نبيل هيثم
عندما دخل «حزب الله» طرفا مباشرا في الازمة السورية، اعلنها حربا استباقية على مجموعات ارهابية اطلقت شعارا علنيا في خضم تلك الحرب : «الان سوريا وغدا لبنان».
سلك حزب الله في تلك الحرب خريطة طريق حددها بعناية شديدة، خاصة وان المعركة التي يخوضها ليست دفاعية من جبهة الى جبهة وتحكمها شروط الحرب وما الى ذلك، بل هي معركة وجودية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. ولقد اثبتت التجربة على مدى سنوات الازمة السورية ان ما قام به «حزب الله» من خلاله تدخله في الحرب السورية، منع اسقاط لبنان في الحفرة التكفيرية والباسه الثوب الداعشي واعادته الى ما قبل العصر الجاهلي.
القائمون بالحرب على سوريا، وكذلك بعض اللبنانيين، اخذوا على «حزب الله» تدخله في الحرب السورية، وشنوا عليه حربا اعلامية لم تتوقف، وربما هذا امر طبيعي لأنه افشل هدفهم في اسقاط النظام في سوريا وكذلك لبنان، لكن كل هؤلاء عادوا بعد التمدد الدموي الداعشي في العراق وسوريا واعترفوا لـ«حزب الله» بصحة خياره في القيام بالحرب الاستباقية في سوريا.
نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم |
واذا كان البعض ما يزال يرى ان دولة الخلافة الداعشية قد قامت وصارت امرا واقعا مفروضا بالقوة ورسمت حدودها بالدم، فإن ذلك لا يعني التسليم بهذا الامر الواقع على ما يؤكد «حزب الله»، فهذا الخطر يمكن رده وهزيمته فداعش وصل الى اعلى ما يمكن ان يصل اليه والآن دخل في مرحلة التراجع. وما على المستهدفين من هذا الخطر، ولا سيما اللبنانيون الا حتمية مواجهة الارهاب بكافة الوسائل، وعلى رأسها تحصين الوحدة الوطنية وتوفير الاستقرار الداخلي.
«صدى الوطن»، التقت نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، حول تطورات المنطقة، وكان الحوار التالي:
– كيف تعرض صورة المنطقة في ظل التطورات الدموية التي شهدتها، وقيام دولة الخلافة الداعشية؟
المسألة البارزة في لبنان والمنطقة والتي تستحوذ على الاولوية هي خطر المشروع التكفيري، والذي يعتبر تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من افرازاتها.
هذا الخطر يتطلب ان تتكاتف الجهود المحلية والاقليمية والدولية في مواجهته، لأنه ليس مع احد، بل لأنه لن يترك احدا. وقد اكتشف مشغلو بعض امراء التكفيريين ان هؤلاء قد تقاطعوا لفترة من الزمن، ثم ذهبوا في اتجاه آخر.
ولذا ما نسمعه من صراخ دولي واقليمي له علاقة بفقدان السيطرة والخوف من تداعيات لم يتحسبوا لها سابقا، ومع ذلك يجب ان يكون معلوما بأن الحراك الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة الاميركية ليس حراكا جديا في انها الخطر التكفيري، بل يريد وضع حدود تتناسب مع الاستفادة من هذا الخطر كفزاعة في الاماكن المناسبة لتحصيل مكتسبات سياسية، وكذلك بعض الصراخ الاقليمي له علاقة بالاضرار المباشرة على بعض الدول، والتي يمكن ان تبرز بطريقة مفجعة بين يوم وآخر.
– ماذا عنكم كـ«حزب الله»؟
نحن قدرنا كـ«حزب الله» وجود هذا الخطر قبل سنوات، وواجهناه مسبقا لكي لا نفقد السيطرة على حدودنا اللبنانية، وكنا نقول للجميع ان ما يحصل في سوريا هو تعديل في الجغرافيا وفي السياسة.
اما في الجغرافيا، فعلى طريقة نائب الرئيس الاميركي بايدن الذي يريد تقسيم العراق. واما في السياسة فضرب مركز الثقل لمشروع المقاومة وتحويل الاتجاه الى خدمة المشروع الاسرائيلي، ولكن لم يقبل بعض الاطراف وعاندوا وتحدثوا عن ثورة الى ان رأوا تقطيع الرؤوس والغاء الحدود، والتمرّد على كل شيء، ومع ذلك فإن هناك من لا يريد ان يعترف بالخطأ والخطر في آن معا.
– هل تصدقون انهم اعترفوا بالخطأ؟
هذه من الامور الواقعية التي لا تنفع معها الخطابات الرنانة، وخاصة عندما يقوم التكفيريون بأعمال اجرامية واضحة للعيان، فمن يستطيع ان يبرر، ومن يستطيع ان ينفي، ومن يستطيع ان يؤكد ان بالهروب من مشكلة الخطر التكفيري او التعمية بادعاء عدم وجوده، يلغي حقيقة الخطر الساطع كالشمس.
– ما هي الخطوات التالية برأيك؟
نحن كـ«حزب الله» نعمل بهدوء، وبكل دقة ونتخذ الاجراءات التي نراها مناسبة وضروية لابقاء الحماية الحقيقية لمشروع المقاومة وكذلك لبلدنا لبنان. واعتقد انه آن الاوان ليعرف الجميع ان انتظار التطورات الاقليمية ولاسيما في سوريا والعراق لن يقدم شيئا لا عاجلا ولا آجلا، وبناء على ذلك فإن المنتظرين لهذه التطورات سيطول انتظارهم طويلا، وطويلا جدا، مما يؤدي الى بقاء الستاتيكو في لبنان على حاله لأشهر عديدة قادمة من دون حلول.
– هل تعتقد ان هؤلاء سيستشعرون حجم الخطر؟
هذه مسؤولية يتحملها الطرف الرافض لاجتراح حل داخلي.
– ما هو هذا الحل؟
الحل الداخلي اللبناني الذي يقوم على الاعتراف بمعادلة التمثيل الحقيقي، ورعاية مطالب الفئات اللبنانية سواء بالاتيان برئيس للجمهورية يمثل بشكل حقيقي، او بتحريك عجلة مجلس النواب الذي يعتبر مجلسا للشعب اللبناني وليس لشخص او طائفة بعينها.
– ما هو موقفكم كـ«حزب الله»؟
موقفنا كـ«حزب الله» واضح، وهو انتخاب رئيس للجمهورية وفق الدستور، وبالتوافق.
– متى؟
نحن حاضرون للقيام بهذا الامر في اسرع وقت ممكن.
– هناك من يتهمكم انكم من يعطل انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان؟
هذا اتهام باطل ومردود، نحن نعتبر ان الكرة في ملعب جماعة «14 اذار» الذين يصرون على خيارات غير ممكنة وغير واقعية. «ترشيح سمير جعجع مثلا».
– هل ما زلتم تدعمون ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؟
مرشحنا كـ«حزب الله» معروف، والقواعد التي اعتمدناها، هي ان يكون ممثلا للمسيحيين من ناحية، وايضا ان تكون له حظوة عن اللبنانيين من ناحية اخرى، ونحن نعتبر ان هذا المرشح يمتلك القدرة الكافية ليطمئن جماعة «14 اذار» اذا جلسوا وتفاهموا واتفقوا، لأن موقع رئاسة الجمهورية في لبنان ليس موقعا حزبيا ولا لجماعة، بل هو موقع يتصرف من خلاله الرئيس القوي الممثل، بما يضمن قيادة السفينة بلحاظ جميع الاطراف، والطريق للوصول الى هذه النتيجة يعرفه الجميع، فلا داعي للاختباء خلف الاصبع.
– وماذا تريدون غير ذلك؟
نحن نريد التئام المجلس النيابي لحل مشكلة سلسلة الرتب والرواتب، وبت موضوع الموازنة العامة، إذ لا يجوز ان يستمر البلد بلا موازنة عامة منذ العام 2005، وكذلك تشريع موضوع افادات الطلاب وغيرها من القضايا التي من شأنها ان تنشط عجلة التشريع في مجلس النواب المعطل فعليا منذ مدة. فضلا عن اننا ندعو الى معالجة شجاعة للتطورات التي نشأت في عرسال ومحيطها «الاحداث التي واكبت وتلت هجوم المجموعات الارهابية على مراكز الجيش في محيطها وخطف العسكريين ومن ثم احتلال بلدة عرسال».
– ماذا حصل في عرسال؟
ما جرى في عرسال خطر على لبنان، ونحن كـ«حزب الله» نرى ان هناك ضرورة ملحة لبذل اقصى الجهد من قبل الجميع لانقاذ العسكريين الجنود في الجيش اللبناني وعناصر قوى الامن الداخلي، فهؤلاء يمثلون كل لبنان، وهنا تقع المسؤولية على الحكومة اللبنانية، بأن تتابع هذا الملف بدقة، وبحكمة لتحرير العسكريين واستعادتهم سالمين.
– كيف ستقاربون هذه المسألة؟
نحن كما قلت مع المعالجة الشجاعة لهذا الموضوع، وهذا ما سنتابعه مع كل المعنيين الذين يتحملون مسؤولية ادارة الملف على المستوى السياسي.
– لنعد الى مسألة تدخلكم في الحرب السورية فما الذي حصل برأيك؟
لقد اثبتت التجارب ان ما توقعناه قد حصل، فقد توقعنا الا تسقط سوريا، وها هي سوريا قد تجاوزت المحنة واستعادت المبادرة وانتخبت رئيسا لها، وها هي المجموعات المسلحة تتقهقر وتتناحر في ما بينها.
كما توقعنا ان يكون استقدام التكفيريين من كل العالم سببا لتمركزهم وتمدد خطرهم، وهذا ما حصل بالفعل في ازالة الحدود بين سوريا والعراق واحتلال الموصل.
وتوقعنا ايضا ان يعيث التكفيريون فسادا وتوتيرات وتفجيرات واعتداءات على لبنان، وقد صح ما توقعناه، وقد تم التصدي لهذا العبث الامني من قبل الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية، وكذلك من قبل المخلصين، لوضع حد له.
لقد قلنا مرارا وتكرارا للفريق الآخر في «14 اذار»، كفوا عن التبرير للتكفيريين، واذا ظننتم ان غطاءكم لهم، يمكنكم من استيعابهم ومن ثم تستثمرونهم بما يخدم مشروعكم ومصلحتكم، وها هي الوقائع تؤكد ان هؤلاء التكفيريين لا يوقرون احدا ولا يعترفون بأحد بل يكفـِرون حتى من يغطيهم.
قلنا سابقا، ونعود ونكرر ان الخيار الصحيح هو ان نجلس معا، ونتفق بطريقة موضوعية على معالجة كل القضايا، فلا الشتائم تأتي بحل، ولا بث السموم الاعلامية يمكن ان يغيّر بالواقع شيئا، او يمكن ان توصلكم الى اي مكان، ولا الاستعراضات تفتح طريقا للمعالجة، بل ان الطريق الحصري هو الاعتراف بالحقيقة الساطعة، وهي ان لبنان بلد متنوّع ولا يحكم الا بتفاهم ابنائه، ولا يملك اي طرف القدرة على عزل اطراف اخرى، وليس في امكان اي طرف اي يمسك البلد وحده لمآربه.
– كيف تقيمون الحراك الدولي لقيام تحالف دولي لضرب الارهاب وفي مقمه تنظيم داعش؟
لقد اعلن باراك اوباما بشكل واضح بأنه يريد احتواء «داعش» ولا يريد انهاء «داعش»..
– كيف ذلك؟
كلام اوباما واضح، والاحتواء الذي تحدث عنه معناه تحديد المخاطر، وتعطيل بعض الاهداف، ولكن مع الابقاء على الوظيفة او الدور الوظيفي لهذا التنظيم الارهابي في استخدامه في اخافة دول معينة في هذه المنطقة، وكذلك الضغط في اتجاه التوازن في داخل العراق على النحو الذي يحقق مصالح الولايات المتحدة الاميركية، وفي الوقت ذاته ابقاء هذا التنظيم الارهابي سيفا مسلطا في سوريا في انتظار ان يتبلور حل ما، وبالتالي من يراقب الخطوات الاميركية ويتعمق فيها على حقيقتها، يلحظ ان الاميركيين يقبلون بمشكلة داعش في منطقتنا، ويحاولون منع امتدادها الى دولهم، ولكنهم ليسوا في وارد انهاء «داعش».
– ماذا عن لبنان في ظل الخطر الارهابي؟
«داعش» و«النصرة» يشكلان خطرا كبيرا على لبنان، وهذا ليس امرا عابرا او مبالغا فيه، لكن هذا الخطر لا يعني ان في امكان التكفيريين ان يحققوا اهدافهم، خاصة اذا ما تصدى المعنيون بالشكل الصحيح والفعال لهذا الخطر، وبمعنى اوضح، التكفيريون خطر يمكن دفعه، وليسوا غولاً مطلق اليد، المهم ان نكون رجالا في الساحة، ولقد اثبتنا خلال السنوات الثلاث الاخيرة ما يؤشر الى انهم وهم عندما يتصدى لهم اصحاب الهمم العالية.
– كيف تقرأ التحوّل، اذا صح التعبير، في موقف بعض دول الخليج؟
لقد بدأت بعض دول الخليج تشعر بخطر التكفيريين، ولدى تلك الدول تقارير واضحة عن خلايا نائمة فيها، وبعض الشخصيات العلمائية والمتموّلة ولاسيما العائلات المقربة من الحكم التي تروج للفكر التكفيري وتدعمه، كما ان لدى تلك الدول معلومات عن انشطة ارهابية يريد التكفيريون ان يقوموا بها داخل تلك الدول الخليجية، وما اعتقال العشرات في بعض الدول كالسعودية التي أعلنت قبل أيام اعتقال 88 إرهابيا تحت العنوان الارهابي، الا غيض من فيض. وبالفعل يوجد خطر على الدول الخليجية، لأننا كما قلنا هؤلاء التكفيريون الارهابيون لهم مشروعهم، وهم اذا تقاطعوا مع احد، فلمرحلة، وبعد ذلك يكملون في خدمة مشروعهم ويتجاوزون مشغليهم.
– ما العمل برأيك؟
الآن، تقع المسؤولية على دول الخليج، بأن ترتب وضعها وتعيد النظر في اولوياتها، وتتدارك ما تورطت به، وتجري مراجعة لبعض السياسات التي انتهجتها في سوريا والعراق، والا فإن الوبال سيكون عليهم من هؤلاء التكفيريين الارهابيين.
– ماذا عن اللقاء الايراني السعودي وزيارة عبداللهيان الى الرياض؟
اللقاء السعودي الايراني بداية جيدة ومشجعة، ويمكن ان تنعقد عليه امال مستقبلية مهمة في العلاقات الثنائية، في انعكاسها على قضايا المنطقة، ولا ننسى ان اللقاء هو الاول منذ فترة طويلة، وبالتالي هو باب قد فتح، ولكنه يتطلب لقاءات اضافية لتثبيت الخطوات الايجابية في العلاقة، وبحسب معلوماتنا فإن الجلسة الاولى كانت ايجابية والنوايا مندفعة في اتجاه تعزيز العلاقات، ومن الطبيعي ان تقتصر هذه الجلسة على العموميات، وعلينا ان ننتظر.
Leave a Reply