الانتخابات النيابية لحسم المنافسة بين سليمان وباسيل وجعجع
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
دخل عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عامه الأخير، بعد مرور خمس سنوات على توليه المنصب، ليبدأ الحديث جدياً عن التمديد أو التجديد أو البحث عن بديل، كما جرت العادة مع معظم رؤساء الجمهورية منذ الاستقلال، حيث كان خيار البقاء على الكرسي، مطروحاً بشكل أو بآخر. فكيف سيتعامل الجنرال مع هذه المسألة في خضم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد واتهامه بالسعي لتوريث الكرسي لصهره جبران باسيل؟
لا للفراغ
أثار موقف الرئيس عون في حديث صحافي له، بأنه لن يسلم بعد انتهاء ولايته إلى «فراغ»، تساؤلات عن القصد من كلامه الذي حمل أوجه تفسير عديدة، ومنها أنه رسالة مبطنة، بأنه لن يغادر القصر الرئاسي في حال لم يجر انتخاب خلف له، وهو ما لم ينص عليه الدستور، الذي أناط بمجلس الوزراء مجتمعاً أن يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في نطاق محدد لفترة انتقالية، ريثما يُنتخب رئيس جديد.
حصل ذلك عندما استقال أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال، بشارة الخوري، تحت ضغط الشارع الذي حرّكته «الجبهة الوطنية الاشتراكية» في صيف 1952، وطالبت الخوري بالاستقالة، بعد أن جدّد لنفسه ست سنوات، فاختصر ولايته الثانية واستقال في نهاية أيلول 1952، وكلّف قائد الجيش آنذاك اللواء فؤاد شهاب برئاسة الحكومة، لملء الفراغ الرئاسي، وتوفير ظروف لانتخاب رئيس جديد، فوصل مرشح المعارضة الرئيس كميل شمعون إلى الحكم، وسعى إلى التجديد لنفسه عام 1958 لكنه لم ينجح، ليتم انتخاب اللواء شهاب رئيساً من بعده، والذي امتنع عن التجديد واختار شارل حلو خلفاً له.
بعد ذلك توالى على الرئاسة سليمان فرنجية، الذي اندلعت الحرب الأهلية في عهده، والياس سركيس وبشير الجميّل الذي اغتيل وانتخب مكانه شقيقه أمين الجميل الذي خلّف فراغاً في القصر الرئاسي، فسلّم السلطة وصلاحيات الرئاسة إلى حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون.
وتأخر انتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى ما بعد اتفاق الطائف، حيث تم انتخاب رينيه معوّض الذي اغتيل بعد أقل من شهر على توليه الرئاسة، ليخلفه الرئيس الياس الهراوي الذي جرى التمديد له لنصف ولاية عام 1995، وانتخب بعده قائد الجيش إميل لحود عام 1998، وحظي بالتمديد لثلاث سنوات في العام 2004، وسط أوضاع داخلية مأزومة وتحولات إقليمية كبرى، بعد الغزو الأميركي للعراق.
خرج لحود عام 2007 من قصر بعبدا، وتولّت الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهي مبتورة، لخلوها من المكوّن الشيعي بعد استقالة وزراء حركة «أمل» و«حزب الله». ولم يملأ الفراغ الرئاسي، إلا بعد اتفاق الدوحة الذي أسفر عن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في نهاية أيار 2008، وذلك بعد أحداث «7 أيار» التي أعادت التوازن السياسي الداخلي، بعملية عسكرية–أمنية نفّذها «حزب الله» وحلفاؤه رداً على سعي حكومة السنيورة «البتراء» إلى تفكيك شبكة اتصالات المقاومة التي لعبت دوراً حاسماً في دحر العدوان الإسرائيلي في تموز 2006.
انتهى عهد سليمان دون انتخاب رئيس للجمهورية فتولت حكومة تمام سلام ملء الفراغ الذي دام عامين ونصف العام إلى أن انتخب عون رئيساً للجمهورية بدعم من «حزب الله» وتسوية بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل».
مَن يخلف عون؟
منذ توليه الرئاسة لم يوفر خصوم عون فرصة إلا واتهموه فيها بالإعداد لتوريث مقعده لصهره باسيل الذي ورث رئاسة «التيار الوطني الحر» من الجنرال. ومع اقتراب العهد من نهايته يزداد النقاش وتتكاثر الفرضيات حول مصير كرسي الرئاسة، ومَن ستكون له كلمة الفصل في اختيار الرئيس الجديد.
وبينما اعتاد اللبنانيون –منذ فجر الاستقلال– أن يُحسم الاستحقاق الرئاسي في الخارج، جاء وصول عون إلى الرئاسة قبل خمس سنوات بقرار داخلي، ربما لأول مرة في تاريخ البلاد. وذلك بسبب تمسك «حزب الله» بالجنرال الذي وقف مع المقاومة في خضم «حرب تموز» وحافظ على «تفاهم مار مخايل» الذي وقّعه مع السيد حسن نصرالله عام 2006، كما احتاج وصول عون إلى الرئاسة تسوية مع «تيار المستقبل» برئاسة سعد الحريري، و«تفاهم معراب» مع «القوات اللبنانية».
وبالنظر إلى ما آلت إليه البلاد من حصار مالي واقتصادي غير معلن خلال عهد عون، بسبب عدم رضا بعض الأطراف الإقليمية والدولية عن وصوله إلى سدة الرئاسة، تبدو آفاق اختيار رئيس جديد ملبّدةً بالغيوم السياسية، في ظل غياب أي مؤشرات على مَن سيخلف عون، الذي يقول بعض السياسيين والإعلاميين بأنه عزم على توريث صهره، كما ورّثه رئاسة «التيار الوطني الحر»، دون انتخابات داخلية، مما أثّر على وحدة «الحالة العونية»، التي انتظمت في كيان حزبي، لكنها تشظّت، وحدثت عملية تسرب من التيار السياسي الأقوى مسيحياً، لتتسلل الخلافات إلى داخله وتنخره الانقسامات، وبدأ الضعف في جسده مع انفكاك الآلاف عنه، فتراجعت شعبيته، لاسيما بعد الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أصاب اللبنانيين في عهد الجنرال، الذي يحمله البعض مسؤولية الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من سنتين.
لكن في المقابل، تنفي أوساط أخرى أية إمكانية لوصول باسيل إلى الرئاسة بعد أن تمّت «شيطنته» سياسياً وإعلامياً وشعبياً حتى بات تسويقه للرئاسة أمراً في غاية الصعوبة.
مرشحون للرئاسة
وفي ظل الحديث عن الاستحقاق الرئاسي، ومَن هو المرشح الأوفر حظاً لخلافة عون، تبرز أسماء بعض المرشحين المحتملين ممن يتمتعون بتمثيل شعبي وسياسي، ولهم حلفاء نافذون، فضلاً عن تمتعهم بالقبول والرضا الخارجي، وتقتصر تلك المواصفات حالياً على ثلاثة أسماء، هم إلى جانب باسيل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي سبق وترشّح في الدورة الماضية دون أن ينجح في حشد التأييد اللازم من حلفائه في «14 آذار»، حيث أيّده سعد الحريري على مضض، وامتنع وليد جنبلاط عن ذلك، فيما رفض «حزب الله» وحركة «أمل» وحلفاؤهما ترشيحه. أما المرشح الثالث فهو النائب سليمان فرنجية الذي حظي في الدورة الماضية بتأييد الرئيس نبيه برّي والحريري وجنبلاط، لكن لم يتأمّن له العبور مسيحياً برفض عون وجعجع له، كما أن «حزب الله» أبلغه التزامه بوعده مع عون رئيساً للجمهورية، وهذا ما حصل، على أن يكون فرنجية هو مَن سيخلف عون، وفق ما أعلنه السيد نصرالله، بوصف الرجلين بأن «هذا عين وهذا عين»، حيث يتقدّم اسم فرنجية كحليف استراتيجي للمقاومة وسوريا، على اسم باسيل، الذي يحاول تقديم نفسه –كما جرى مع عون– بأنه رئيس أكبر كتلة مسيحية في البرلمان، لكن هذا قد ينطبق على جعجع في غضون أشهر قليلة، أي بعد الانتخابات النيابية القادمة التي يراهن عليها زعيم «القوات» لتعزيز كتلته التي تضم حالياً 13 نائباً، وذلك على حساب «التيار الوطني الحر» الذي يتوقع الخبراء أن يكون أكبر الخاسرين في الاستحقاق الانتخابي الذي لم يتم تحديد موعده بعد.
الاستحقاق النيابي
بحسب الدستور اللبناني، يتوقف انتخاب رئيس الجمهورية على نتائج الانتخابات النيابية، التي لم يُحسم موعدها بعد، وسط انقسام السياسيين بين من يريد إجراءها في 27 آذار القادم وبين من يريدها في منتصف أيار، مثل الرئيس عون الذي رفض توقيع مرسوم إجراء انتخابات في آذار بسبب التعديلات التي أدخلت على القانون.
وفي جميع الأحول فإن الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخاب رئيس ستحددها صناديق الاقتراع التي ستحدد الشخصية المسيحية الأقوى. فهل يبقى «التيار الوطني الحر» الأكبر وزناً على الساحة المسيحية أم تنتزع «القوات اللبنانية» الصدارة، أم يتقدّم حزب «الكتائب» بتحالفه مع «الحراك الشعبي» الذي تتركز فرصه عموماً في المقاعد المسيحية، دون الإسلامية.
في الختام، وفي ظل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، يبقى السؤال الأهم: هل ستبقى الجمهورية أصلاً ليكون لها رئيس ومجلس نواب وحكومة جديدة، أم أن الكيان السياسي الذي صنعته فرنسا قبل قرن من الزمن بات على أعتاب الانهيار؟ أوليست أزمات لبنان ناتجة عن أزمة هوية ونظام؟
Leave a Reply