“طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض”.
إليك يا صديقي القارئ الذي يعيش في الغربة عيداً آخر، والذي يدمع الآن وينتحب بصمت حنيناً الى شجرة الميلاد الأولى داخل مكان ما في ذكريات طفولته. إليك أكتب هذه الكلمات إن كنت مثلي مثقلا بالإحباط والأحزان في هذا الزمن الموحش الذي تحتضر فيه الوادعة والعذوبة والرقة، وتكثر فيه التعاسة والعزلة والفاقة. تذكر يا صديقي أنك لست وحدك وإنني أشاركك في كل أحزانك وضيقك وأرجو أن تروق قراءة هذه القصة وتلمس قلبك وتدخل العزاء الى صدرك.
كان بوكر واشنطن أميركيا أسود اللون، ولد لعائلة فقيرة عام 1856. عمل وهو طفل صغير في مناجم الفحم، كان يأخذ ثلاثة أشهر فقط كل سنة للذهاب إلى المدرسة.
في عام 1875 ترك عمله الشاق بعدما تخرج من معهد “هانتغتون”. بعد ست سنوات مارس فيها أعمالا شتى، عُين كأول رئيس لمعهد “توسكي”، وهو مدرسة فنية للأميركيين السود. بعد أن قبل الرئاسة، كان يتمشى في أحد شوارع آلاباما، عندما استوقفته امرأة بيضاء.
لم تكن تعرف شخصيته. واستدعته لمساعدتها في قطع الأخشاب لها. لو أن شخصا آخر كان في موقف المستر واشنطن لاعتبر ذلك اهانة وتحقيراً له، وربما صاح ذلك الشخص في وجه تلك المرأة موبخاً لها: من أنت أيتها السيدة لتطلبي مني هذا الطلب وتحكمي عليّ من خلال لون جلدي؟
لكن بوكر واشنطن لم يفعل ذلك، وبكل وداعة وتواضع خلع معطفه. قطع الخشب، وحمله الى داخل منزلها ورفض أن يأخذ منها أجرة لذلك.
فيما بعد، عندما اكتشفت المرأة شخصيته. ذهبت اليه في مكتبه واعتذرت بشدّة. لكن المستر واشنطن أجابها قائلا: أنا أجد بهجة وسرورا عندما أقوم بأية خدمة لأصدقائي.
لم تصبح تلك السيدة سخية فقط في دعمها لذلك المعهد، بل أنها تركت وصيتها بكل ثروتها له.أما المستر واشنطن فقد ترقى في مناصب عديدة حتى صارمستشارا للعديد من الرؤوساء الأميركيين.
الآن، وفي غمرة الاحتفالات بعيد ميلاد سيد المحبة والوداعة والتسامح، عيد ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام، حيث تتزين وتتعطر مدن عديدة وأماكن كثيرة احتفالا بميلاده المجيد الذي تحول الى مناسبة استهلاكية ومهرجان برّاق يخفي خلفه نهراً من ضيق وحزن ينخر قلب المجتمعات الانسانية في دوامة لامبالاة الإنسان بأخيه الانسان، وفي زمن له قلب هولاكو وأسنان سمك القرش وجلد ودموع تمساح وأقدام فيل، في هذا الزمن كم نحن بحاجة وكم نفتقد أشخاصا في رقة ووداعة بوكر واشنطن، خصوصا وأن ظاهرة اللامبالاة العامة التي قد تبدو هنا في الغرب كنتيجة لحضارتهم التي لها خصوصياتها، وللأسف اثرت هذه اللامبالاة في العديد منا نحن الشرق أوسطيين وترى الكثيرين منا ينعمون بالبلادة الروحية والفكرية وأيامهم كلها أعياد لمن عنده مال “ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا”.
فيا عزيزي القارئ لا نملك في هذا الزمن إلا أن نقول يا سيدنا المسيح، يا سيد التسامح والوداعة والمحبة،سامحنا أيا كانت أدياننا ومعتقداتنا، فقد تأثرنا باللامبالاة ونسينا الوادعة والمحبة والرغبة في مساعدة الآخرين.
ميلاد مجيد وسنة مباركة للجميع.
Leave a Reply