رئيس الحكومة يُحرج نفسه وحلفائه بإقرار تمويل المحكمة
بيروت –
وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نفسه امام اختبار صعب، بعد ان قرر تمرير تمويل الحكومة من خارج مجلس الوزراء ليواجه “امتعاض” “حزب الله” ومعه “النبرة العالية” لتيار الإصلاح والتغيير برئاسة العماد ميشال عون.
وللوهلة الأولى ظن جميع المراقبين ان اعلان ميقاتي تحويل حصة لبنان الى المحكمة جاء ثمرة تسوية سياسية بقيت طي الكتمان بين أطراف الأكثرية، ليتبين أن أي حديث عن تسوية يخرج منها الجميع فائزين هي محض تحليلات، بعد أن حدد كلام امين عام الحزب السيد حسن نصر الله في المجلس العاشورائي المركزي مسار هذا الملف، ومن ثم رسم إطار عمل الحكومة في المرحلة المقبلة بما هو أقرب الى امتحان حقيقي يعيد بعضا من التوازن الى ادائها السياسي في لحظة اقليمية بالغة الخطورة.
ومع ان كلام السيد كان واضحا في أن الحزب وحلفائه “لن يوجدوا مشكلة في البلد” على خلفية خطوة ميقاتي بتمرير التمويل، الا أن عتبه العلني على رئيس الحكومة ومن ثم مطالبته بوضع ملف الشهود الزور على قائمة اعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء وإعادة الاعتبار للضباط الأربعة مع تفنيد المبررات التي دفعت بميقاتي الى اتخاذ قراره الأخير، بالاستناد الى خوفه على موقعه ضمن طائفته، وهو ما رفضه نصرالله بشدة، بعد أن ألمح الى خطورة تصاعد الحديث المذهبي في البلد، نتيجة سياسة تيار المستقبل، في سياق مشروع اقليمي مرتبط بما يحدث في سوريا وغيرها من دول المنطقة.
امام هذا الواقع المستجد، لا تبدو خيارات ميقاتي كثيرة ازاء مطالب نصر الله، وإن كان التصريح الأول قبيل ساعات قليلة من كلمة السيد قد حاول قدر الإمكان السير ضمن خطوط التسويات التقليدية اللبنانية بالإشارة الى ان “حزب الله” “سيتفهم” موضوع التمويل، غير أن حسابات ميقاتي لم تتناسب ومواقف الحزب الحاسمة برفض مشروع المحكمة جملة وتفصيلا.
وكما ميقاتي، حاول وليد جنبلاط التقاط بعضا من الأنفاس الهادئة من خلال الإشادة بخطوة ميقاتي “الاستثنائية”، وتذكيره بالحرص “على عدم دفع البلد نحو مواجهة مع المجتمع الدولي”، لكن تقلص المساحة الرمادية يوما بعد يوم، في لبنان كما في المنطقة، ستضع الزعيم الدرزي امام اختباره الأقسى في غضون أسابيع، ان لم تكن أياما، معدودة، لناحية اتخاذ موقف واضح مما يجري محليا وإقليميا.
وفي موازاة المحكمة، كان لافتا العرض الزمني التفصيلي الذي قدمه السيد لموضوع التسوية التركية-القطرية في إطار ابراز ان الهدف من المحكمة بعيد بأشواط عن قصة عدالة واحقاق حق، بعدما اتضح ان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كان قد وافق على وقف التعاون مع المحكمة وسحب القضاة منها للبقاء في السلطة.
والى اختبار شهود الزور، رمى نصر الله بكامل ثقله في دعم مطالب تيار التغير والإصلاح تحت شعار ضرورة ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها في الفترة المقبلة على صعيد الملفات الاجتماعية والانمائية والاقتصادية.
وإن كان دعم مطالب عون الحكومية يبدو امرا متوقعا من قبل “حزب الله” نظرا لنشاط وفعالية وزراء التغيير والإصلاح، فإن شقا سياسيا يفسر اشارة السيد الى هذا الأمر، بعد ان لعب العماد عون دورا مهما في سحب فتيل التوتر المذهبي الذي كان ممكن ان تصل اليه الامور عقب تهديد ميقاتي بالاستقالة في حال عدم تمويل المحكمة وتكراره هواجس تعكس تأثره بالحملات المحلية والاقليمية التي واكبت المرحلة السابقة، إذ سارع وزراء عون الى التلويح بالاستقالة من الحكومة لأسباب مطلبية، من دون ان يخفى على احد ان هدف هذه الخطوة كان كسر الاحتقان واندفاعة ميقاتي في حشر “حزب الله”. وبالفعل نجح عون في ارباك ميقاتي الذي بدا اسير التزاماته المتسرعة، فخسر شعبية واسعة في صفوف تيار المقاومة وحلفائها ولم يلقَ ترحيبا من فريق “١٤ آذار”. وكان من الممكن ان يكون وضع ميقاتي أشد حرجا لو أراد السيد رفع مستوى “العتاب” العلني، لكنه آثر قطع الطريق امام اي استغلال خاصة وأن الفريق الاخر يتربص كل فرصة للنفخ في بوق المذهبية. واخر هذه الفرص مهرجان طرابلس بمناسبة عيد الاستقلال، الا ان جميع الجهود لحشد المناصرين ذهبت ادراج الرياح وبقي شعبية سعد الحريري الافتراضية على “تويتر” أعلى بدرجات منها الى تلك الواقعية!
الى جانب ملف المحكمة، استعادت الساحة اللبنانية مشهدا بات مألوفا عند كل اختناق اقليمي، حيث ترتفع احتمالات تبادل الرسائل الدولية على أرض الوطن الصغير، فانطلقت أربع صواريخ “كاتيوشا” من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي، على بعد 700 متر من الحدود، لترفع نسبة التوتر الى أعلى مستوياته عند جميع الأطراف في الجانبين. ولئن صار واضحا استحالة تحديد هوية واهداف المسؤولين عن هكذا عمليات، على الرغم من تبني كتائب “عبد الله عزام” للعملية، فإن المؤشر الوحيد الايجابي هو مسارعة الخبراء الاسرائيليين الى استبعاد مسؤولية “حزب الله”، ما يعكس خشية اسرائيلية حقيقية من فتح جبهة حرب في المرحلة الراهنة في المنطقة.
Leave a Reply