نال الكاتب المسرحي الأميركي إدوارد أولبي شهرة كبيرة بعد نجاح مسرحيته الواسع «من يخاف فرجينيا وولف» التي اعتُبرت من أكثر المسرحيات العالميَّة إثارة للجدل بين النقاد، والحيرة بين الجمهور المشاهد، لصعوبة فهمها وغموض تفسيرها، وحتى عندما قُدمت كفيلم سينمائي، من بطولة ريتشارد بيرتون وإليزابيث تايلور، ظل موضوعها غامضاً.
كتب أولبي المسرحية في أوائل الستينات من القرن الماضي. وظلَّت طوال مدَّة عرضها الناجح في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها موضع اهتمام واسع، فما هو موضوع المسرحية؟
الواقع والمتخيَّل فيها يصعب الفصل بينهما. بطلا المسرحية، أستاذ جامعي وزوجته المثقَّفة والناجحة في عملها، يتحدثان عن ولد لهما عمره 16 سنة، وخلال حديثهما عن تفاصيل حياة هذا الولد وما جرى له، يقول البطل، فجأة – إن الولد مات! فتندهش الزوجة وتفزع وتتساءل إن كان يمكن أن يعود الولد إلى الحياة فيؤكد لها زوجها: إن هذا مستحيل!
الحقيقة الواضحة أن هذا الولد الذي لم يوجد، هو الحب. أي أن الزوج يرى أن الحب الذي بينه وبين زوجته قد مات. فعمر الإبن الذي يتحدثان عنه هو 16 سنة وكذلك عمر زواجهما، فالحب إذن كان ثالثهما، ولكنه مات.
ولكن لماذا مات الحب؟ هنا يأتي دور تسمية المسرحية «من يخاف فرجينيا وولف»، وهو الإسم للكاتبة الإنكليزية المشهورة التي ماتت منتحرة، وهي أول من استخدم تيار الوعي في فن الكتابة. وتيار الوعي هو الجانب السرِّي في حياة الإنسان. الجانب الذي لا يظهر للناس. إنه مزيجٌ من الماضي والأسرار والمخاوف التي تنتاب الناس. فمن الذي يخاف الكشف عن أعماقه في هذه المسرحية؟
في الواقع إنهما يخفيان أكثر من سر. إعترف الزوج لزوجته بأنه قتل أمه وأباه في حادثتي سيارة، ويبرر فعلته بأنه لم يقصد الحادثتين ولكنهما حدثتا! كذلك اعترفت الزوجة لزوجها، أن أباها، صاحب الكليَّة التي يدرِّس فيها زوجها، قد استولى على هذه الكليَّة بالغش والتزوير.
الزوجان كشفا عن أسرارهما كما يفعل معظم المحبين. في تلك الليلة سهرا في حفلٍ عام، وخلاله يذيع كل منهما سرَّ الآخر ويكشف أعماقه ويموت الحب مع افتضاح الأسرار.
المسرحية هي درسٌ في ضرورة إخفاء الأسرار العائلية، حتى عن أقرب المقربين، ففي فترة الحب والخطوبة، كثيراً ما يروي الشاب والفتاة ما يجب أن يبقى في طي الكتمان، لأن ذلك موضوع خطير ودقيق وحسَّاس، وكثيراً ما يهدِّد أحدهما الآخر بإذاعة أسراره. وكما يقول المثل: إن أخطر الأعداء هو الصديق السابق، والحبيب السابق والزوج السابق، لأنهم يعرفون أكثر ويعلمون كيف وأين ومتى يضربون.
بعد هذه السنوات، تبقى مسرحية «من يخاف فرجينيا وولف» مثل إنذار مبكر لبعض المتزوجين والشباب العابث، الذين يتجاهلون النار التي يلعبون بها، وهي أسرار الحياة العائلية التي يتحدثون عنها ويكتبون عنها بخفَّة، غير مدركين خطورة عواقبها مع تقدم وسائل الإتصال.
Leave a Reply