لانسنغ – بعد عدة أسابيع من المحاولات القضائية والسياسية الفاشلة لقلب نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية في ميشيغن، حصل الرئيس المنتخب جو بايدن –رسمياً– على أصوات مندوبي الولاية الـ16 في إجراء دستوري عقدته الحاكمة غريتشن ويتمر، يوم الاثنين الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة لحماية مقر الكابيتول بالعاصمة لانسنغ، بعد تداول إشاعات حول إمكانية حدوث أعمال عنف وترهيب للضغط على المشرعين لتغيير نتيجة الانتخابات لصالح الرئيس دونالد ترامب.
وتم إرسال أصوات الولاية الـ16 إلى الكونغرس الأميركي الذي سيقوم بالمصادقة عليها في 6 كانون الثاني (يناير) القادم، بحضور الحاكمة ونائبها غارلين غيلكريست، وحضور المندوبين الديمقراطيين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح بايدن، فيما منعت شرطة الولاية –بأمر من ويتمر– المندوبين الجمهوريين من دخول مبنى الكابيتول لإرسال لائحة بديلة إلى الكونغرس.
وكان مسؤولو مجلسي النواب والشيوخ قد أغلقوا مكاتبهم في لانسنغ يوم التصويت بذريعة «مخاوف تتعلق بالسلامة والأمن»، وذلك بعد تصريح لأحد المشرعين بأن أهوالاً ستقع في ذلك اليوم بسبب الغضب الشعبي من «سرقة الانتخابات».
وقد انتشر نحو مئتي عنصر من شرطة الولاية في محيط الكابيتول، فيما لم يتظاهر خارج المبنى سوى حفنة من أنصار الرئيس ترامب. أما الأفراد الذين سمح لهم بدخول القاعة للمشاركة في إجراءات التصويت، ومن ضمنهم خمسة صحفيين، فقد أخضعوا جميعاً لفحص الحرارة وارتدوا الكمامات طوال وقت الجلسة.
ورغم الضغوط التي تعرض لها المشرعون الجمهوريون على مدى الأسابيع الماضية، رفض رئيس مجلس نواب الولاية، لي تشاتفيلد، وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس شيوخ الولاية، مايك شيركي، مطلب فريق ترامب القانوني بقلب النتيجة لصالح الرئيس الحالي، رداً على التزوير المزعوم للانتخابات التي فاز بها بايدن بفارق 154 ألف صوت، وفق النتائج الرسمية.
وكان تشاتفيلد وشيركي قد التقيا الرئيس ترامب في البيت الأبيض عقب الانتخابات حيث تقول التقارير الإعلامية إنهما تعرضا للضغوط من أجل قلب نتائج الانتخابات بذريعة أنها مزورة.
ولكن الزعيمين الجمهوريين لم يستجيبا لترامب وفريقه القانوني، وامتنعا عن استخدام الحق الدستوري للمجلس التشريعي باختيار كبار المندوبين للمجمع الرئاسي بحجة عدم صدقية الانتخابات.
وقال شيركي في بيان إنه من حق المندوبين الديمقراطيين الإدلاء بأصواتهم «بحرية ومن دون تهديدات» لصالح بايدن رافضاً الانقلاب على نتيجة الانتخابات الشعبية.
أما تشاتفيلد الذي أقر بحق المجلس التشريعي باختيار المندوبين، فرفض أيضاً المضي في هذا المسار احتراماً لإرادة الناخبين.
وبحصول بايدن على أصوات ولاية ميشيغن والولايات الأخرى المتنازع عليها، تمكن المرشح الديمقراطي من نيل أغلبية أصوات الكلية الانتخابية (306 من أصل 538 مندوباً)، ليصبح رسمياً رئيساً منتخباً للولايات المتحدة، فيما يصر ترامب على رفض الإقرار بالهزيمة –حتى الآن.
ولايزال الرئيس الجمهوري يتحدث عن إمكانية قلب الانتخابات، من خلال الطعن بأصوات مندوبي الولايات المتنازع عليها قبل اعتمادها رسمياً من قبل الكونغرس الأميركي، بالتزامن مع استمرار جهود فريقه القانوني وحلفائه للطعن بنزاهة الانتخابات في المحاكم المحلية والفدرالية، رغم الصفعة التي تلقتها تلك الجهود من المحكمة الأميركية العليا التي رفضت النظر بدعوى تقدمت بها ولاية تكساس ضد شرعية الانتخابات في ميشيغن وثلاث ولايات أخرى.
وفي هذا السياق، قدم الجمهوريون في الولايات المتنازع عليها، لوائح بديلة من المندوبين الذين صوتوا لترامب وأرسلوا أصواتهم إلى الكونغرس مطلع الأسبوع الماضي، بدعم من مشرعين محليين.
وفي ميشيغن، أيد خمسة نواب جمهوريون لائحة المندوبين لصالح ترامب وحاولوا الدخول معهم إلى الكابيتول للإدلاء بأصواتهم رسمياً، لكنهم منعوا من قبل شرطة الولاية التي قالت إنها تنفذ الأوامر بإغلاق الكابيتول أمام العامة.
جلسات الاستماع مستمرة
ورغم إقرار قادة الجمهوريين في مجلس ميشيغن التشريعي، بفوز بايدن، إلا أنهم أعربوا عن دعمهم لاستمرار جلسات الاستماع حول نزاهة الانتخابات التي تواصلت الثلاثاء الماضي أمام لجنتي الرقابة في مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بعد صدور نتائج الفحص الجنائي لماكينات التصويت في مقاطعة أنتريم في شمال الولاية، والتي شهدت أخطاءً تسببت بقلب نحو ستة آلاف صوت لصالح بايدن.
ومثُل الرئيس التنفيذي لشركة «دومينيون» التي لديها ماكينات تصويت في 63 مقاطعة في ميشيغن، بينها مقاطعة أنتريم وكبريات مقاطعات الولاية، أمام لجنة الرقابة في مجلس الشيوخ، حيث نفى للأعضاء مسؤولية الشركة عن «تغيير أو إلغاء أي أصوات».
وقال جون بولوس رداً على الاتهامات بالتلاعب بالأصوات عبر الماكينات إن حملة التضليل التي استهدفت شركته «تتناقض مع الحقائق والمنطق»، مؤكداً أن «أحداً لم يقدم حتى اليوم دليلاً على التزوير أو قلب الأصوات في أنظمة دومينيون لأن هذه الأشياء –ببساطة– لم تحدث أصلاً».
وقال بولوس الذي مثُل إلى جانب محاميه عبر الإنترنت، إن النتائج الخاطئة التي أظهرتها ماكينات التصويت في مقاطعة أنتريم مردّها «سلسلة أخطاء بشرية»، علماً بأن الماكينات أظهرت فوز بايدن بنحو 3,200 صوت لكن مراجعة الأصوات يدوياً في اليوم التالي للانتخابات أظهرت أن ترامب هو الفائز الحقيقي بأكثر من 3,700 صوت.
وجاء مثول المسؤول في شركة «دومينيون» بعد انتشار معلومات حول قيام الشركة بالتلاعب بنتائج الانتخابات عبر استخدام أنظمة حاسوبية تسهل عملية تغيير الأصوات وحذفها. وأن هذه الأنظمة قد استخدمت لتزوير الانتخابات في العديد من البلدان الأخرى، مثل فنزويلا.
وكان فحص جنائي لماكينات التصويت في مقاطعة أنتريم، بموجب أمر من قاضي المقاطعة كفين ألسينهايمر، قد استنتج أن أنظمة «دومينيون» «مصممة بشكل مقصود ومتعمد بوجود أخطاء متأصلة لإحداث تزوير منهجي والتأثير على نتائج الانتخابات»، وفق الشركة المتخصصة التي أجرت الفحص، «آلايد سيكيورتي أوبريشنز».
لكن بولوس وصف التقرير بأنه «منحاز» و«غير واقعي»، مع الإشارة إلى أن القاضي أمر بإبقائه سرياً لمدة أسبوع قبل السماح بالكشف عنه يوم الاثنين الماضي، بالتزامن مع تصويت المجمع الانتخابي.
وأكد بولوس أنه «من المستحيل من الناحية التكنولوجية أن تتم مراقبة عد الأصوات أو قلبها»، واصفاً الأقاويل حول تأسيس «دومينيون» في فنزويلا بأموال كوبية بقصد سرقة الانتخابات بأنها «أكاذيب خالصة».
وأضاف: «لقد أسست شركتي في الطابق السفلي من منزلي، والذي يصادف وجوده في تورنتو»، مع الإشارة إلى أن شركة «دومينيون» لديها ماكينات تصويت في 28 ولاية أميركية اليوم على الرغم من أنها شركة كندية المنشأ.
ولم يكتف المشرعون في الاستماع إلى شهادة بولوس، حيث صوت مجلس النواب بنتيجة 58–51 يوم الثلاثاء الماضي، لمنح لجنة الرقابة صلاحية إصدار مذكرات استدعاء لمواصلة التحقيق في المخالفات الانتخابية رغم المعارضة الشاملة من المشرعين الديمقراطيين. وعلى الفور استدعت اللجنة التي يرأسها النائب الجمهوري مات هول، كلاً من كليرك مدينة ديترويت، جانيس وينفري، وكليرك مدينة ليفونيا، سوزان ناش، للاطلاع على أسباب التفاوت الكبير في عدد الأصوات الغيابية وعدد الناخبين المسجلين في المدينتين.
وسيتعين على المسؤولتين تقديم جميع الوثائق المطلوبة مع شرح مفصل لكيفية إشرافهما على العملية الانتخابية في المدينتين، بحلول الساعة الخامسة من بعد ظهر 12 كانون الثاني (يناير) المقبل.
وقال هول إن المشرعين بحاجة إلى مراجعة عملية احتساب الأصوات الغيابية وإجراءات تدريبات الموظفين وسجلات الناخبين ومواد أخرى تشمل تسجيلات كاميرات المراقبة والأقراص الصلبة التي استخدمت في العملية الانتخابية. وأَضاف «يمكن أن تساعد هذه المعلومات في استكمال الصورة بينما نعمل على تزويد الناس في جميع أنحاء ولايتنا بالوضوح والإجابات التي يستحقونها –حتى يتمكنوا من الحصول على نظام انتخابات يثقون به للمضي قدماً».
لكن من جهة أخرى، سارعت سكرتيرة الولاية، جوسلين بنسون، إلى رفض طلب مثولها أمام لجنة الرقابة النيابية، وقالت في رسالة إلى هول إن اللجنة «تعزز نظريات مؤامرة تم دحضها»، مطالبة باعتراف علني بدقة الانتخابات وصدقية تمثيلها لإرادة الناخبين في ميشيغن.
كما انتقدت بنسون جلسات الاستماع التي عقدتها لجنتا الرقابة ووصفتها بأنها كانت منصة لنشر مزاعم واتهامات لا أساس لها من الصحة ضد مسؤولي الانتخابات في الولاية، مشيرة إلى أنها هدر لأموال دافعي الضرائب.
وقالت «بالتأكيد الجلسات كانت مثار إحراج وتفتقد إلى المصداقية لدرجة أنها كانت محل سخرية على البرامج الكوميدية الوطنية».
ورد هول على رسالة بنسون معرباً عن خيبة أمله من موقف المسؤولة الديمقراطية قائلاً إنها تفوت فرصة مناقشة مصداقية الانتخابات من خلال «اختلاق الأعذار وممارسة الألاعيب السياسية الرخيصة». وأضاف «الأمر يتعلق بالناس وليس السياسة» لافتاً إلى أن نتائج الانتخابات قد تم اعتمادها رسمياً «لكن الناس لازالت لديهم أسئلة حول الانتخابات وتلك الأسئلة تحتاج إلى الإجابة عليها».
وتابع قائلاً «نحن مقبلين على مزيد من انعدام الثقة في المستقبل إذا لم يستجب مسؤولو الانتخابات لاستفسارات الناس بوضوح وشفافية».
وفي السياق، من المتوقع أن ينهي «مكتب الانتخابات» التابع لسكريتاريا الولاية عملية تدقيق بعينات واسعة من الأصوات في مقاطعتي وين وأنتريم وحوالي 200 دائرة انتخابية أخرى في أنحاء الولاية بموعد أقصاه 8 يناير القادم.
Leave a Reply