رغم واقع المأساة الذي نعيشه من المحيط إلى الخليج والناتج عن عنف السلطات وأيضاً الثورات، وعن إستثمار «الإرهاب» على حال الإضطراب والقلق الذي تعيشه عدد من الأقطار العربية وإحتمال إنتقال العدوى إلى هنا وهناك، رغم ذلك ورغم الواقع الناتج عن الأزمات المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية وبالأساس الحق في التعبير والإنتماء، ورغم أن الأولويات الوطنية والقومية في مختلف الدول والمجتمعات العربية قد إختلفت عما كانت عليه قبل عام أو عامين، رغم كل ذلك، فإنه لن يمنعني شيء من التقدم بالتهاني بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، وأن أتمنى أن يكون العام القادم فرصة عمر للمواطنين العرب من أجل زيادة مساحة حريتهم وحقوقهم ليس بالمعنى الشفهي فحسب بل بالمعنى الدستوري والقانوني والحقيقي.
لا شيء سيؤسس لنوع من الإستقرار في النظام العربي العام ولإزدهار الإنسان في المجتمعات والدول العربية سوى نظام حقوق ونظام حريات، ولا شيء سيوقف طاحونة العنف والموت والرماية بالذخيرة الحية على صدور وبيوت المواطنين هنا وهناك، سوى الإعتراف للمواطنين العرب بإن لهم حقوقاً وأنه بإمكانهم ممارستها، وبأن الدولة في كل مكان ليست مجرد تعبير عن إمتلاك وسائل القمع والقوة وأن المعارضة هنا وهناك ليست مجرد إحتراف لمقاومة النظام بالقوة، ذلك لأن القوة والعنف لن يمكّنا إستمرار أي نظام، وكذلك لا يمكنا قيام نظام بديل ثابت وراسخ بل نظام إنقلابي يعيش على المأساة.
أنا سأكون مفاجئاً ووقحاً في التمني للمواطنين العرب وأيضاً للبنانيين بعام سعيد.. سأتمنى أن تنتهي الوقائع اليمنية إلى تجاوز محاولة الضحك على ذقون المواطنين بإضفاء طبقة رقيقة من الزفت على شارع النظام السابق الذي تملؤه الحفر، وإلى تصديق النظام في البحرين أن هناك مواطنين بحرانيين يعارضون ليس لأنهم شيعة بل لأن لهم حقوقاً وأن يبادر إلى الإعتراف بها، وكذلك أن يوافق على مشاركة كل مواطن في كل ماينتج حياة الدولة والمجتمع. وإلى وقف حرب العصابات الدولية والحرب الأهلية والحرب الثورية ومختلف مسميات الحروب الصغيرة والكبيرة الجارية على الأراضي السورية، والإنصراف إلى إنتاج سياسي حديث ديموقراطي مصنوع وطنياً، وإلى وقف تسلط «الإخوان» على مقدرات الدولة في مصر وإساءة إستعمال السلطة والتعسف في إستخدامها، وإلى وقف النزوح نحو الديكتاتورية في العراق لتعويض الوقت والدور خلال فترة الديكتاتورية السابقة، وإلى.. وإلى.. لقد تعبت من التعداد لذلك سأتمنى أن يشهد العام القادم إختلافاً في تركيب مختلف أنماط السلطات العربية التي لم تعد تشببها أنماط مماثلة في العالم، وأن تصدق العائلات الحاكمة في مختلف الأنظمة حتى الجمهورية ان العائلات لم يعد بإمكانها أن تركب على ظهور الناس. وإن هذا الأمر يسحب نفسه على لبنان بحيث لا يجري إعادة إنتاج النظام بواسطة إعادة إنتاج أدوار العائلات السياسية السابقة أو اللاحقة.
نحن في الأعوام السابقة تعبنا. تعبنا كثيراً من الموت، من تحويل المناطق العربية إلى مربعات للرماية بالذخيرة الحية، ومن تشريد اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات التي أقاموا بها بإنتظار العودة، تعبنا من تفرج النظام العربي على توسع الإستيطان الإسرائيلي وعلى تهويد القدس، تعبنا من السجون والمعتقلات العربية الأكثر إتساعاً وقسوة من المعتقلات الإسرائيلية، تعبنا من تحول الوطن العربي بكل نظامه إلى معتقل كبير.
سأتمنى في العام الجديد للذين «نجوا بأنفسهم» من العرب المقيمين في أوروبا والأميركيتين وأستراليا و.. سأتمنى لهم عاماً جديداً مليئاً بالشوق إلى العودة ذات يوم إلى ملاعب الصبا، وقد إختلف الأمر وإنتفت الأسباب التي أدت إلى هجرتهم سعياً وراء المال والكلأ والصحة والأمان.. سأتمنى أن يفتح الله سبحانه أمامهم أبواباً تمكنهم من العودة لعلنا نصاب بعدوى الديمقراطية التي مارسوها، ولعلهم ينقلون لنا نسخة عن النظامين الإجتماعي والصحي حيث أقاموا وحيث كانت لهم ضمانات صحية وإجتماعية تقيم فوقهم مظلة تمنع سحقهم.
في العام الجديد سأتمنى أن لا أحسم أمر تحولي إلى لاجىء سياسي خارج جغرافيا المكان الذي ولدت فيه وأتمنى إليه، سأتمنى لنفسي إقامة طيبة في وطني وإستقراراً نسبياً يتيح لمفاتيح النظام أن لا يصبح مخيماً كبيراً للاجئين اللبنانيين أولاً ثم الفلسطينيين والسوريين و..
في العام الجديد أتمنى لكم أنتم الجالية اللبنانية العربية في الولايات المتحدة الأميركية وخصوصاً الجالية في منطقة ديترويت عاماً سعيداً مسكوناً بالحب والوجدان الصافي والصدق.
لقد أثقلت على الله سبحانه وتعالى بأمنيات، ولكنه العالي القدير سيتسع لهذا الشاعر الناضج بالحب كي يحلم ويتمنى ويكتب
Leave a Reply