بعد تسريب مسوّدة للمحكمة الأميركية العليا حول مصير قرار «رو ضدّ ويد»
واشنطن، لانسنغ
أثار تسريب نُشر مطلع الأسبوع الماضي حول توجه المحكمة الأميركية العليا لإلغاء حكم «رو ضد ويد» الذي كرّس حق الإجهاض في الولايات المتحدة منذ العام 1973، عاصفةً من ردود الفعل السياسية والشعبية، في الوقت الذي تستعد فيه 25 ولاية، بينها ميشيغن لتجريم عمليات الإجهاض بفعل سريان قوانين قديمة لم يتم تعديلها أو إلغاؤها قط.
الوثيقة المسربة التي نشرها موقع «بوليتيكو»، تسببت بموجة احتجاجات عمت معظم المدن الرئيسية، بالتوازي مع تصريحات شاجبة أطلقها سياسيون ديمقراطيون في طول البلاد وعرضها، بمن فيهم الرئيس جو بايدن الذي حذر من انعكاس القرار على حقوق أخرى تم تكريسها خلال العقود الماضية، مثل زواج المثليين وتحديد النسل، وفق تعبيره.
وأثار توجه المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة لإلغاء حكم «رو ضد ويد»، موجة تظاهرات قادتها منظمات الحركة النسوية في العاصمة واشنطن ومختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك ديترويت وغراند رابيدز بولاية ميشيغن، وسط استمرار الانقسام الوطني حول الإجهاض بين أنصار «حق الاختيار» من جهة، وأنصار «حق الحياة» من جهة أخرى.
وفي حال المضي قدماً في الانقلاب على حكم «رو ضد ويد» فإن ما يقرب من نصف النساء الأميركيات في سن الإنجاب (18–49) – أي حوالي 36 مليون امرأة– سيفقدن إمكانية اللجوء إلى الإجهاض بشكل قانوني، وفقاً لتقدير أصدرته منظمة «بلاند بيرنتهمود»، وهي منظمة رعاية صحية توفر عمليات الإجهاض على نطاق واسع.
وتنظر المحكمة في قرار «رو ضد ويد» لأنها تبحث طعناً بشأن حظر ولاية ميسيسيبي للإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل. وكان القضاة قد بدأوا جلسات الاستماع في الطعن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وأبلغ عن حوالي 630 ألف حالة إجهاض في الولايات المتحدة عام 2019، وفقا للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) وكان هذا انخفاضاً بنسبة 18 بالمئة مقارنة بعام 2010.
وتمثل النساء في العشرينيات من العمر غالبية عمليات الإجهاض – ففي عام 2019 كانت حوالي 57 بالمئة من هذه الفئة العمرية.
ويمارس الإجهاض بين الأميركيات السود أكثر من الفئات العرقية الأخرى، بمعدل 27 حالة سنوياً لكل ألف امرأة بين سن 15 و44 عاماً.
لكن بمجرد إلغاء قانون «رو ضد ويد» ستصبح مسألة الإجهاض محكومة بقوانين الولايات، حيث لا تزال 25 ولاية أميركية، من بينها ميشيغن، تجرم هذا النوع من الإجراءات الطبية إما بشكل كلي أو جزئي.
وبالإضافة إلى ميشيغن، سيؤدي إبطال قانون «رو ضد وايد» إلى حظر الإجهاض في 24 ولاية أخرى هي: ألاباما، أريزونا، أركنسو، جورجيا، أيداهو، إنديانا، كنتاكي، لويزيانا، ميسيسيبي، ميزوري، نبراسكا، نورث كارولاينا، نورث داكوتا، أوهايو، أوكلاهوما، بنسلفانيا، ساوث كارولاينا، ساوث داكوتا، تينيسي، تكساس، يوتاه، ويست فرجينيا، ويسكونسن ووايومنغ.
وأكد رئيس المحكمة العليا جون روبرتس أن الوثيقة المسربة حول رأي أغلبية القضاة «حقيقية»، لكنها لا تمثل القرار النهائي للمحكمة. الذي من المتوقع أن يصدر في أواخر حزيران (يونيو) أو أوائل تموز (يوليو) القادم.
ووصف روبرتس في بيان تسريب الوثيقة بأنه خيانة وأمر بفتح تحقيق، قائلاً إن عمل المحكمة «لن يتأثر بأي شكل من الأشكال».
وقال روبرتس إن موظفي المحكمة «لديهم تقليد نموذجي وهام في احترام سرية العملية القضائية، والحفاظ على ثقة المحكمة». وأضاف «كان هذا انتهاكاً فظيعاً ونادراً لتلك الثقة، وإهانة للمحكمة ومجتمع الموظفين العموميين الذين يعملون هنا»، مؤكداً أنه أمر رئيس شرطة المحكمة بفتح تحقيق في مصدر التسريب.
وكتب القاضي صامويل أليتو، في المسودة المكونة من 98 صفحة، يقول إن القرار الذي يضفي الشرعية على الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة «خطأ فادح».
ونشر موقع «بوليتيكو» الإخباري الوثيقة المسربة كاملة، ونقل عن القاضي أليتو قوله إن القرار استند منذ البداية على «منطق ضعيف للغاية، وكانت له عواقب وخيمة».
يذكر أن إلغاء «رو ضد ويد» أصبح حتمياً تقريباً بمجرد تعيين ثلاثة قضاة محافظين في أعلى سلطة دستورية في البلاد خلال عهد دونالد ترامب.
وأفاد موقع «بوليتيكو» بأن القاضي أليتو وأربعة قضاة آخرين عينهم الجمهوريون – هم كلارنس توماس ونيل غورسيتش وبريت كافانو وأيمي كوني باريت– أيدوا التحرك المضاد لقرار «رو ضد ويد»، لكن ليس من الواضح كيف سيصوت رئيس المحكمة، جون روبرتس.
وإذا أصبحت المسودة قراراً بالأغلبية، سيلغى حق الإجهاض في الولايات المتحدة، مما يمهد الطريق لكل ولاية على حدة لحظر الإجراء تماماً، أو فرض المزيد من القيود عليه.
وقال «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» إنه في حالة تأكيد ذلك «فسيحرم نصف الأمة من حق دستوري أساسي تمتعت به ملايين النساء لأكثر من 50 عاماً».
من جانبه، دعا بايدن إلى حماية حق المرأة في الإجهاض، مؤكداً أنه إذا تم المضي قدماً في إلغاء «رو ضد ويد»، فإن ذلك قد ينال من الحريات الأخرى، مثل زواج المثليين.
وقال إن «الحد الأدنى من العدالة يقضي بعدم نقض حق النساء في الاختيار».
وفي السياق، أصدرت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وكلاهما ديمقراطيان، بياناً مشتركاً قالا فيه إنه إذا كان التقرير دقيقاً فإن «المحكمة العليا تتهيأ لفرض أكبر تقييد للحقوق خلال السنوات الخمسين الماضية».
ميشيغن
في حال إلغاء قانون «رو ضد ويد» دون سنّ قانون جديد لتنظيم عمليات الإجهاض في ميشيغن، سيعود العمل تلقائياً بـ«القانون 328» الصادر عام 1931، والذي يحظر إجراء عمليات الإجهاض ضمن حدود الولاية إلا في حال كانت حياة الأم مهددة بخطر الموت.
وهذا يعني أن حوالي 2.2 مليون امرأة من سكان ميشيغن سيفقدن الوصول إلى الإجهاض. وبدلاً من ذلك، سيحتاج هؤلاء إلى السفر إلى ولايات أخرى للتخلص من حالات الحمل غير المرغوب بها.
ومن غير مرجح أن يلجأ مجلس ميشيغن التشريعي ذات الأغلبية الجمهورية إلى سن قانون جديد لتنظيم الإجهاض في الولاية، علماً بأن الديمقراطيين حاولوا مراراً وتكراراً طرح مشاريع قوانين لإلغاء «القانون 328»، لكن الجمهوريين قرروا عدم طرح تلك المقترحات للتصويت.
وبالتالي فإن إلغاء «رو ضد ويد» سيؤدي عملياً إلى إغلاق بعض عيادات الإجهاض في ميشيغن، فيما سيبقى بعضها الآخر مفتوحاً لتقديم خدمات الصحة الجنسية الأخرى، بما في ذلك تحديد النسل واختبار الأمراض المنقولة جنسياً، فيما يتوقع المراقبون أن يختار الكثير من أطباء الإجهاض مغادرة الولاية بحثاً عن فرص عمل في ولايات أخرى تجيز إجهاض الأجنة.
وكان مجلس الولاية التشريعي قد أقرّ «القانون 328» لعام 1931، الذي ينص على ملاحقة كل من يقدم عقاراً طبياً أو مخدراً لامرأة حامل بغرض إنهاء الحمل، بتهمة ارتكاب جناية.
وهذا يعني أن الأطباء الذين سيجرون عمليات الإجهاض، بعد إلغاء «رو ضد ويد» في ميشيغن سوف يواجهون الاعتقال والمحاكمة والإدانة والسجن لمدة سنة واحدة. وفي حال وفاة المرأة الحامل خلال العملية، ترتفع العقوبة إلى السجن لمدة عشر سنوات.
ويجيز «القانون 328» عمليات الإجهاض الضرورية لإنقاذ حياة الأم، لكنه يحظر التخلص من الحمل الناتج عن الاغتصاب أو سفاح القربى. كما يعتبر القانون، بيع العقاقير المسببة للإجهاض، جنحة.
وكانت الحاكمة غريتشن ويتمر قد رفعت، في السابع من نيسان (أبريل) الماضي، دعوى قضائية أمام المحكمة العليا في ميشيغن،، لحماية حق الإجهاض وإلغاء «القانون 328». والجدير بالذكر أن محكمة الاستئناف في الولاية أصدرت عام 1997 قراراً يشير إلى عدم وجود نص يحمي حق الوصول للإجهاض في دستور ميشيغن.
بدورها، أكدت المدعي العام في الولاية دانا نسل أن مكتبها لن يعمد إلى مقاضاة مزودي خدمات الإجهاض في حال إلغاء «رو ضد ويد».
وقالت نسل: «حتى لو ظل هذا القانون موجوداً في السجلات، لن يقوم مكتبي بتطبيقه طالما أنني المدعي العام».
وحذا عدد من المدعين العامين في مقاطعات ميشيغن، حذو نسل، بإعلان رفضهم تطبيق حظر الإجهاض ومقاضاة الأطباء.
في المقابل، أعرب المرشح الجمهوري الساعي للإطاحة بنسل في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، ماثيو ديبيرنو، عن تأييده لإلغاء «رو ضد ويد»، مؤكداً أنه سيقاضي كل من يجري عمليات الإجهاض في الولاية. وأوضح المرشح المدعوم من ترامب حرصه على حماية «حق الحياة» ومقاضاة كل من يخالف قانون الولاية، في حال انتخابه.
Leave a Reply