علي حرب – «صدى الوطن»
كالكثيرين من أبناء الجالية العربية فـي مترو ديترويت، دفعت الحروب والظروف الاقتصادية الصعبة محمد حب الله الى التنقل بين العديد من البلدان حول العالم قبل أن يستقر به الحال مع عائلته فـي مدينة ديربورن وهو فـي سن المراهقة.
اليوم يحتفل حب الله ذو الثلاثين عاماً بفوزه الشهر الماضي ببطولة العالم فـي مصارعة الـ«جيو جيتسو»، وذلك بعد سنوات من المثابرة والشغف.
عشق حب الله للمصارعة رافقه منذ طفولته وحتى وصوله الى الولايات المتحدة. وعندما التحق بالثانوية العامة فـي ديربورن وجد الفرصة مناسبة للتسجيل فـي صفوف المصارعة التي توفرها المدرسة.
يقول «لم أكن متميزاً.. لكني واظبت على اللعبة»، حتى تخرج من الثانوية ولم يعد بمقدوره مواصلة ممارسة هوايته بسبب الظروف المعيشية.
وفـي سن الـ٢٦، عاد شغف حب الله بالمصارعة يدغدغ أحلامه، بعد أن انتبه الى وجود ناد رياضي فـي ديربورن لتعليم مختلف أنواع الفنون القتالية.
وبعد تردد دام لستة أشهر قرر حب الله أن يطلب مدرباً خاصاً فـي النادي ليطور إمكانياته، ومنذ ذلك الوقت أدرك الشاب اللبناني الأميركي أنه بإمكانه أن يحقق شيئاً فـي هذه اللعبة، حسبما قال لـ«صدى الوطن» بعد أيام على فوزه ببطولة العالم فـي مباراة الماستر البرازيلي فـي لعبة «جيو جيتسو» فـي الحزام البنفسجي، من فئة الوزن الثقيل، والتي أقيمت فـي لاس فـيغاس الشهر الماضي.
والمعروف ان المصارعة البرازيلية، «جيو جيتسو»، هي رياضة قتالية للدفاع عن النفس حيث يمكن كسب المنافسة من خلال النقاط على الخصم أو إعلان استسلام المنافس بعد صرعه واستسلامه على الأرض.
يقول حب الله إن سر تميزه هو حبه وحاجته للعبة. فعندما كان طفلاً صغيراً، كان يتصارع مع أصدقائه فـي الملعب من أجل المرح واللعب، كما أن المصارعة تشكل مصدر راحة وتفريغ للإحباط الذي عانى منه حب الله فـي سنوات طفولته، حيث اعتاد على التنقل بين البلدان وخسارة الأصدقاء والأماكن العزيزة مع كل انعطافة فـي حياته.
لم يكن هذا التنقل باختيار حب الله أو والديه، حيث حملت الظروف القاهرة الناجمة عن الحروب والظروف الاقتصادية الصعبة عائلته على الهجرة من مكان إلى آخر فكانت ولادته فـي الكويت من أبوين لبنانيين، قبل أن يترك هذا البلد وهو فـي عمر خمس سنوات بسبب حرب الخليج الأولى، فعادت عائلته إلى لبنان، ولكن وطن الأرز أيضاً لا يعرف الاستقرار. وبعد سنة فـي لبنان، هاجرت عائلة حب الله مجدداً إلى السنغال ثم انتقلت الى الولايات المتحدة لفترة محدودة قبل هجرتها مجدداً الى كندا. وهناك ابتسم الحظ للعائلة بفوزها بقرعة الهجرة الأميركية (لوتو البطاقة الخضراء) لتعود العائلة الى الولايات المتحدة وتحديداً الى ديربورن.
حب الله، الذي تزوج فـي آب (أغسطس) الماضي ويملك محلين للهاتف الخليوي، يحمل ملامح حادة، بني العينين ذو فك قوي مع رأس حليق. ومن خلال كلامه، قد يستنتج المرء أنه لا يبدو مستثمراً او قابضاً جدياً للفنون القتالية.
فحب الله ينصح ممارسي رياضة «جيو جيتسو» بقضاء وقت مرح أثناء اللعبة. «لا تأخذها على محمل الجد، فقط تذكر انها أقل شيء مهم فـي العالم».
ورداً على سؤال عن مدى اولويات اهتمامه قبل فنون الدفاع عن النفس بالنسبة له أجاب «تأتي الأسرة فـي الدرجة الأولى ثم العمل والدين».
وأشار حب الله الى انه يتدرب خمس أو ست ساعات أسبوعياً. مؤكداً «أن مفتاح النجاح هو وضع الغرور جانباً وقت التدريب. عندما تمشي كن على استعداد لتلقي ضرب مبرح. كن شغوفاً بما تفعل وليكن موقفك إيجابياً. تعلم. واطرح الأسئلة وعليك أن تحيط نفسك بالناس الجيدين».
حب الله يريد أن يواصل مسيرته الرياضية، ولكن يأمل فـي الحصول على الرعاية اللازمة بعد الفوز بالبطولة. مشيراً الى أنه «بطل العالم» و«قد تغلبت على منافسين كان لديهم أكثر من ١٠ رعاة لكل واحد منهم».
فـي عام ٢٠٠٩، حاز شقيقه الأصغر، خضر حب الله، على المركز الثالث فـي بطولة المصارعة لطلاب الثانويات فـي الولاية. واكد حب الله ان السبب يعود إلى أنه كان دائماً يشجع شقيقه لتحقيق النجاح.
«عندما كنت انخرط بمنافسة فـي المدرسة الثانوية، لم تكن لدي وسيلة للمتابعة والمثابرة على الأمر ولم يدفعني أحد لذلك»، استطرد حب الله، وتابع «عندما جاء دوره، وقفت وراءه وشجعته وكنت أتأكد من حصوله على كل ما يحتاجه». وقال داني عجمي، مدرب حب الله فـي «أكاديمية ديترويت للجيو جيتسو» أن الناس يلقبون حب الله بطل العالم فـي «جيو جيتسو» باسم «مو المجنون» psycho Moe بسبب قوته وأسلوبه غير التقليدي فـي القتال.
واستذكر المدرب أن حب الله «فـي غضون أسبوعين من الالتحاق بالنادي، قرر المشاركة ببطولة محلية»، مؤكداً أنه «لم يكن يعرف بحق الجحيم ماذا كان يفعل، وأنا كنت اشرح له كيفـية الاستسلام وكان على وشك فعل ذلك، لكن اللاعب الخصم سبقه للانسحاب من المباراة لأنه كان خائفاً من عدوانية مو». وهكذا انتهت المباراة لصالح حب الله الذي فاز وقتها بالبطولة، وفقاً لعجمي.
وأوضح المدرب «كنت أعرف منذ اليوم الأول أنه سيكون مصارعاً خاصاً مميزاً»، وتابع «إن أفضل سمة فـي حب الله هي عدم خوفه وهو على الحلبة».
رضوان حب الله، والد بطل العالم، يشعر بالامتنان لأن أبناءه اتبعوا أهواءً رياضية، «بدلاً من الوقوع فـي المخدرات وغيرها من الرذائل». ومحمد حب الله هو البكر بين خمسة أولاد. ويشير والده الى انه يثق بشخصية أبنائه مانحاً زوجته، سميرة الوزاني، الفضل فـي تماسك الأسرة الذي أدى إلى النجاح على الرغم من تغيير أماكن السكن عدة مرات.
«محمد يحب الرياضة» خلص الأب إلى القول «هو مسلم متدين، يحترم أسرته ويساعد إخوته. إنه طموح، ودائما يتحدى نفسه».
Leave a Reply