ربح الرئيس نجيب ميقاتي معركة تمويل المحكمة الدولية، من غير أن يدخله هذا الربح في مقايضة تفقده زمام السيطرة داخل مجلس الوزراء وتجعل منه الحلقة الأضعف كونه يمثل الأقلية الوزراية داخل الحكومة، بل على العكس فقد استطاع ميقاتي أن يرجح كفة الميزان الحكومي لصالحه من خلال تكريس نفسه حاجة ضرورية وملحة لاستمرار قوى “8 آذار” على رأس الأكثرية النيابية.
عندما خرج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله وقطع الشك باليقين باعلانه رفض مسألة أمرار التمويل داخل الحكومة جملة وتفصيلا، معلنا بطريقة التهكم أن من يريد تمويل المحكمة فليمولها من فضلات الأمراء العرب، عندها توقف التحليل الموضوعي لموازين القوى ولإمكانات فريق “8 آذار” لصالح الموقف الصلب الرافض للتمويل الذي أعلنه نصر الله. ولم يتوقع أحد أن يذهب ميقاتي الى النهاية في موضوع الاستقالة التي أشهرها بوجه شركائه كقنبلة موقوتة ستطيح به وبهم من جنة الحكم. ركّب “حزب الله” موقفه الحاسم لعدم التمويل بناء على الفرصة الثمينة التي وفّرها لميقاتي بتولي رئاسة الحكومة والتي لن تتكرر في حال استقالته.
كذلك الأمر فقد بنى ميقاتي موقفه الحاسم لجهة اقرار التمويل انطلاقا من اعتبار نفسه “الفرصة الثمينة” ذاتها التي مكنت “حزب الله” وحلفاءه من قلب الأكثرية النيابية لصالحهم، ومكّنتهم من اخراج الرئيس سعد الحريري من دائرة القرار. ومن الأكيد أن الرئيس ميقاتي لم يشأ أن يظهر وكأنه متصادم مع شخص السيد حسن نصرالله إنطلاقاً من رمزية الرجل ومن موقعه الكبير ومن رصيده الشعبي الوازن، وهو ما عبر عنه خلال قوله بأنه كان دائما يقول للسيد بأن يبقي الباب مفتوحا.
لا شك بأن امتعاض “حزب الله” كبير من الطريقة التي قارب بها رئيس الحكومة ملف التمويل ملوحا بالاستقالة، لكن خشية الحزب الكبرى أن يصبح التلويح بالاستقالة سنّة يتبعها ميقاتي كلما لاحت أزمة في الأفق، خاصة أن هناك استحقاقات كبيرة مقبلة عليها الحكومة من تعيينات ادارية وقضائية وعسكرية وأمنية ودبلوماسية، اضافة الى مسألة التجديد أو التمديد لبروتوكول المحكمة الدولية في أول شهر آذار من العام القادم.
لكن “هوى” الرئيس ميقاتي يكمن في مكان آخر، فهو يتطلع أولاً، الى مراكمة شعبيته في مسقط رأسه مدينة طرابلس التي يعتبرها حصانه الذي على صهوته سيعود رقما صعبا في المعادلة السنية، من دون أن يعايره الرئيس سعد الحريري أو النائب محمد كبارة أو مصطفى علوش بأنه أتى بأصواتهم وخان الأمانة التي منحه إياها الناخبون. وثانياً فهو يسعى ويأمل أن يحصل على ثقة الغرب والعرب ليكرس نفسه “رجل دولة” بمعايير دولية من الطراز الاول.
وهو إذ يبدو واثقا من كونه حاجة لا بديل عنها لقوى “8 آذار” ليس في الحاضر فقط، إنما في المستقبل القريب والبعيد، إلا إذا دارت الدوائر وعاد الوئام بين الأزرق والأصفر، وذلك انطلاقا من عجز “8 آذار” عن إيجاد بديل سني قوي يحظى بحيثية شعبية وازنة وبقبول دولي يشكل مظلة أمان سياسية واقتصادية للبنان.
لكن في المقابل تطرح عدة تساؤلات واستيضاحات من قبيل: كيف سيتمكن الرئيس ميقاتي من اقرار مشروع انتخابات على أساس النسبية، أو أي مشروع آخر يريده بمعزل عن شركائه في الحكومة اذا لم يتخل عن مبدأ “الحاجة” التي يمنن بها شركاؤه في الحكومة عند كل استحقاق مفصلي؟
هل يعتبر الرئيس ميقاتي بأن انجازات وزراء تكتل التغيير والاصلاح إذا تحققت هي بمعزل عن الحكومة التي هو رئيسها؟ هل يمكن للرئيس ميقاتي أن يعود رئيسا للحكومة بعد انتخابات 2013، إذا لم يسمه نواب تكتل التغيير والإصلاح، إذا لم نقل نواب “حزب الله” أيضا؟
Leave a Reply