الرياض – شيّعت المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، الأمير سلطان بن عبدالعزيز بمشاركة دولية واسعة النطاق. وتقدم الملك عبدالله بن العزيز آل سعود مراسم التشييع بمشاركة وفود من نحو 100 دولة من مختلف أنحاء العالم بينهم نحو 15 من رؤساء الدول والحكومات.
وبرحيل سلطان، سارعت لتحديد ولي عهد ملكها، الرياض – ففي اجتماع لم تتجاوز مدته نصف ساعة، بارك اعضاء هيئة البيعة للأسرة المالكة السعودية تعيين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اخيه الامير نايف بن عبدالعزيز لولاية العهد ليصبح سابع ولي عهد في تاريخ المملكة العربية السعودية.
وتقبل العاهل السعودي التعازي إثر انتهاء الصلاة في مسجد الامام تركي بن عبدالله، في حين حمل امراء النعش باتجاه مقبرة العود القريبة من المكان حيث ووري الأمير سلطان الثرى هناك في مراسم بسيطة. وشارك في التشييع عدد كبير من الزعماء وقادة دول مجلس التعاون الخليجي والرؤساء والمسؤولين العرب والأجانب، وعدد كبير من العائلة الحاكمة.
ودفن الأمير سلطان (80 عاماً)، وهو الابن الـ15 من الأبناء الذكور لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز، في مقبرة العودة في منطقة البطحاء وسط العاصمة الرياض.
ويبعد قبر الأمير الراحل نحو مترين فقط عن قبر العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز الذي توفي قبل ست سنوات في الجزء الجنوبي من المقبرة، حيث يرقد هناك أيضاً الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية وأبناؤه الملوك السابقون: سعود، وفيصل، وخالد، الى جانب عدد من أفراد الأسرة المالكة.
ويعد الأمير سلطان أول ولي عهد سعودي يتوفى اثناء ولايته منذ تأسيس المملكة العام 1932.
وظهر الملك السعودي، الذي أجريت له عملية جراحية الأسبوع الماضي، وهو يجلس على كرسي أثناء أدائه الصلاة على أخيه سلطان بن عبد العزيز، حيث وضع كمامة على أنفه. ويذكر أن الملك خضع الاسبوع الماضي لعملية جراحية هي الثالثة في غضون عام ويستخدم حاليا مسندا حديديا يعينه على حركة التنقل. وكان اخضع في نهاية 2010 في نيويورك لعملية جراحية في الظهر. ثم خضع لعملية ثانية مطلع كانون الأول (ديسمبر) قبل ان يمضي فترة نقاهة في المغرب اعتبارا من 22 كانون الثاني (يناير) 2011.
نايف ولياً للعهد
وفيما اعتبر قراراً سريعاً لمنع خلق شرخ داخل العائلة الحاكمة، خلف الأمير نايف شقيقه الأمير سلطان. ويتولى نايف ملف الأمن في المملكة منذ ثمانية وثلاثين عاما استطاع عبرها تكوين خبرة ثرية في قضايا شائكة وتجاوز محن ألمت بالمملكة مما مكنه من تقوية وجوده في سباق العرش السعودي.
ويخول نظام هيئة البيعة الملك عبد الله ان يختار ولي عهده دون الرجوع لهيئة البيعة.
الا أن العاهل السعودي فضل عرض مرشحه عليها للحصول على اجماع داخل الاسرة يمكنها من اسكات حملات تشكك في مشروعية الاختيار واظهارا لمدى تلاحم الاسرة المالكة وراء قيادة واحدة.
لكن الملاحظ ان الملك عبد الله لم يخول الهيئة التصويت والموافقة على مرشحه، بل وجهها لمبايعة الامير نايف وهذا ما يخوله النظام بينما لا يستطيع الملك الذي سيأتي بعده تعيين ولي عهد دون الرجوع للهيئة.
ولم يشر بيان رسمي سعودي عن مصير مناصب رئيسة مثل وزارة الدفاع التي رحل عنها الامير سلطان مما يدل على ان هناك ترتيبات ستستغرق وقت لاختيار المرشح لهذا المنصب المهم والذي يدار حاليا من قبل الامير عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع بمساعدة من الامير خالد بن سلطان.
ويتوقع كثيرون أن يؤدي اختيار الامير نايف بن عبدالعزيز لولاية العهد على تعزيز موقف الصقور داخل مركز صنع القرار في المملكة.
ويتوقع محللون سياسيون سعوديون ان يجمل ذلك التعيين في المستقبل سياسة قوية للمملكة داخليا وخارجيا، لكن ناشطين حقوقيين يتخوفون من ان يؤدي ذلك التعيين الى زيادة سلطة السياسة الامنية المحافظة داخل المملكة.
ويشرف ولي العهد الجديد البالغ النفوذ على محاربة تنظيم القاعدة في المملكة التي تتبع نهجا محافظا.
ومنذ وفاة ولي العهد السابق في نيويورك السبت الماضي، بدا الامير نايف (78 عاما)، شقيق ولي العهد الراحل والاخ غير الشقيق للملك، الاوفر حظا لتولي المنصب خصوصا بعد تعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء في آذار (مارس) 2009.
واكد البيان ان الملك عبد الله طلب من اعضاء هيئة البيعة البالغ عددهم 35 اميرا “مبايعة الامير نايف الذي تلقى المبايعة”.
ويعتبر كثيرون الامير نايف اكثر صرامة من الملك عبد الله (87 عاما) الاصلاحي الحذر، لكنه في الواقع براغماتي يرغب في وصف نفسه بانه في خدمة الملك.
والامير نايف الذي يواجه بعض المتاعب الصحية هو من “الاشقاء السبعة” الذين انجبهم الملك المؤسس عبدالعزيز من زوجته الاميرة حصة السديري، وابرزهم الملك فهد والامير سلطان الراحلين وامير منطقة الرياض الامير سلمان.
وللمرة الاولى في تاريخ السعودية التي تأسست العام 1932، لم يخلف ولي عهد الملك.
وضمن آليات الخلافة التي اقرت قبل بضعة اعوام، عين الملك عبدالله اعضاء هيئة البيعة ووضع على رأسها اخيه غير الشقيق الامير مشعل بن عبدالعزيز.
تدخل أميركي؟!
وفور إعلان وفاة الأمير سلطان، عززت الادارة الاميركية من طاقمها الخاص الذي أوفدته منذ أشهر الى السعودية لاحتواء الصراع داخل العائلة الحاكمة حول تولي مناصب قيادية، في ضوء المحاور والاصطفافات التي بدأت تظهر فور الاعلان عن وفاة ولي العهد.
وتسربت معلومات عن مصادر سياسية مطلعة أن هناك أكثر من خمسة محاور ممسكة بجوانب الصراع يقودها كل من نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، والامير طلال بن عبد العزيز الذي يقيم في القاهرة، والأمير بندر بن سلطان رجل أميركا الاستخباري، والامير سلمان مدير منطقة الرياض والامير تركي.
وقالت المصادر أن ضباطا كبار في المخابرات الاميركية ومسؤولين في دوائر الشرق الاوسط في الولايات المتحدة وصلوا الى الرياض يوم الاحد الماضي لمنع انفجار الموقف وتزايد حدة الصراع على الحكم، خاصة في ظل الوضع الصحي الصعب للملك السعودي الذي يفرض عليه رحيل الامير سلطان، البحث عن ولي عهد جديد.
وأكدت المصادر أن هناك خطوطا ساخنة مفتوحة بين واشنطن والرياض لادارة حرب الوراثة، ومنع خروج الصراعات بين افراد العائلة المالكة عن السيطرة، وبالتالي، ستدعم الولايات المتحدة الامراء الذين يلتزمون بتوجهات الادارة الاميركية ازاء قضايا المنطقة.
ويزعج ظهور الامير نايف بوصفه العضو الانشط بالاسرة الحاكمة السعوديين الليبراليين لما عرف عنه من ميل للاتجاه المحافظ وارتباطه بصلات وثيقة برجال الدين الاقوياء. لكن ربما حين يصبح الامير نايف ملكاً سيتجه نحو نظام سياسي توافقي مما يعني أن تستمر عملية الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية البطيئة التي بدأها الملك عبد الله.
وقال روبرت جوردان سفير الولايات المتحدة في الرياض من عام 2001 الى 2003 “يجب أن نضع في اعتبارنا أن الملك عبد الله حين أصبح ولياً للعهد كان ينظر اليه بنفس الطريقة التي ينظر بها الى الامير نايف وهي أنه متدين جداً وغير موالٍ للغرب وتبين أنه اصلاحي”. وأضاف “أعرف الامير نايف وابنه وقد تحدث بعض المفاجآت اذا أصبح الامير نايف ملكاً”.
آل سعود
وفي اختلاف عن الانظمة الملكية الاوروبية فان خط الخلافة الملكية لا ينتقل مباشرة من الاب الى اكبر ابنائه وانما ينتقل بين مجموعة من الاخوة ابناء الملك عبد العزيز بن سعود الذي توفي عام 1953. وحتى الآن أصبح خمسة من الاخوة ملوكاً، ولا يزال نحو 20 على قيد الحياة لكن قلة من هؤلاء يمثلون مرشحين واقعيين لحكم البلاد التي شهدت مولد الاسلام منذ اكثر من 14 قرناً. وتم تجاوز البعض بالفعل او تخلوا عن المطالبة بالحكم. وسيرشح الملك عبدالله ولياً جديداً للعهد حتى يوافقوا عليه لكن الهيئة تتمتع بصلاحية رفض اختياره لصالح مرشحها هي.
ويعتقد أن الكتلة الاقوى في صفوف الاسرة الحاكمة تتكون من ابناء الملك عبد العزيز بن سعود الذين أنجبتهم زوجته حصة بنت احمد السديري. ويشمل هؤلاء الملك فهد والامير سلطان والامير نايف والامير سلمان أمير الرياض.
لكن الكثير من المحللين يتساءلون ماذا سيحدث حين تنتقل الخلافة من ابناء الملك عبد العزيز الى أحد أحفاده.
وربما لا يتخذ هذا القرار لعشر سنوات او اكثر لكن مراقبين يرون ظهور مجموعة من المنافسين الاكثر جدارة بالحكم فيما يبدو من ابناء عمومتهم.
ولا توجد قواعد رسمية تحدد كيفية انتقال الخلافة من جيل الى جيل سوى من خلال هيئة البيعة. لكن اي مرشح سيحتاج الى دعم واسع النطاق من الاسرة فضلاً عن سجل قوي من الخبرة السياسية.
وقد يشير هذا الى أحد احفاد الملك عبد العزيز من ابناء زوجته حصة السديري مثل الامير محمد ابن الملك فهد امير المنطقة الشرقية والامير خالد ابن الامير سلطان وهو نائب وزير الدفاع وقاد القوات السعودية خلال حرب الخليج عام 1991، او الامير محمد ابن الامير نايف الذي لعب دوراً في وقف عمليات تنظيم القاعدة في السعودية منذ ست سنوات بوصفه مساعداً لوزير الداخلية.
ومن بين المرشحين المحتملين في الجيل الثالث من أسرة آل سعود الامير خالد الفيصل ابن الملك الراحل فيصل وأمير منطقة مكة وهذا أحد المناصب المرموقة في البلاد.
وورث الامير متعب بن عبد الله ابن الملك الحالي عن والده منصب رئيس الحرس الوطني السعودي وهو وحدة عسكرية منفصلة عن القوات المسلحة ووظيفتها الحماية من خطر الانقلابات.
Leave a Reply