آخر. وهو ما يتفق مع الموقف السوري الذي “لا يمانع التمديد للمراقبين فترة ثانية” وفقا لمصادر سورية، على أن لا تتضمن منحهم تفويضا إضافياً.

وأعلن رئيس بعثة المراقبين العرب الى سوريا محمد أحمد مصطفى الدابي، حسبما نقلت صحيفة “اليوم السابع” المصرية، أداء البعثة بأنها أدت مهمتها بأعلى درجات النزاهة والموضوعية والشفافية، ووقفت على مسافة واحدة من جميع الأطراف. وجاء كلام الدابي قبل اجتماع للجامعة العربية سيدرس تقرير البعثة للنظر في تمديد مهمتها.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” بأن امير قطر تخلى عن محاولاته باستخدام الجامعة العربية ضد سوريا ونقل تركيزه الى وسائل أخرى من بينها دعم “الجيش السوري الحر”، بما يعني تكرار الاستراتيجية القطرية ضد ليبيا بدعم المسلحين بالاموال.

وفي السياق، واصلت المعارضة السورية مطالبها بضرورة تدخل أجنبي، ففيما قال المراقب العام لجماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا رياض الشقفة إنه يريد فرض “منطقة حظر جوي ومناطق آمنة”، حذا حذوه قائد ما يسمى بـ”الجيش السوري الحر” رياض الأسعد الذي اعلن من تركيا ان “الجيش السوري الحر” يناشد مجلس الامن اصدار قرار ضد النظام السوري تحت الفصل السابع الذي يتضمن استخدام القوة. ودعا إلى تدخل دولي بدلاً من بعثة المراقبين العرب. لكن حلف شمالي الأطلسي (الناتو) أكد أنه لا ينوي ولا يحضر للتدخل عسكريا في سوريا.

ومن ناحيتها، استبقت سوريا اي نقاش محتمل داخل الجامعة العربية حول الاقتراح القطري بإرسال قوات عربية الى اراضيها، فأعلنت رفضها “القاطع” للفكرة، معتبرة انها “تفتح الباب امام استدعاء للتدخل الخارجي في الشؤون السورية”. وجاء الرد على لسان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين اعتبر فيه أن “سوريا تستغرب صدور تصريحات عن مسؤولين قطريين تدعو الى ارسال قوات عربية اليها وتؤكد رفضها القاطع لمثل هذه الدعوات التي من شأنها تأزيم الوضع وإجهاض فرص العمل العربي، وتفتح الباب لاستدعاء التدخل الخارجي في الشؤون السورية”.

ومن جهته، قال الرئيس بشار الأسد خلال استقباله وفد “المبادرة الشعبية العربية لمناهضة التدخل الأجنبي في سوريا ودعم الحوار والإصلاح”، إن الشعب السوري واع “للمخططات” التي تدبر ضد بلاده و”قادر على تجاوز الظروف الراهنة”. كما أكد الأسد، بحسب المصدر، “استمرار مهمة المراقبين وعملهم، ضمن فحوى البروتوكول الموقع بين الجامعة العربية والقيادة السورية”، كما تم الاتفاق على “ضرورة إطلاق حوار وطني جاد، يشمل جميع شرائح المجتمع المدني”.

ومن طهران، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، أن إيران ترفض الدعوات إلى التدخل الأجنبي أو العربي في سوريا، وقال إن الأمور في سوريا تتجه نحو الحل والحوار. ويبدو أن هذا لا يروق لبعض الدول، متهماً فرنسا بفبركة اتهامات حول قيام إيران بتزويد سوريا بالأسلحة.


“الجيش الحر”: ٣ بالمئة منشقون والباقي مطلوبون ولصوص

وفي تقرير باللغة الإنكليزية لـ”رويترز” شككت الوكالة بصحة تصريحات رياض الأسعد قائد ما يسمى بـ”الجيش السوري الحر” والذي قال أن تعداد مقاتلي “جيشه” بلغ أكثر من 15 ألف، حيث أوضح التقرير أنه من الصعب بل من المستحيل التأكد من صحة هذا الرقم.

ونقل التقرير عن الباحث بيتر هارلينغ الذي قضى عشر سنوات في سوريا، وهو الآن من فريق البحث في “مجموعة الأزمات الدولية” في بروكسل، قوله إن “الجيش” المذكور ليس أكثر من مظلة لمقاتلين مختلفين لا قيادة مركزية لهم، وهو مجرد مجموعات مسلحة تظهر على مستوى شديد المحلية “مسلحو زواريب وأزقة” وأغلب أعضائها من المدنيين الذين ينضم إليهم منشقون، وهي ذات طبيعة ودينامية محلية وليست على مستوى البلاد.

ويقول تقرير “رويترز” إن التدقيق الميداني في مصطلح “منشقين” يظهر، بخلاف الأحاديث المتداولة في الإعلام وما يدعيه المعارضون السوريون، أنه “بات يطلق على كل من يحمل السلاح في وجه النظام، أما الجنود والرتباء والضباط المنشقون، أي الفرار بتعبير أدق، فلا تتجاوز نسبتهم ثلاثة بالمئة فقط، وهم صفر بالمئة في بعض المناطق.

ويسوق تقرير “رويترز” برهاناً على ذلك الواقعة الشهيرة التي حصلت الشهر الماضي في منطقة “كفر عويد” بريف محافظة إدلب، حيث قالت “رويترز” إن قائمة القتلى التي وزعتها المعارضة و”الجيش الحر” تكشف أن “قتيلين فقط كانا فرا من الخدمة من أصل ما يتجاوز 120 قتيلاً كانوا من مجموعات مسلحة مدنية صورها صحفيون أجانب على أنهم من “الجيش” المنشق!

وبشأن أخلاقيات وسلوكيات هذا “الجيش”، يقول التقرير نقلاً عن نشطاء ميدانيين في ريف دمشق إن أعماله “لا علاقة لها بالعمل الميداني العسكري، بل تصنف في خانة الجنايات و الجرائم المنظمة”.

وفي سياق مرتبط، كشفت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن أن سفينة حربية ألمانية قامت بمهمة تجسسية قبالة شواطئ سورية، مشيرة إلى أنه تم رصد السفينة الألمانية التي تقل 85 بحاراً على مسافة قريبة من الشواطئ السورية تصل إلى 15 ميلاً بحرياً فقط أثناء قيامها بمهمة تجسسية بالمنطقة.

وأكدت “دير شبيغل” أن المهمة السرية التي تم تكليف السفينة بإنجازها تمت من دون علم البرلمان الألماني، وكانت تهدف لجمع معلومات باستخدام أجهزة استشعار عن بعد سمعية وبصرية، لافتة إلى أن سفناً حربية ألمانية قامت بمهام تجسسية مشابهة قبالة الشواطئ الليبية إبان الحرب الأهلية هناك.