وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تتزاحم الأزمات على الساحة اللبنانية حتى تكاد تحتار من أين تبدأ!
من الولادة العسيرة للحكومة وخطواتها الثقيلة بعد مخاض صعب تجاوز 14 شهراً، إلى عودة سعر صرف الدولار الأميركي إلى الارتفاع بعد أيام من الانخفاض أعقبت تأليف الحكومة العتيدة، إلى طوابير الذل التي ما تزال تقفل الطرقات، إلى المطاحن التي حذرت من أنها ستقفل أبوابها بسبب نفاد المازوت إلا في حال حصول معجزة تمكنها من الاستمرار، إلى دخول المازوت الإيراني وتوزيعه، الذي حوله جزء من اللبنانيين إلى مادة للسجال والخلاف بدلاً من أن يكون باباً لتخفيف وطأة أزمة الوقود، مروراً بإعلان شركة الكهرباء عن حلول العتمة الشاملة مع نهاية الشهر الحالي ورفع الدعم عن المحروقات لتصبح جدولة أسعارها وفقاً لدولار الـ14 ألف ليرة! كذلك برز في الأيام الماضية خبر توقيف خليّة مسلحة مؤيدة لتنظيم «داعش»، وصولاً إلى ضبط شحنة «نيترات» في البقاع التي رافقتها اعترافات خطيرة، إلى مذكرات قاضي التحقيق في قضية تفجير المرفأ، طارق بيطار، الذي تردد أنه تعرض لتهديد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله»، وفيق صفا، وهو اعتبرته مصادر مقرّبة من الحزب تضخيماً في غير محله.
نيترات البقاع واعترافات خطيرة
رغم أهمية كل ما ذكر، تصدرت قضية شاحنة النيترات في البقاع واجهة الأحداث، ولا سيما بعد الاعترافات الخطيرة التي أدلى بها أحمد الزين، مدير المشتريات في مستودع صاحب الشحنة لبيع الأسمدة الزراعية في بلدة إيعات المدعو سعدالله الصلح، حيث ادّعى الزين أن 20 طناً من نيترات الأمونيوم التي ضُبطت في شاحنة في سهل البلدة السبت الماضي، اشتُريت لتلفيق ملف لأحد الأشخاص المحسوبين على الثنائي الشيعي» لتحميله مسؤولية النيترات التي يحتفظ بها «القواتي» مارون الصقر، والتي عُثر عليها لدى الكشف على خزانات تحوي ملايين الليترات من البنزين الشهر الماضي، وذلك بإيعاز من السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا.
وكان سبق ذلك ظهور تسجيل يظهر تهديد سعدالله الصلح لأحمد الزين في حال كشفَ للسلطات الرسمية مسألة المواد الكيميائية التي يشتريها والده من مارون الصقر.
مصادر صحافية أكدت أن المدعو أحمد الزين اعترف بأن إبراهيم الصقر اجتمع مع السفيرة وأن الأخيرة التقت القيادي القواتي إبراهيم الصقر، شقيق مارون الصقر، «لغرض تنفيذ هذا المخطط وهذا الكلام على مسؤوليتي ولديّ أدلّتي» . الصلح بدوره اعترف بأنّ الصقر كان يُهرّب النيترات إلى لبنان داخل مستوعبات شحن الأسمدة الزراعية، كما أقرّ بعد توقيفه على أيدي عناصر القوة الضاربة في الجيش، في فاريا، بأنه اشترى النيترات من مارون الصقر، وأنّ هذه لم تكن المرة الأولى، مؤكداً أنّ الصقر «يبيع النيترات لأصحاب الكسارات والمقالع».
وفي الإطار عينه، أفادت تقارير إعلامية، بأنّ التحليلات المخبرية للخبراء الكيميائيين توصلت إلى أن كمية «الآزوت» الموجودة في شحنة نيترات البقاع بلغت 37 بالمئة وهي مطابقة للنسبة التي وجدت في نيترات المرفأ، ما يطرح تساؤلات عميقة عن علاقة الأمرين في انتظار نتائج التحقيق النهائية بعيداً عن التسريبات التي قد تفتقر إلى الدقة بغض النظر عن مصدرها…
صفا يهدد القاضي بيطار؟
وفي سياق السجالات المستمرة والتي لا تكاد تخلو منها الساحة اللبنانية، خبر شغل الأوساط السياسية والشعبية تحدث عن تهديد وجّهه مسؤول «حزب الله» وفيق صفا لقاضي التحقيق في قضية انفجار المرفأ طارق البيطار قائلاً له: «واصلة منك للمنخار… رح نقبعك».
عويدات طلب من بيطار إعداد تقرير حول ما يُتداول عن رسالة شفهية وصلته بالواسطة من صفا، واستوضح الأمر منه أيضاً وزير العدل، وقد أكد بيطار تلقيه رسالة التهديد قائلاً: الرسالة وصلت وسوف أستمر في هذا الملف. هذا فيما يحاول أكثر من سياسي وإعلامي التواصل مع صفا من دون نجاح، ويكون الرد من قبل مكتبه ومرافقيه «الحاج وفيق مش ع السمع». مصادر مطلعة على تفاصيل واقعة التهديد المزعومة أكدت لـ«صدى الوطن» أنه جرى استدعاء الإعلامية «ناقلة الرسالة» والتي كانت قد التقت صفا قبل يوم واحد من حضوره إلى قصر العدل واجتماعه ببعض القضاة، وتم الاستماع إليها، إلا أنها نفت نقلها لرسالة مماثلة، كما كشفت المصادر أن واقعة التهديد غير صحيحة على الإطلاق، وكل ما قاله صفا يندرج في إطار التعبير عن غضب «حزب الله» من المنحى الذي يتخذه مسار التحقيق، والذي يرى فيه الحزب محاولة «لتركيب ملف له»، مسجّلاً اعتراضه ضمن السياق القانوني.
الاستثمار السياسي
خصوم «حزب الله» رأوا في «خبرية» التهديد مادة دسمة لمزيد من الاستثمار السياسي، فتساءلوا عن الصفة التي يمتلكها صفا للاجتماع بالقضاة في قصر العدل، فيما اعتبر آخرون الأمر عرقلة للتحقيق. في ظل هذه الأجواء المشحونة، حدّد القاضي بيطار مواعيد جلسات استجواب للنواب المشنوق وزعيتر وخليل ورئيس الوزراء السابق حسان دياب في الشهرين المقبلين، وقد تقدموا بدورهم بدعوى رد من أجل رفع يد القاضي بيطار فوراً عن قضية انفجار المرفأ، لأنه بمجرد تبليغ دعوى الرد تُرفع يد بيطار عن الملف، وبالتالي لن يعود بإمكانه استجوابهم في الثلاثين من أيلول والأول من تشرين الأول، أما الوزير السابق فنيانوس فرأى في تحميله جريمة انفجار المرفأ خطوة ظالمة، وتقدم من جانبه بطلب نقل الدعوى إلى قاضٍ آخر بسبب «الارتياب المشروع».
وفي ظل المناوشات الإعلامية، يزداد الوضع المعيشي في لبنان حراجة مع ارتفاع أسعار الوقود وتراجع قيمة بعد التحسن الملموس الذي شهدته قبل أسبوع.
من جهته، أعلن المكتب الإعلامي لشركة كهرباء لبنان أنّ «خزينها المتبقّي من المحروقات الّذي كان مؤمّناً بموجب السلفة المعطاة لها قد تدنّى بشكل حادّ جداً وأنها استنفدت جميع الخيارات التي يمكن اللجوء إليها، ما يهدّد بانهيارها الشامل في أيّ لحظة»!
وفي دلالة على عمق الأزمة المعيشية وتمدد خطرها إلى المؤسسة العسكرية، اتخذت وحدة في قوى الأمن الداخلي قراراً مخالفاً يقضي بسحب المسدسات من العسكريين لدى مغادرتهم مراكز خدمتهم خشية بيعها، وقد تمسّك قائدا فوج السيار المركزي والتدخل السريع بالقرار، رغم تعرض أحد عناصر الفوج لمحاولة سلب من دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه.
ميقاتي إلى فرنسا
وسط هذا الكم الهائل من الأزمات، يغادر رئيس الحكومة ميقاتي إلى باريس في زيارة استطلاعية، قبل انطلاق قطار الإصلاحات التي وعدت حكومته بإنجازها، ولاسيما أن فرنسا كانت أول من بادر إلى مساعدة لبنان في محنته الحالية، ولكن هذا ليس سبباً كافياً لتكون باريس وجهة ميقاتي الأولى بعد تأليف الحكومة.
فقد اعتاد رؤساء الحكومات السابقون أن تكون الرياض محطتهم الأولى، وهو ما رأى فيه مراقبون إشارة واضحة إلى أن ألرياض لم تفتح ذراعيها بعد لاستقبال ميقاتي، ويعني أيضاً أنها لن تسهم في انتشال البلاد من أزمتها، على الأقل ليس قبل الانتخابات النيابية المرتقبة، التي أكد وزير الداخلية والبلديات، القاضي بسام مولوي، أنّه لا يمانع إجراءها مبكراً، «قبل 30 آذار من العام المقبل»، لكن ذلك يحتاج إلى تدخل تشريعي لتعديل بعض المواد والمُهل.
آمال كبيرة وقدرات محدودة
يعيش اللبنانيون مرحلة لم يسبق أن عاشوا مثيلاً لها في تاريخهم الحديث. فعلى الرغم من كثرة الأزمات السابقة وتشعبها، لم تصل بهم الأحوال قط إلى هذا الحد من الانهيار واليأس والخوف الحقيقي من «اضمحلال الكيان».
أما المأمول من حكومة ميقاتي فيفوق بكثير قدراتها الحقيقية، وما يمكن أن تنجزه في أشهر قليلة قبل حلول موعد الانتخابات النيابية في آذار المقبل. ولا يخفى على أحد أن حكومة «للإنقاذ معاً» لا تملك عصا سحرية والإرث ثقيل للغاية، لكنها على الأقل، قادرة أن تشكل أرضية ملائمة للحصول على دعم دولي، البلاد في أمسّ الحاجة إليه، ويمكن أن تبدأ ملامحه بالظهور بمجرد تنفيذ بعض الإصلاحات الموعودة والابتعاد عن المناكفات الداخلية والسجالات العقيمة.
Leave a Reply