ديربورن – تجاوز عدد الناخبين الذين صوّتوا بـ«غير ملتزم» في سباق الديمقراطيين التمهيدي للرئاسة الأميركية، حاجز مئة ألف صوت، مرسلين بذلك رسالة مدوية إلى البيت الأبيض، مفادها أن فوز الرئيس جوزيف بايدن بولاية البحيرات العظمى في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، سيكون بعيد المنال في حال عدم تغيير نهج إدارته مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
ميشيغن تُسمع صوتها
كانت حملة «استمع إلى ميشيغن» تتوقع أن تجمع حوالي 20 ألف صوت ديمقراطي «غير ملتزم» احتجاجاً على سياسات بايدن المساندة لإسرائيل، غير أن انضمام حملات ومنظمات عربية وإسلامية أخرى لتلك الجهود، مثل حملة «التخلي عن بايدن» واللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك) وصحيفة «صدى الوطن» وشخصيات بارزة أخرى مثل عضوة الكونغرس الأميركي عن الولاية رشيدة طليب ورئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، ساهم في رفع حصيلة الأصوات «غير الملتزمة» إلى ما يزيد عن 101 ألف صوت (13.٢ بالمئة)، وهي نسبة لا يستهان بها نظراً لاشتداد المنافسة بين بايدن والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في الولاية المتأرجحة.
نجاح كبير لحملة الاقتراع الاحتجاجي ضد سياسة بايدن تجاه غزة
وبالإضافة إلى الناخبين العرب والمسلمين حظيت حملة التصويت بـ«غير ملتزم» بدعم ملحوظ في أوساط الناخبين الشباب والتقدميين، وقد ظهر ذلك من خلال نتائج الاقتراع في مدينة آناربر بالإضافة إلى المدن ذات الكثافة العربية، حيث تفوق خيار «غير ملتزم» على بايدن في ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك (تفاصيل ص 4).
وفي مؤشر واضح على مدى نجاح الحملة سوف يتم تخصيص مندوبَين اثنين عن الناخبين «غير الملتزمين» في ميشيغن، للمشاركة في مؤتمر الحزب الديمقراطي الوطني المقرر في مدينة شيكاغو بين 19 و22 آب (أغسطس) القادم، لإعلان المرشح الرسمي للحزب.
وسيقوم الديمقراطيون في ميشيغن، يوم 11 أيار (مايو) المقبل، باختيار الأشخاص الذين سيتم انتدابهم عن حملة بايدن (115 مندوباً) بالإضافة إلى المندوبَين الفائزَين عن دائرتي الكونغرس، «12» التي تمثلها النائبة طليب وتضم مدينتي ديربورن وديربورن هايتس، و«الدائرة 6» التي تمثلها النائبة ديبي دينغل وتضم منطقة آناربر ومدن الداون ريفر الواقعة إلى الجنوب من مدينة ديترويت.
وتأكيداً على نجاح الحملة، قال رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود في اليوم التالي للانتخابات: «كان يوم أمس انتصاراً مدوياً»، مؤكداً أن مطلب وقف إطلاق النار في غزة «ليس قضية عربية أو إسلامية فقط، بل هو الآن قضية أميركية».
وقال حمود: «آمل، سيدي الرئيس، أن تستمع إلينا، وأن تختار الديمقراطية بدلاً من الاستبداد».
ولم يسبق لخيار «غير ملتزم» أن حصد هذا المجموع من الأصوات في انتخابات الرئاسة التمهيدية بولاية ميشيغن منذ عام 2008، حين تجاوز العدد 238 ألف صوت احتجاجاً على تغيير موعد السباق التمهيدي في الولاية بما يخالف قواعد اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. وقد فازت بالسباق الديمقراطي آنذاك وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وللمقارنة بلغ عدد الأصوات «غير الملتزمة» على الجانب الديمقراطي في كل من الدورات الانتخابية التالية: 20,833 في عام 2012، و21,601 في عام 2016، و19,106 في عام 2020. أما على الجانب الجمهوري فبلغ المجموع: 18,809 في عام 2012، و22,824 في 2016، و28,485 في 2020.
من جانبها، قالت ليلى العبد، مديرة حملة «استمع إلى ميشيغن»، إن نتائج الثلاثاء الماضي أشهرت بوضوح أن ميشيغن ترفض «تمويل الحرب والإبادة الجماعية في غزة».
وقال ويليام غالستون، رئيس دراسات الحوكمة في «معهد بروكينغز»، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: «من الواضح أن بايدن لديه مشكلة مع قاعدته الانتخابية في ميشيغن، تماماً كما يحذر الديمقراطيون المخضرمون في ميشيغن منذ أسابيع». واستدرك غالستون بأنه من دون استطلاعات الرأي، من الصعب معرفة مقدار الأصوات «غير الملتزمة» التي كانت احتجاجاً على دعم بايدن لإسرائيل وكم منها يعكس مخاوف أخرى، مثل تقدم الرئيس الديمقراطي بالسن. ومع ذلك، قال: «إن هذه النتائج ستزيد الضغط على البيت الأبيض للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار على الأقل في أقرب وقت ممكن».
وقال عباس علوية، المتحدث باسم حملة «استمع إلى ميشيغن»، للصحفيين يوم الأربعاء الماضي، إنه سمع بالفعل من منظمين في ولايات أخرى يتطلعون إلى إطلاق حملة مماثلة، لاسيما في ولاية مينيسوتا التي تضم جالية عربية وإسلامية كبيرة من أصول صومالية.
بدورها، قالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، يوم الأربعاء الماضي، إن بايدن يقدر سكان ميشيغن الذين جعلوا أصواتهم مسموعة، مكتفية بالإشارة إلى أنه «يتفهم مدى ألم هذه اللحظة لكثير من الناس». وأضافت «إنه يفهم ذلك ولهذا السبب أجرى محادثات مع المجتمعات العربية والإسلامية واستمع إليهم مباشرة واستمع إلى مخاوفهم… وسنواصل القيام بذلك».
الرسالة وصلت
رغم أن بايدن لم يعلق شخصياً على النتائج المقلقة حتى الآن، إلا أن شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي، كانت قد حذرت عشية انتخابات الثلاثاء الماضي من صعوبة سباق ميشيغن، بسبب الناخبين المستائين من استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة.
وكشفت مقابلات أجرتها وكالة «رويترز» مع أكثر من 10 من كبار مسؤولي الحزب الديمقراطي وعدد من الناخبين والناشطين، أن عمق غضب الناخبين بشأن تعامل بايدن مع حرب غزة فاجأ حملته الانتخابية، وأنه قد يؤدي إلى تراجع التأييد له في انتخابات نوفمبر المقبل التي يفترض أن يواجه خلالها المرشح المحتمل للحزب الجمهوري دونالد ترامب.
وقال المسؤولون إن البيت الأبيض كان يتوقع أن يتلاشى غضب الناخبين الديمقراطيين بشأن غزة مع استئناف بايدن حملته ضد ترامب.
لكن وفقاً لـ«رويترز» فإنه قبل تسعة أشهر من الانتخابات، تتفاقم المشكلة مع استمرار معارضة بايدن للدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يساهم في إثارة الغضب بين أوساط ائتلاف الناخبين الذين ساهموا في فوزه خلال انتخابات عام 2020، من الناخبين العرب والمسلمين والشباب والتقدميين.
وتظهر استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين منقسمون على نطاق واسع بشأن دعم بايدن الصريح لإسرائيل.
وعلى أمل معالجة إحباطات هؤلاء الناخبين، التقى مسؤولو إدارة بايدن في 8 فبراير الماضي مع قادة الجالية العربية الأميركية في منطقة ديترويت في محاولة لتليين موقفهم الانتخابي، غير أن الناشطين العرب الذين دعموا بايدن في عام 2020 تعهدوا بحجب دعمهم عنه في 2024 بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل وإصابة ما يزيد عن مئة ألف فلسطيني.
وبينما لم يقل أي من الناخبين الديمقراطيين الذين قابلتهم «رويترز» إنهم سيدعمون ترامب، فقد قال نصفهم إنهم يفكرون في عدم المشاركة في الانتخابات أو الإدلاء بأصواتهم مع حزب ثالث غير الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي سياق تصاعد مخاوف الديمقراطيين من خسارة بايدن لميشيغن في انتخابات نوفمبر القادم، قالت حاكمة الولاية غريتشن ويتمر عشية الانتخابات التمهيدية إنها «غير متأكدة» مما سيحدث في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وعشية السباق التمهيدي يوم الثلاثاء الماضي، قالت ويتمر عبر برنامج «حالة الاتحاد» على شبكة «سي أن أن»: «حسناً، لأخبرك بالحقيقة، لست متأكدة مما سنراه، لست متأكدة مما يمكن توقعه، أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لمثل هذا المتغير في وقت مبكر من العملية الانتخابية. فهناك الكثير من الضغوط. ولا يمكنك توقع ما سيحدث أبداً، فهناك الكثير من الأشياء المختلفة التي يمكن أن تؤثر على ما سيحدث».
وتابعت قائلة: «أعلم أن أمامنا حوالي تسعة أشهر حتى الانتخابات العامة، لكن نحن نأخذ ما يحدث في ميشيغن على محمل الجد»، مشيرة إلى أن ميشيغن دائماً ولاية حاسمة وتكون فيها الانتخابات متقاربة.
وأكدت أنه بينما ستشهد ميشيغن «خلافات في الرأي» في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، فإن أي تصويت ليس لبايدن في الانتخابات العامة سيكون تصويتاً للرئيس السابق ترامب.
وقالت ويتمر: «إن ولاية ترامب الثانية ستكون مدمرة، ليس فقط على الحقوق الأساسية، وليس فقط على ديمقراطيتنا هنا في الداخل، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية».
وأضافت: «كان هذا الرجل هو الذي روج لحظر المسلمين، وأعتقد أن فوزه سيكون لحظة عالية المخاطر. لذا أنا أشجع الناس على الإدلاء بأصواتهم لصالح الرئيس بايدن».
ووفقاً لمتوسطات استطلاعات الرأي، بحسب موقع «ذا هيل»، يتقدم ترامب بثلاث نقاط في المواجهة المحتملة بينه وبين بايدن في نوفمبر.
من جانبها، أكدت عضوة الكونغرس عن ميشيغن، النائبة ديبي دينغل على أن ميشيغن ستظل «أرجوانية» حتى نوفمبر المقبل، لافتة إلى تزايد الاعتراض الشعبي ضد نهج بايدن في التعامل مع حرب غزة.
وقالت إن هذه القضية «مهمة للغاية» بالنسبة للناخبين في ميشيغن على وجه الخصوص، فهي موطن لواحدة من أكبر الجاليات الأميركية العربية والمسلمة في البلاد، محذرة من انطلاق بعض الحملات المشابهة في ولايات أخرى، مثل حملة «التخلي عن بايدن»، التي انطلقت في مينيسوتا خلال أكتوبر الماضي بهدف الضغط على بايدن للدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة. وامتدت الحملة لاحقاً إلى ميشيغن وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا.
وأوضحت النائبة الديمقراطية أن بايدن أخطأ عندما لم يلتقِ بأعضاء الجالية العربية الأميركية والمسلمة في رحلته الأخيرة إلى ميشيغن قبل الانتخابات، لكنها تعتقد أن الرئيس «سيحتاج إلى القيام بذلك في مرحلة ما في المستقبل». وقالت: «هذا المجتمع غاضب جداً الآن»، وقد يكون ذلك حاسماً في ولاية مثل ميشيغن حيث يمثل العرب الأميركيون 5 بالمئة من الأصوات، وفقاً للمعهد العربي الأميركي.
Leave a Reply