كنا قد طرحنا في مقال سابق أسباب التفكك الأسري في مجتمعات الجالية العربية في أميركا. وسنحاول هذه المرة ان نشرح النتائج ونطرح الحلول التي قد نراها أنسب في مواجهة هذه الآفة.
ان الزوجين او الوالدين هما المحور الاول في هذه المشكلة، والابناء، ان وجدوا، يشكلون المحور الثاني، والمحيط من اهل واقارب ورفاق يشكلون المحور الثالث.
أولى ضحايا التفكك الأسري هم أفراد تلك الأسرة المتفككة، فالزوج والزوجة يواجهان المشاكل والصعوبات الحاصلة من تشرذم اسرتهما التي عملا على تاسيسها، فهما بشكل او باخر دمرا هذا البنيان سواء إراديا او لاإراديا. وهنا يخيم ذلك الظل المخيف على الاسرة وتسود خيبة الامل ويسيطر الاحباط والقلق من انعدام القدرة على تصحيح ما اصبح ركاما واطلالا. وقد يقع البعض فريسة الامراض النفسية التي تعزل الفرد وتقصيه عن اي تداخل اجتماعي. واللافت هنا ان اصعب نواحي الجفاء والاقصاء هي الصادرة من الاقربين. فالمرء ومهما يمر بصعوبات، يتنظر دوما الدعم والعون من الاهل والاقارب والرفاق. فكم يصعب رؤيتهم يديرون له ظهورهم وهو بامس الحاجة لكلمة سند منهم او نصيحة ليس الا.
اما على صعيد الضحية الثانية، الابناء، فالفقدان الابرز لهم هو فقدان الملجأ والمأوى حيث كانت الاسرة مجتمعة.وهنا يسعى الابناء لايجاد السكن البديل والذي ربما يكون الهاوية المحتمة والاندماج مع رفاق السوء، لا سيما بعد انتفاء اي رادع، سواء شخصي او اخلاقي. وفي حال الزواج الثاني للاهل، يترتب على الابناء السكن مع زوج الام او زوجة الاب، مما قد يزيد الافة افات جمة.
ينتج عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين، خصوصا انً كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالباً وللأسف تتأثر العائلتين والاقارب سلبياً بما يحدث للزوجين، فتنشا العداوة بين أفراد تلك الأسرتين، وتحدث القطيعة بينهما، بل ويصبح هناك نوع من الشحناء والكراهية بحيث لا يطيق فرد رؤية فرد آخر من الأسرة الأخرى، في أي مناسبة أو لقاء عام.
كما وينتج عن هذه الظاهرة تهيئة الظروف المساعدة للانحراف. فتفكك الاسرة وتشتتها يؤدي الى شعور افرادها بعدم الامان الاجتماعي والعجز عن مواجهة الصعوبات والمشاكل وبالتالي الانصياع لما يخالف الاخلاقيات المتعارف عليها وينافي الاعراف والتقاليد. ولا نغفل اثار التفكك الاسري السلبية على المشروع التنموي باوجهه كافة. فكيف سيكتب للتنمية اي نجاح او تحقق المراد المنشود والبنية الاساسية للمجتمع مما اصابها من الخلل ما جعله يعاني من شلل كلي يجعله عاجزا عن اللحاق بسباق التقدم الانمائي والتحديثي والتطوري.
هذه ابرز نتائج ظاهرة التفكك الاسري، والتي اوجزت عرضها للانتقال لتناول اساليب الوقاية والعلاج لهذه الافة المجتمعية.
الحلول المناسبة لمشكلة التفكك الاسري:
ان القول التالي: درهم وقاية خير من الف علاج، هو خير قول لاستهل به ذكر الحلول اللازمة. فما دام بالامكان تجنب هذه الافة والابتعاد عن الوقوع في ظلامها، فلما لا نستفيد من اخطاء الاخرين ونتوخى الحذر لعدم الغوص بمتاهات هذه المشكلة. من ابرز الحلول والطرق الوقائية، التشجيع على الانصهار العائلي والاجتماعي وتقوية الرادع الديني والاخلاقي.
فدمج الاسرة في اطار واحد موحد لا يخترقه اي دخيل مسيء واي عامل مهدد لاستمراريتها هو من ابرز العوامل المانعة والصادة لتغلغل التفكك الاسري الى الاسرة والفتك بنواتها. وقد يكون التدخل العائلي في شؤون الزوجين من العوامل الخارجية العاملة على هدم هذا البناء الثنائي الاقطاب. ان الله هو المصلح الوحيد لما جاء في الاية الكريمة: (ان يريد اصلاحا، يوفق الله بينهما) ,وبالتالي يتوجب على الزوجين التكيف في حل مشاكلهما بمفردهما وصيانة كرامة بعضهما البعض وعدم البوح باسرار البيت الزوجي للاخرين.
ومن الروادع الابرز ايضا، الرادع الديني، فليس من رقيب على النفس اكثر من الرقيب الايماني للشخص ذاته.
فعندها يحتسب المرء على نفسه كل كلمة صادرة منه وكل عمل بدر عنه. ولا نغفل هنا عن مدى اهمية الرادع الديني في اختيار الشريك. فهذا الاختيار هو الركيزة الاساسية لبناء الاسرة الناجحة والفاعلة وعن الرسول (ص): ومن رضيتم خلقه ودينه فزوجوه. لكن كم ناسف ان الحاصل اليوم هو التالي: من فتنكم ماله وظاهره فزوجوه.
وللنشاطات العائلية تاثير فعال في شد اواصر الاسرة. فكل الاسر معرضة لمطبات قد تكون سهلة او معقدة. ولكن مهما صعبت، فالتواجد معا ضمن برامج اجتماعية وتربوية وتثقيفية وترفيهية لها من الشان الامثل للحد من شدة الاحتقان الحاصل.
وتجدر الاشارة الى مشكلة الادمان في الاستعمال الذي يفوق الحد المقبول لاستخدام الانترنت ومشاهدة التلفاز وغيرها من الوسائل التكنولوجية. مما يشعر الاخرين بالوحدة رغم تواجدهم في بيئة جماعية، لكن لكل مشاغله وملاهيه الخاصة. في السابق، لم يعرف اهلنا كل هذه الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل الاتصالات. فكانت الجلسات العائلية وتجمعات الاصدقاء هي الاوحد، لذلك شبوا موحدين ومتضامنين، ولم تعرف العزلة والتفكك طريقا للبلوغ اليهم.
هكذا اختتم موضوع التفكك الاسري، والذي يحتاج لتضافر الجهود الجماعية للحد من تغلغله في مجتمعنا والعبث في عائلاتنا، راجية المولى ان اكون قد اجبت عن بعض التساؤلات التي وردتني، وابلغت اولى رسالاتي التوجيهية المتواضعة في بيئة ادعو الله ان يشملها بما يحب ويرضى.
Leave a Reply