التقرير الأسبوعي
بعد أكثر من ١٥ شهراً من العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة وصمود المقاومة الأسطوري فيها، اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) الحالي، إلى أن يتجرع السم، بقبول إنهاء حربه الشعواء على غزة دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة، باستثناء الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج.
… أخيراً، وقبل خمسة أيام من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أجبر نتنياهو على توقيع وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» التي كان قد تعهد قبل 467 يوماً بالقضاء عليها رداً على «طوفان الأقصى».
ورغم أن إسرائيل استندت إلى دعم عسكري وسياسي ومالي مفتوح من قبل إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جوزيف بايدن، فشل جيش الاحتلال في كسر شوكة المقاومة التي استمرت بإيقاع الخسائر اليومية بالقوات الغازية حتى ضمن المناطق الشمالية التي تحولت إلى أكوام من الركام، مثل جباليا وبيت حانون. وقد اعترفت إسرائيل بدفع ثمن غال عبر مقتل 831 ضابطاً وجندياً وإصابة أكثر من 5590، منذ بداية الحرب الوحشية.
ووسط صمت عربي مقيت لم تخرقه سوى بعض جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن، لم تتوان دولة الاحتلال عن استخدام كل أساليب القتل والتجويع والتهجير بحق الفلسطينيين عقاباً على مقاومتهم، إذ تحمل أهل غزة كل الأهوال، مقدمين نحو 47 ألف شهيد و110 ألف جريح، وسط دمار أكثر من نصف مباني القطاع بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية.
وقد استقبل الفلسطينيون والعالم خبر التوصل إلي اتفاق وقف إطلاق النار بفرحة عارمة عمت شوارع القطاع ومخيمات الإيواء والمستشفيات داخله، من الشمال إلى الجنوب، ولم تعكرها سوى الغارات الإسرائيلية التي استمرت بحصد الشهداء بعد التوقيع على الاتفاق الذي تسبب بصدمة كبيرة في الداخل الإسرائيلي، وسط ترنح حكومة نتنياهو التي باتت آيلة للسقوط بسبب معارضة بعض أعضائها للاتفاق وإصرارهم على مواصلة الحرب التي كبدت دولة الاحتلال خسائر بأكثر من 34 مليار دولار وفقاً اتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية فضلاً عن نحو ألفي قتيل وأكثر من ٢٣ ألف جريح.
وعلى المقلب الأميركي، اعتبر ترامب، أن «اتفاق وقف إطلاق النار الملحمي لم يكن ليتحقّق لولا فوزنا التاريخي الذي أشار للعالم بأن إدارتي ستسعى للسلام»، فيما أكد الرئيس الحالي، جو بايدن، أن الاتفاق «سيصبح وقفاً دائماً، وهو المقترح نفسه الذي طرحته في أيار (مايو) الماضي»، مشيراً إلى عمل فريقه مع إدارة ترامب «كفريق واحد للتوصّل إلى اتفاق». وأضاف أن «عملية كبيرة لإعادة إعمار غزة ستبدأ».
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة مشتركة، أميركية– قطرية–مصرية، ووافقت عليه «حماس» وإسرائيل، سيكون تنفيذه على ثلاث مراحل، تبدأ الأولى يوم الأحد 19 يناير الجاري، وتمتد على ستة أسابيع، وتتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح عدد من الرهائن الذين تحتجزهم «حماس»، مقابل إفراج إسرائيل عن مئات المعتقلين الفلسطينيين. وستكون المرحلة الأولى حاسمة، إذ يعتمد عليها نجاح المرحلتين الثانية والثالثة.
والاتفاق المعلن، كان من الممكن القبول به منذ أكثر من 7 أشهر، إذ أنه يقوم على مبادرة المبادىء الثلاثة التي كان قد أعلنها بايدن في أيار (مايو) 2024، لكن ما حال دون ذلك هو التعنّت والغطرسة الإسرائيلية، المدفوعين بعناد نتنياهو وإصراره على مواصلة الحرب هرباً من أزماته الداخلية، وخصوصاً خضوعه لمحاكمة جنائية.
وتحت وطأة الغضب الداخلي، حاول نتنياهو، كما هي عادته، تشويه الوقائع، زاعماً في تصريح بعد الاتفاق، عبر «مصدر سياسي رفيع»، بأن ما دفعه إلى منع اتفاقات في السابق، هو الاعتبارات الأمنية.
وصدرت عن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، مواقف رافضة للصفقة، التي وصفها بأنها «كارثية» لأمن إسرائيل ومستقبلها، علماً بأن استقالة سموتريتش في حال حدوثها تعني سقوط حكومة نتنياهو، بعد استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رفضاً للاتفاق.
ومن المقرر أن تجتمع حكومة نتنياهو، يوم السبت (مع صدور هذا العدد)، للمصادقة على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة «حماس» ، بعد تذليل خلاف مع الحركة حول هوية بعض الأسرى الفلسطينيين الذين سيجري إطلاق سراحهم.
ولعل ما فرض التوصل إلى اتفاق رغم معارضة اليمين الإسرائيلي، تضافر عوامل متداخلة، في مقدمتها عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ورفضه المعلن لاستمرار الحرب.
وقالت واشنطن إن الاتفاق على المسار الصحيح، وبدت واثقة من بدء تنفيذه بحلول الأحد المقبل، رغم أنه لايزال يحتاج توقيع حكومة نتنياهو.
ويبدو أن الصفقة التي عزا نتنياهو الموافقة عليها إلى ضغوط كبيرة عليه من ترامب، ستطيح ببن غفير، الذي أكد أنه سيستقيل من الحكومة إذا تمت الموافقة على الاتفاق. وجاء تأكيده بعدما قالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إن «دوائر معينة داخل حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو تقوم بصياغة خطط انتقامية ضد بن غفير»، مشيرة إلى أن «الشراكة بينه وبين نتنياهو تقترب من نهايتها». وكان بن غفير قد دعا شريكه وزير المالية، بتسليئيل سموتريتش، إلى الانضمام إليه في الخروج من الحكومة إذا تمت المصادقة عليها، لكن الأخير، الذي يعارض الصفقة أيضاً، ما زال يرغب في البقاء في الحكومة، كما يبدو.
لكن العامل الضاغط، تمثل في تطورات الأسابيع الأخيرة، وخصوصاً في الحملة البرية التي كانت تهدف إلى تطهير شمال القطاع وكسر إرادة المقاومة فيه، غير أن المعطيات الميدانية جاءت على عكس ما أراد الاحتلال، إذ صمدت المقاومة وكبّدت الجيش الاسرائيلي أكثر من 50 قتيلاً ومئات الجرحى، 17 قتيلاً منهم سقطوا منذ مطلع عام 2025، بحسب اعترافات الجيش نفسه، وجلّ القتلى والجرحى كانوا من قوات النخبة في لوائَي ناحال وجفعاتي وبرتب عسكرية عالية (كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن 80 بالمئة من قادة لواء جفعاتي قتلوا أو جرحوا في العدوان على قطاع غزة).
وما يكشف اضطرار نتنياهو للقبول بالاتفاق، أن الوزراء المقرّبين منه ومستشاريه وإعلاميين يدورون في فلكه، عملوا، فور الإعلان عن الاتفاق، على الترويج لأهمية تبادل الأسرى، في حين أن معظم ما عدَّه نتنياهو «خطوطاً حمراً» في السابق، جرى الآن تجاوزه من دون تحفّظات، بدءاً من عدد الأسرى الفلسطينيين المنوي الإفراج عنهم، مروراً بالانسحاب من محور نتساريم الذي يمنع الفلسطينيين من العودة إلى شمال القطاع، وصولاً إلى محور فيلادلفيا الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتبر الانسحاب منه بمنزلة «تهديد للأمن القومي الإسرائيلي».
وتشمل بنود الاتفاق ما يلي:
– انسحاب القوات الإسرائيلية شرقاً من المناطق المكتظّة بالسكان على طول حدود قطاع غزة، بما يشمل وادي غزة (محور نتساريم ودوار الكويت).
– تبادل الأسرى، بدءاً من إطلاق 9 محتجزين إسرائيليين لدى «حماس»، من أصل 33، مقابل إطلاق سراح 100 سجين فلسطيني من المحكومين بالمؤبّد. وستطلق إسرائيل سراح 1000 معتقل من غزة من الذين اعتُقلوا من 8 تشرين أول (أكتوبر) 2023، والذين لم يكونوا مشاركين في أحداث 7 أكتوبر 2023. ومن ثَمَّ سيتمّ إطلاق سراح عدد من المسجونين الفلسطينيين في الخارج أو في غزة بناءً على القوائم المتّفق عليها بين الطرفين.
– يقوم الجانب الإسرائيلي بخفض القوات تدريجياً في منطقة الممرّ خلال المرحلة الأولى. وبعد إطلاق سراح آخر رهينة من المرحلة الأولى، وفي اليوم 42، تبدأ القوات الإسرائيلية انسحابها وتستكمله بما لا يتجاوز اليوم الـ50.
– سيكون معبر رفح جاهزاً لنقل المدنيين والجرحى بعد إطلاق سراح جميع النساء.تُعيد القوات الإسرائيلية انتشارها حول المعبر وفقاً للخرائط المرفقة. وسيتمّ تشغيل المعبر استناداً إلى مشاورات أغسطس 2024 مع مصر.
– تسهيل عودة النازحين داخلياً والسماح للمركبات بالعودة شمال محور نتساريم.
– الإجراءات ذات الصلة بالمساعدات الإنسانية وفقاً للاتفاق سيتمّ تنفيذها استناداً إلى البروتوكول الإنساني الذي تمّ الاتفاق عليه تحت إشراف الوسطاء.
وكان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد أعلن، مساء الأربعاء الماضي، نجاح جهود الوساطة المشتركة التي قادتها الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى اتفاق. وتتضمن المرحلة الأولى، وفقاً لرئيس الوزراء القطري، تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها الآمن والفعال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز وإدخل مستلزمات الدفاع المدني والوقود وإدخال مستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب.
ولفت إلى أن تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة سيتم الاتفاق عليها خلال تنفيذ المرحلة الأولى.
من جانبها، رأت «حماس» أن «اتفاق وقف إطلاق النار هو ثمرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزة، على مدار أكثر من 15 شهراً»، فيما قال خليل الحيّة، رئيس وفد المفاوضات في الحركة، إن «ما قامت به كتائب القسام أصاب كيان العدو في مقتل وسيبقى في سجلّ التاريخ… ونثبت اليوم أن الاحتلال لن يهزم شعبنا ومقاومته أبداً». وتوجّه بالشكرالى جبهات الإسناد قائلاً: «نستذكر بكل كلمات الشكر والامتنان كل من وقف مع شعبنا ومقاومتنا في اللحظات القاسية ونخصّ بالذكر إخوتنا في لبنان الشقيق».
اليمن: مواكبة والتزام
على جبهة الإسناد اليمني المستمرة، لوّح زعيم «أنصار الله» السيد عبدالملك الحوثي، الخميس الماضي، بمواصلة شنّ الهجمات على إسرائيل إذا لم تلتزم الأخيرة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقال: «سنبقى في مواكبة لمراحل تنفيذ الاتفاق، وأي تراجع إسرائيلي أو مجازر وحصار سنكون جاهزين مباشرة للإسناد العسكري للشعب الفلسطيني».
ولم يتأثر موقف الحوثي بالتصعيد العدواني الكبير ضد بلاده، الذي استهدف خلال الأسبوع الماضي العاصمة اليمنية صنعاء والحديدة، في هجوم كبير نُفّذ بالتنسيق بين إسرائيل و«التحالف الدولي».
وتواصل صنعاء توجيه ضربات بالصواريخ الفرط صوتية والمسيرات ضد إسرائيل، فضلاً عن منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وملاحقة القطع البحرية الأميركية في المنطقة.
لبنان: تكليف سلام
جاء إعلان وقف النار في غزة، في وقت تواصل السلطات اللبنانية، وفي ضوء التوجهات التي رسمها خطاب القسم لرئيس الجمهورية المنتخب حديثاً جوزيف عون، العمل على تهيئة الأرضية المناسبة لاستعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، بدءاً بالانسحاب الإسرائيلي الكامل، وتنفيذ كامل بنود اتفاق وقف النار، الذي تنتهي مهلته التمهيدية يوم 27 الشهر الجاري. وتبدو المهمة صعبة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الذي سجل تمادياً كبيراً في الأيام الأخيرة، وفي ظل عدم اكتمال تشكيل السلطات الجديدة، حيث لا يزال لبنان بدون حكومة أصيلة، بانتظار أن ينجح الرئيس المكلف القاضي نواف سلام بتشكيلها.
وبينما استبشر اللبنانيون خيرا بانتخاب عون رئيساً للجمهورية بعد أكثر من سنتين على شغور المنصب، برزت إلى السطح بوادر أزمة سياسية نشأت عن عدم تصويت «الثنائي الشيعي»، (حركة أمل وحزب الله) لصالح سلام الذي نال أصوات 88 نائباً ليُكلّف بتشكيل حكومة أصيلة تخلف حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها نجيب ميقاتي الذي لم يحصل إلا على تسعة أصوات، وقد امتنع نواب «الثنائي» عن تسمية أي شخصية، كما امتنعوا عن المشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة لما اعتبروه التفافاً على اتفاق مسبق مع الرئيس عون لإبقاء ميقاتي في منصبه.
وسلام هو سياسي ودبلوماسي وقانوني وأكاديمي شغل منصب الرئيس السابع والعشرين لمحكمة العدل الدولية منذ عام 2024.
ويسري الترقب حالياً في لبنان، انتظاراً لنتائج المساعي الجارية لحلحلة الخلافات وتليين المواقف، عشية انتهاء الفترة المحددة لاتفاق وقف إطلاق النار (27 الشهر الجاري)، التي تستغلها إسرائيل في مواصلة الخروقات ونسف المنازل وتجريف الاراضي في قرى الحافة الأمامية.
وتحظى عملية تشكيل الحكومة، كما يحظى العهد الجديد في لبنان، بغطاء خارجي كبير، لاسيما من الولايات المتحدة والسعودية اللتين لعبتا دوراً أساسياً في انتخاب عون وتكليف سلام.
أما في الشأن السوري، حيث تواصل إدارة أحمد الشرع (الجولاني) جهودها المحلية والخارجية لتنظيم شؤون البلاد، وسط استمرار الاشباكات المسلحة شمالا وفي مدن الساحل، فيما يبسط جيش الاحتلال الإسرائيلي، سلطته على مزيد من الأراضي السورية الممتدة من جنوب القنيطرة إلى جنوب غرب درعا، في وقت يؤشر فيه المشهد الميداني إلى ثبات جغرافي مرحلي يحكم التحركات الإسرائيلية في الداخل السوري.
وجاء توغل قوات الاحتلال في عدة قرى موزعة على ريف القنيطرة ودرعا، سابقاً للتصريحات الأولى من نوعها التي أطلقها أحمد الشرع، عقب لقائه رئيس الوزارء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتي طالب فيها بالعودة إلى اتفاق فض الاشتباك الموقّع عام 1974 بين سوريا وإسرائيل، معتبراً أن «إسرائيل تقدّمت في المنطقة العازلة بذريعة وجود ميليشيات إيرانية وهذا العذر لم يعد قائماً بعد تحرير دمشق»، علماً بأن الشرع قد قال سابقاً أن لا طاقة لسوريا في قتال إسرائيل.
Leave a Reply