الظاهرة تتصاعد .. ومجرمون وتجار مخدرات متورطون فيها
ميشيغن واحدة من الولايات التي تتصدر الإحتيال العقاري، والذي يتسبب في خسارة المواطنين ملايين الدولارات، ويضيف الآلاف إلى قائمة البيوت المستردة للبنوك، ومن أسباب انتشار هذه الظاهرة أن منفذي خطط الإحتيال هنا وجدوا مجموعة عوامل شجعتهم على تنفيذ خططهم، ومن هذه العوامل أناس بسطاء مستعدون للإستدانة وفق قروض مسهلة وغير موثقة.وقد إرتفعت نسبة عمليات الإحتيال العقاري في ميشيغن 150 ضعفا خلال السنوات العشرة الأخيرة، من تسع حالات عام 1997 إلى 1431 في 2006، ويبدو أن الدائنين المتهورين أحيانا بالتعاون مع المستدينين وأحيانا بدونهم يمنحون قروضا غير آمنة، وذلك من شأنه توفير «كوميشن» لهم دون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية. ويقول المحامي بوب داي من ديترويت «هذا كله نتيجة الإقراض غير الحكيم» ويمثل داي عددا من أصحاب المنازل الذين أخذت بيوتهم نتيجة خطط إحتيالية.ويرى المحققون أن موزعي المخدرات ومجرمين آخرين اقتنصوا ملايين الدولارات من خلال نظام الإقراض في ميشيغن نظرا لسهولة معاملاته ونقص التوثيق فيه.ويقول مارك باولينغ المشرف على مكتب «أف بي آي» في مقاطعة ماكومب «رأينا أناسا كانوا متورطين قبل عامين في جرائم نقل المخدرات، لقد دخلوا لعبة الإحتيال العقاري لأنها أسهل وأكثر أمنا وأرباحها طائلة، وحال دخولهم هذا النوع من الأعمال عرفوا كم هو سهل». وأضاف باولينغ «أحيانا كانت جهودهم متوافقة مع القانون، وفي أحيان أخرى كانوا يرتكبون الجرائم، وفي كلتا الحالتين تمت مصادرة البيوت وخرجوا وجيوبهم مملوءة بالمال». وتابع «من الصعب تحديد مستوى الإحتيال والتكاليف الناجمة عنه لأن الكثير لم يتم التبليغ بشأنها».ويخشى المدعون العامون من أن الكثير من الضحايا إما خجلون من الإعتراف بسبب الإحتيال عليهم أو أنهم غير منتبهين للأمر، والبعض قد يخافون من رفع شكوى قد تؤثر على حظوظهم بالحصول على قرض جديد. «الكثير منهم من خلال الذين رأيتهم لا يعرفون أنهم كانوا ضحايا» بحسب مارغريت دومينيك وهي مساعدة المدعي العام في محافظة ماكومب، التي قالت «هم لا يستطيعون بالضبط تحديد ما جرى».المركز المسؤول عن الإقراض قدّر الخسائر الناجمة عن الإحتيال العقاري في ديترويت بـ500 مليون دولار، جاءت على شكل قروض سيئة، وضرائب ضائعة عن الأملاك وتدهور في أسعار المنازل المجاورة. وكانت معدلات تحقيق «أف بي آي» في جرائم الإحتيال العقاري صعدت على المستوى الوطني 6 مرات في أربع سنوات الأخيرة، ومكتب «أف بي آي» غير راغب في إصدار بيانات تخص كل ولاية على حدة، لكن ميشيغن واحدة من الولايات العشرة الأولى على القائمة، وتتراوح الجرائم فيها بين مقترضين لم يفصحوا بمعلومات صحيحة عن دخولهم أو آخرين اشتروا بيوتا بأسعار بخسة من أناس كبار في السن.بيانات «فاني ماي» وضعت ديترويت على رأس اللائحة في الإحتيال العقاري على المستوى الوطني، وإن المقرضين والمقترضين فيها متورطون في تزوير ارقام ضمان إجتماعي وديون وتثمينات. التثمينات المضخمة منتشرة بحيث تجعل من المستحيل غالبا تسعير قيمة الأملاك بشكل صحيح في بعض مناطق ديترويت الكبرى، قالت ليزا مانزيلا وهي خبيرة تخمين في بلدة شلبي تاون شيب. أضافت أن الأمور سيئة في أجزاء من ديترويت «فأنت لا تستطيع إيجاد حيّ لم يحدث فيه إحتيال عقاري، ولا أعتقد أن آليات تنفيذ القانون المعمول بها قادرة على وقف هذا». التضخيم في تثمين المنازل لأخذ قروض أكبر من البنوك واحدة من وسائل عدة غالبا ما تؤدي إلى إستيلاء البنوك على المنازل، فالرهونات العقارية الجديدة التي خفضت المطالبة بإعلان وتوثيق المعلومات المالية
جعلت من الإحتيال عملية أسهل، سواء من المقرضين تجاه أصحاب المنازل وبالعكس.الفاحصون من مكتب الولاية وجدوا أخطاءا ارتكبت في 80 بالمئة من الحالات التي تمت مراجعتها بشكل دائم، حسب ما أفادت هيدي وايت من مكتب الخدمات المالية والتأمين. ولأن الجريمة سائدة جدا وتكاليف التقاضي مرتفعة جدا، عمدت السلطات الفدرالية إلى إستهداف الحالات المتضمنة مئات آلاف الدولارات «هذا بالطبع لن يمنع الجريمة» برأي أحد المسؤولين في مكتب «أف بي آي»، مضيفا «لدينا من القضايا ما يكفي لشغل ثمانية ضباط بشكل دائم في جرائم الإحتيال العقاري».
كشف عن أسرار الإحتيالالإحتيال العقاري كان سهلا لهاني مرتضى والأموال التي جناها منه كانت أكبر من تلك التي كان يكسبها كموظف في محل للدولار ستور في الفترة من 2002-2004 انتقل هذا المواطن اللبناني من عامل جزئي في دولار ستور إلى جانب دراسته في الكلية إلى مسؤول قروض عقارية وأصبح يملك 25 ألف دولار في حسابه المصرفي وسيارة «كاديلاك إيسكاليد» في مرآب منزله، في تلك الأيام كانت الأموال تأتيه بسرعة وإمكانية إكتشافه كانت شبه معدومة. وقال مرتضى الذي كانت مجموعته تضم عدة خبراء في مجال النصب لهيئة محلفين في ديترويت «كنت أعرف أن المقرضين لن يطالبوا بتوثيق المعلومات». مرتضى (29 عاما) كان واحد من عشرة أشخاص نفذوا خططا إحتيالية طالت 6 بيوت في ديترويت وديربورن، مرتضى اعترف أنه مذنب بالتهم الفدرالية التي وجهت إليه بالتآمر لإرتكاب إحتيال ضد البنوك وقد رفض مرتضى بحسب نصيحة محاميه التعليق على هذه القصة، لكنه وثيقة عن شهادته في نيسان (أبريل) الماضي ضمن محاكمة زميله المتهم صافي صبح كشفت أسرارا حول خطط للنصب أسفرت عن سرقة مئات آلاف الدولارات من البنوك ما أفضى إلى مصادرة عدد من المنازل.ويقضي صبح حكما بالسجن 10 سنوات لتنفيذه خطة الإحتيال، فيما سيتم الحكم على مرتضى خلال الشهر القادم. وكان مرتضى قد قال في شهادته أن صبح علّمه كيف ينفذ عمليات إحتيال عقارية وذلك في العام 2002 حين كانت معدلات الفوائد متدنية وأسعار المنازل مرتفعة ما أدى إلى دخول الآلاف إلى هذه الأعمال، وكانت القروض أيامها سهل الحصول عليها.
وبدلا من إطّلاعه على بيانات الدخل للحصول على قرض، كان مرتضى يعمل العكس تماما: كان يحسب كم هو المطلوب ويضع الرقم على أنه الدخل الحقيقي لصاحب الطلب. وكان مرتضى من أجل تبرير الدخل المزيف يسعى إلى إختلاق وثيقة «دبليو 2» و«أصول شيكات» مزيفة، البعض منهم لم يكن بحوزته حتى حسابات مصرفية، فيما آخرون كان ليس لديهم سجّل إئتمان لأنهم لم يسبق لهم الإقتراض، وكان مرتضى ومجموعته يخلقون لهؤلاء قروضا مزيفة ومن أنهم كانوا يدفعون الأقساط المترتبة عليهم بشكل منتظم.أحيانا كان مرتضى يلعب دور صاحب العمل لمقدم الطلب «أحيانا كنا نختار مكان عمله» قال مرتضى وأضاف «لو كان الدخل المطلوب 60 ألفا وهو يعمل نادلاً في أحد المطاعم فذلك غير منطقي، لذا كنا نكتب في الطلب أنه مدير أو محاسب أو أي وظيفة تلائم الدخل المطلوب». مرتضى وآخرون كانوا يزاولون عملهم من خلال مكتب صبح العقاري كانوا يقدمون هذه الوثائق المزورة ويضخمون قيمة المنازل للحصول على قروض من البنوك بملايين الدولارات. وغالبا كان المشتري مشاركا في الصفقة، من خلال قيام المجموعة بإعطاء المشتري 10 آلاف دولار أو أكثر ويقوموا بعد ذلك بتضخيم قيمة القرض، مع علمهم أن سجل إئتمان المشتري الوهمي سيدمّر عقب الإستيلاء على المنزل، وكان مرتضى يشجع المشتري على وضع عدة منازل تحت أسمه قبيل تدمير سجله الإئتماني، وكان مرتضى يعد المشتري الوهمي بمنحه سيارة «كاديلاك إيسكاليد» إذا قام بالتوقيع على شراء المنزل.في الفترة بين تموز 2003 وأيار 2004 ارتكب مرتضى عمليات إحتيال عقارية بقيمة 255 ألف دولار، ثم هرب إلى لبنان وبحوزته 021 ألفا على شكل شيكات حملها معه، وحين أوقفت الحكومة الأميركية صرف هذه الشيكات، عاد مرتضى إلى ديترويت حيث تم إلقاء القبض عليه.
الجريمة سهلة وسائدةخطة مرتضى الإحتيالية واحدة من بضعة جرائم منتشرة في ديترويت، والهدف منها هو النصب على المقرضين أو المقترضين أو كلاهما، فارتكاب أعمال الإحتيال مسألة سهلة، بحسب المحامي عبد حمود مساعد مدعي عام محافظة وين وعضو هيئة مكافحة الإحتيال في المحافظة «ديد فراود تاسك فورس» وقال «ليس عليك أن ترفع مسدسك في وجه أحد، وليس عليك أن تتحرك أمام كاميرا للمراقبة، مثلما يحدث عند السطو على أحد البنوك، على العكس فأنت هنا جالس على مكتبك ولديك مال وفير، والعملية أحيانا لا تحتاج لأكثر من توقيع مزور».وكان فريق عمل مقاطعة وين قد جلب 30 من المتهمين في قضايا مماثلة خلال العام الجاري، بزيادة ملحوظة عن العام الماضي لكن حمود ليس لديه إحصائيات عن العام الماضي. أما محافظتي أوكلاند وماكومب فكلاهما لا تحتفظان بسجل أعداد القضايا العقارية المرفوع بشأنها قضايا جنائية. وتضم «تاسك فورس» في محافظة أوكلاند مسؤولين هم «كليرك» المحافظة والشريف ومكتب الإدعاء وقد اجتمعوا الاسبوع الماضي لتحديث المعلومات بشأن قضايا معلقة، بحسب إيد سيبور مساعد المدعي العام في المحافظة. ولأن فرص إكتشاف المحتالين العقاريين ضعيفة في مقابل الجرائم الأخرى فإنه من الصعب على الشرطة إكتشافها. أحد المحتالين ويدعى ستوكس كان أمضى 15 عاما في السجن بتهمة الإتجار بالمخدرات وبعد خروجه من السجن عمل في الإحتيال العقاري، حيث قام ببيع منزل في ديترويت دون علم مالكه الحقيقي وباستخدام وثائق مزورة، وحاليا يصارع مالك المنزل مع الشركة العقارية
لمنع البنك من الإستيلاء على منزله بحسب حمود الذي تولى الادعاء في قضية ستوكس، وأضاف حمود «ستوكس عاد مجددا خلف القضبان في جريمة تترواح عقوبتها بين 3 – 14 عاماً».
جريمة قتلسامر فواز وبشار فرّاج شريكان لمرتضى في المؤامرة وكلاهما تعلما الإحتيال العقاري على يد صبح بحسب الشرطة، فقد أظهرت تقارير التحقيق التي قامت بها «أف بي آي» فإن فواز وفراج قاما بارتكاب جريمة قتل المدعو رائد الفرح في مكتبهما العقاري في ميشيغن الكائن على الميل 15 في مدينة ستيرلينغ هايتس، حيث لم تعثر الشرطة على الجثة، ووجدوا بقعة دم كبيرة على موكيت المكتب وبسؤالهما ادعى فواز وفراج أن ذلك عصير كرانبري، تبين فيما بعد أنه آثار دماء المغدور رائد الفرح، حيث صدر حكم ضدهما بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثانية تتراوح عقوبتها بين 20-50 عاما في السجن، وكلاهما أيضا صدر بحقهما حكم بارتكاب جريمة إحتيال عقاري.نيلسون سمبتر لم يكن بوسعه تنفيذ خطط إحتيال عقارية كان يزمع القيام بها في عدة ولايات، بسبب تنفيذه حكما بالسجن لجريمة إحتيال على أشخاص أوهمهم أنه سيوفر لهم وظائف في المطار مقابل حصوله منهم على مبالغ من المال، ولأن ميشيغن لا تشترط كشفا أمنيا عن خلفية المتقدمين للعمل كعملاء قروض، إستطاع سمبتر أن يعمل في وظيفة كهذه. سمبتر (42 عاما) من مدينة بتسفيلد كان مثل في أيلول الماضي أمام سلطات محافظة وين، بتهمة سلب المبالغ المدفوعة من قيمة منازل لعدد من المسنين في ديترويت، وهذه المنازل حاليا قيد الإستيلاء عليها ومن بين ضحايا سمبتر المدعوة دورثي وولكر الذي توفي زوجها حديثا وأضحت عاجزة عن دفع أقساط الرهن على منزلها في ديترويت والذي تمتلكه منذ 17 عاما. قالت وولكر «كنت مشغولة في حديقة منزلي حين جاءني رجل وقال لي أنه باستطاعته مساعدتي للأحتفاظ بالمنزل، أحضر هذه الأوراق لأوقعها، وقلت له لا أدري ما إذا كان عليّ أن أفعل ذلك».هذا الرجل كان عمر شقيق نيلسون سمبتر أقنع السيدة وولكر أن إعادة التمويل قد تحفظ لها منزلها وتجلب لها مالا. قامت بالتوقيع وفي ظنها أنها وثائق لإعادة التمويل، وما علمت أنها وثائق للتنازل عن بيتها لصالح سمبتر، بعد ذلك قام هذا الأخير ببيع البيت وحصل على 06 ألف دولار كانت في الأصل من حق وولكر. وعليه خسرت وولكر وأولادها الستة منزلهم «ليس لدينا أي مكان نذهب إليه»، قالت وولكر.يعتقد حمود أن المحققين حاليا هم في بدايات معالجة ظاهرة الإحتيال العقاري في ديترويت التي يصفها بأنها متفشية أكثر بكثير مما ظهر حتى الآن. معتبراً «أن حجم الأذى من جرائم الاحتيال كبيرا جداً ومدمراً، على عكس ما يرى بعض الناس بأن جرائم القتل هي الوحيدة المدمرة لحياة الناس».
(«صدى الوطن»، «ديترويت نيوز»)
Leave a Reply