الأسف على “شبه الوطن” غيرالقادر على تشكيل حكومة منذ أواخر كانون الثاني الماضي في حين تتزاحم التحديات الإقليمية والإستحقاقات الدولية وتلتهب الثورات من حولنا كاشفة عورة النظام الذي تنخر الطائفية والمذهبية في عظامه منذ أن أعطي “مجد لبنان لغيره”. لقد إبتلي “عدم الوطن” وفاقد السيادة بأزمة فراغ حكومي في مرحلة قد تكون من أدق مراحله، ولا يبدو أن هناك مخرجاً لنهاية الأفق بسبب الصراع على الطرابيش.
فبعد مماطلة رئيس الجمهورية في ملف شهود الزور دعماً “للعصفور الطيار”، وتأجيله له عدة مرات ثم منع إحالة الملف على “المجلس العدلي”، حتى ولو لم يحل هذا المجلس أية جريمة حتى الآن، قام وزراء المعارضة السابقة بإستقالة جماعية صرفت “سعد” من الخدمة التي لم يكن كفوءاً لها منذ البداية. فكان ما كان مما لست أذكره وجرت الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد وافق ميشال سليمان، على مضض، على “تطيير” حكومة “الطائر”، وتكليف نجيب ميقاتي بتكليف الحكومة الجديدة على أساس أن هذه الخطوة كانت “ضربة معلم”موفقة. إلا أنه سرعان ما تبين، بعد أكثر من ثلاثة أشهر ونيف، أن الجزء الأول، فقط، من هذه المقولة كان صحيحاً!
فميقاتي كالجوهري يحمل ميزاناً يزن فيه كلماته خوفاً من تأليب أحد ضده وهو في السر يعمل على أن يزيد من حوله أنصاره ولكن تحت الرادار “الزرقاوي” خوفاً من غضب “المارد المسخ” محمد كبارة في عقر داره. هكذا مرحلة تتطلب رجلاً له ركب يتحمل المسؤولية لامجرد إستبدال حوت من حيتان المال بآخر! فالأكثرية الجديدة هي التي عينت ميقاتي القادم من رحم “المستقبل”، لكنه يتصرف وكأنه جاء من دون منة أو جميل من أحد بسبب “كفاءاته” التي تكاد تقتصر على طوله الفارع وعلى حجم رصيده المالي “الأفرع”. وكأن الذي يتسلم السلطة في “شبح الوطن” يضحي بماله ووقته، أو كأن منصب رئاسة الوزارة وغيرها في الوطن المعدم من كل الموارد هو تكليف لا تشريف. العكس هو الصحيح، المنصب في هكذا بلد مزيف هو عين التشريف والبلع والإثراء غير المشروع والسمسرة والزعبرة! وللمزيد من المعلومات يرجى الإستفهام من فؤاد السنيورة عن الأحد عشر ملياراً، في حين أن الحكومة المنصرمة تتلهى بملاحقة البناء “غير الشرعي” في منطقة جغرافية واحدة لا غير. يريد ميقاتي أن يحرم الأكثرية الجديدة من الصوت المرجح بعد تمنع “١٤ عبيد صغار” عن المشاركة في الحكم و”سنكفة” سعد لميقاتي، وهذه من أحط علائم هذا البلد. حقاً إتق شر من أحسنت إليه!
ثم لماذا يقف ميقاتي، ووراءه ميشال سليمان، بوجه العماد عون الذي اثبت وزراؤه حتى الآن أنهم فعلاً أصحاب ضمائر ويحققون إنجازات كالوزيرين باسيل ونحاس؟ فالأخير إستحصل على إنجاز كبير بإدانة إسرائيل بسبب إعتدائها على لبنان في قطاع الإتصالات ولو قيد للدولة العلية متابعة هذا الإنجاز لكشفت أسرار الإتصالات الخليوية التي إستند عليها المحقق الإسرائيلي دانيال بيلمار في تحقيقه المزور.
بدلاً من ذلك، تعرض نحاس لإصبع التهديد في جلسة لمجلس الوزراء على طريقة أولاد الأزقة، أمام رئيس الجلسة والبلد الذي لم ينبس ببنت شفة! والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا يمكن أن يكسب سليمان من تكديس وزراء بإسمه في الحكومة الجديدة بعد تجربة إلياس المر الذي “إنشقت الأرض وبلعته”، بعد ازدرائه لمعلمه في وثائق “وكيليكس”؟ ألم يتعظ من تجربة العماد أميل لحود بعد توزير أكبر عاقين وناكري جميل عرفتهما السياسة اللبنانيه التافهة، شارل رزق وطارق متري؟ هل يريد رئيس الجمهورية أن يأكل عنباً أم يقتل الناطور؟
إننا فعلاً لم نفهم تصريح سليمان الأخير عند البطرك. إنه، كالعادة، متفرج على اللاعبين وكأن هناك متسعٌ كبيرٌ من الوقت! لماذا التمسك بزياد بارود للداخلية وكأن “ربنا خلقه وكسر القالب”؟ فهو برغم إنجازاته يظل غير قادر على مجابهة الإمبراطور أشرف ريفي أو يرد على نائب من نوائب “المستقبل”.
الداخلية بحاجة لمن يملك الإرادة والقدرة الموجودتين لدى العماد عون رئيس أكبر كتلة مسيحية والذي اختط تفاهماً بين اللبنانيين أين منه “الميثاق الوطني” الكاذب الذي كان في صلب الحروب الأهلية المتعددة. يتبين من كل هذا أن ميقاتي وسليمان يعرقلان ولادة الحكومة، فليعتذر الأول و”يفرقنا بريحة طيبة”، وليكلف الثاني من هم جديرين بالمسؤولية كالعميد مصطفى حمدان أو أسامة سعد أو عبدالرحيم مراد أو الرئيس كرامي. مما يشكو هؤلاء السادة؟
وهكذا يقف البلد على حافة الإنفجارات المعيشية (حتى تيار “المستقبل”، بلا صغرة، طالب بالتسريع في تأليف الحكومة!)، بين رئيس “مكلف” يخاف من خياله و”رئيس” ممنوع من الصرف وتياره متهم بأعمال التخريب في سوريا الشقيقة، ومشاركاً في المؤامرة الكبرى التي لن توفر بلداً هزيلاً كلبنان إذا تعرضت سوريا للخطر، لاسمح الله.
ولكن من ينصح غلام السياسة أن حريق سوريا، عبرخاصرتها الرخوة عديمة الوفاء، سيحرق الأبيض والأخضر واليابس في لبنان!
Leave a Reply