حكومة لبنان تذعن للاملاءات الأميركية–السعودية وتكلّف الجيش بإعداد خطة لنزع سلاح المقاومة
التقرير الأسبوعي
حسم اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل خياره بتوسيع الحرب على قطاع غزة وصولاً إلى احتلاله بالكامل، في حين وجد اللبنانيون أنفسهم أمام مأزق داخلي خطير إثر انصياع الحكومة اللبنانية للضغوط الأميركية–السعودية بتكليف الجيش مهمة نزع سلاح المقاومة.
احتلال غزة
بعد عشر ساعات من المباحثات، وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر –فجر الجمعة 7 آب (أغسطس) 2025– على اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باحتلال قطاع غزة بالكامل وسط لامبالاة أميركية تبدو أقرب إلى «الضوء البرتقالي»، وذلك على الرغم من الرفض الشعبي الواسع والمعارضة الشديدة التي أبدتها قيادة الجيش بشأن مقتل الأسرى الإسرائيليين الأحياء الذين مازالوا في قبضة المقاومة الفلسطينية فضلاً عن فقدان المزيد من الضباط والجنود.
وإذ أكّد رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زمير، معارضته لتوسيع العمليات البرية أكثر من مرة، أبدى نتنياهو إصراراً واضحاً حول السيطرة العسكرية على قطاع غزة بأكمله، زاعماً أن لا نية للاحتفاظ بالقطاع بعد الحرب، بل الهدف هو إسقاط حكم «حماس» فقط، مقترحاً تسليم الحكم لقوات عربية غير تابعة للحركة، وفق تصريحه لقناة «فوكس نيوز».
ورغم تظاهر الآلاف خارج قاعة اجتماع «الكابينت للمطالبة «بعدم التضحية بأبنائهم والبحث عن حل تفاوضي»، وافق المجلس السياسي والأمني الإسرائيلي على بدء مناورة لتعميق احتلال مدينة غزة أولاً، رغم اعتراض زامير على الخطة التي قال إنها قد تستغرق عامين وستعرض الجنود للقتل وحياة الأسرى للخطر. كما عبّر «منتدى الجنرالات» ضمن «حزب الديمقراطيين» بقيادة يائير جولان، عن معارضته الشديدة لسيناريو احتلال غزة، محذّراً من «عواقب وخيمة».
وبحسب تسريبات إعلامية، فإن خطة نتنياهو تُعدّ من أضخم العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ عقود، وتتضمّن السيطرة على مدينة غزة ومخيمات اللاجئين في الوسط، ودفع السكان نحو ما تُسمّى «منطقة المواصي الإنسانية» في رفح جنوباً. ووفق تقييمات الجيش، فإن تنفيذ هذه الخطة سيستغرق ما بين أربعة وخمسة أشهر من القتال المكثّف، في حين أن القضاء التام على «حماس» قد يتطلب «سنوات لاحقة».
وكان نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرّف، قد صعّدوا الضغوط على زامير، وذهب بعض المقرّبين من رئيس الحكومة إلى التلويح بإقالة رئيس الأركان إذا استمرّ في معارضة التوجّهات السياسية. كما خرج وزراء من اليمين المتطرّف ليعلنوا أن «الاحتلال الكامل» لغزة بات الخيار المفضّل، معتبرين أي اعتراض عسكري على هذا المسار «تجاوزاً للصلاحيات».
ونقلت شبكة «أن بي سي» عن مسؤولين أميركيين أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن إسرائيل تحشد قواتها لغزو بري محتمل لغزة. وقالت الشبكة إن الصور تظهر تحركات وتشكيلات لقوات إسرائيلية، مما يشير إلى عملية برية كبرى وشيكة، علماً بأن جيش الاحتلال يسيطر حالياً على معظم مدينة رفح في جنوب القطاع وأجزاء من محافظة غزة والشمال، دون تمكنه من إنهاء عمليات المقاومة التي تواصل تكبيده خسائر شبه يومية.
وبينما قالت «القناة 12» إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب «لا يعارض» خطة نتنياهو، نقلت القناة نفسها لاحقاً عن مسؤول أميركي إشارته إلى أن «واشنطن ترفض ضمّاً دائماً لأراضٍ في غزة»، مؤكدة أن دعمها لإسرائيل «لا يشمل تغيير الوضع القانوني للقطاع»، وهو ما يشي بأن واشنطن تدعم خطة السيطرة على كامل القطاع واحتلاله، على أن لا يصبح ذلك وضعاً دائماً.
وكان ترامب قد رفض الإفصاح عما إذا كان يؤيد أو يعارض سيطرة إسرائيل المحتملة على غزة عسكرياً، وقال إن تركيز إدارته ينصب على زيادة وصول الغذاء إلى القطاع الفلسطيني الذي يتعرض للهجوم من حليفة بلاده.
بدورها، أكدت فصائل المقاومة على استعدادها للتصدي للقوات الغازية وتدفيعها أثمان باهظة في حال أقدمت على تنفيذ خطة احتلال القطاع، متوعدة بإفشال خطة نتنياهو كما أفشلت عملية «عربات جدعون» التي أطلقها جيش الاحتلال في مايو الماضي وتكبد خلالها أكثر من 40 قتيلاً وعشرات الجرحى، بحسب اعتراف الجيش.
إنسانياً، ندد فريق من خبراء الأمم المتحدة، الخميس المنصرم، بتصعيد إسرائيل حملة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ودعوا المجتمع الدولي إلى إنهاء «تواطئه» في مواجهة الفظائع الإسرائيلية تحت ظل استمرار محادثات وقف إطلاق النار دون إحراز تقدم.
وقال الخبراء في بيان «إن أوامر التهجير الصادرة عن السلطات الإسرائيلية استهدفت آخر معاقل الاستجابة الإنسانية الدولية في غزة، إلى جانب الهجمات المباشرة مثل الغارة الجوية القاتلة الأخيرة على جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني»، معتبرين أن إسرائيل استخدمت التجويع سلاحاً وحشياً في الحرب، وهو ما يعد جريمة بموجب القانون الدولي.
وأضافوا أن أكثر من 500 ألف شخص، أي ربع سكان غزة، يواجهون المجاعة، وأن باقي السكان يعانون مستويات طوارئ من الجوع، لافتين إلى أن كل الأطفال، البالغ عددهم 320 ألفاً، ممن دون سن الخامسة، يواجهون خطر الإصابة بسوء تغذية حاد.
وشدد الخبراء على أن القيود غير القانونية التي تفرضها إسرائيل على المساعدات الإنسانية قد أوجدت «ظروف حياة تفضي فعلياً إلى التدمير الجسدي للشعب الفلسطيني في غزة»، وأشاروا إلى أن هذا الأمر يشكّل «فعلاً يُعاقب عليه بموجب القانون الدولي بوصفه إبادة جماعية، كما هو الحال مع القتل والتجويع الجماعي للفلسطينيين في القطاع». كما سجل الخبراء أن إسرائيل تعمل على “إبادة سكان غزة بكل الوسائل الممكنة”، مبرزين قتل أكثر من ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية أثناء اصطفافهم للحصول على المساعدات الإنسانية.
وأشار الخبراء إلى أن 70 بالمئة من هذه الوفيات وقعت في مواقع أنشأتها ما يسمى بـ«مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكدين أن هذه الوفيات تضاف إلى نحو 60 ألف شهيد و140 ألف جريح منذ بدء العدوان قبل 22 شهراً.
وحذر الخبراء من أن أوامر التهجير أجبرت كامل السكان الناجين في غزة على التكدس في ما لا يتجاوز 12 بالمئة من أراضي القطاع.
نزع سلاح «حزب الله»
في مؤشر واضح على مدى إمساك الوصاية الأميركية–السعودية بقرار السلطة الحاكمة في لبنان، نفّذ الرئيسان جوزيف عون ونواف سلام، انقلاباً صريحاً على سلاح المقاومة عبر موافقة الحكومة على أهداف ورقة المبعوث الأميركي توماس برّاك لنزع السلاح، تحت عنوان «استعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها»، متجاهلين مخاطر الصدام الداخلي نتيجة توريط الجيش بهذه المهمة، فضلاً عن المخاطر الخارجية في تعرية لبنان بالكامل أمام الاحتلال الإسرائيلي والفصائل التكفيرية المتمددة في سوريا غير المستقرة.
ورغم انسحاب وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» من جلسة مجلس الوزراء، قررت حكومة سلام تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة تطبيقية لنزع السلاح قبل بداية العام 2026، مؤجلة البحث في المتممات والجزئيات المتعلقة بالورقة الأميركية، إلى ما بعد ورود الخطة التي سيقدمها الجيش إلى الحكومة في مهلة أقصاها 31 آب (أغسطس) الجاري.
وغداة القرار، الذي أكّد «حزب الله» أنه «خطيئة كبرى تجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي وأنه سيتعامل معه وكأنه غير موجود»، وطالبت «حركة أمل» بالتراجع عنه «وتصحيح مسار الأمور»، ارتفعَ منسوب التشنّج في البلد، خصوصاً بعد انسحاب الوزراء الشيعة الأربعة (الوزير الخامس، ياسين جابر في سفر مجهول الأسباب) من الجلسة الثانية التي عقدتها الحكومة لاستكمال مناقشة «الورقة الأميركية» الخميس الماضي، وسط اتهامات لسلام بالتصرف كما لو كانَ مفوّض الإدارة الأميركية من خلال تعنته في مناقشة الورقة والإصرار على التصويت عليها داخل جلسة مجلس الوزراء.
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «المرحلة حساسة جداً ولا بدّ من التعامل بإيجابية وإعطاء الوقت الكامل للنقاش والتفاوض». مع ذلك، لم يجِد الوزراء الشيعة الذين حضروا الجلسة أي تجاوب مع مطالبهم، لا بل العكس، تعامل سلام وأعداء المقاومة بمنطق المنتصر وحاولوا تمرير ورقة برّاك بأسرع وقت.
وقال وزير العمل محمد حيدر: «انسحبنا بعد رفض طلبنا بتأجيل مناقشة ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك إلى ما بعد تقديم الجيش اللبناني خطته المرتقبة في 31 آب»، مشيراً إلى أنّ «القرار في الجلسة كان الذهاب نحو دراسة أهداف الورقة والبتّ فيها، ما أدى إلى تباين واضح دفعنا إلى الانسحاب».
وبعد إقرار الحكومة لأهداف الورقة الأميركية رغمَ فقدان الجلسة للميثاقية بسبب غياب المكون الشيعي، كتب المبعوث الأميركي عبر حسابه على «أكس»: «مبروك لرئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ومجلس الوزراء على اتخاذ القرار التاريخي والجريء والصحيح هذا الأسبوع، ببدء التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية الصادر في تشرين الثاني 2024، والقرار 1701، واتفاق الطائف».
بدوره، أوضح سلام، في منشورٍ له على «أكس»، أنّ الورقة تتضمن «الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، في كافة الأراضي اللبنانية، جنوب الليطاني وشماله، مع تقديم الدعم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي».
ومن دون أية ضمانات أميركية، أشار سلام إلى أنّ الورقة تهدف إلى «ديمومة وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك جميع الانتهاكات البرية والجوية والبحرية، من خلال خطوات منهجية تؤدي إلى حل دائم وشامل ومضمون»، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وتسوية قضايا الحدود والأسرى بالوسائل الدبلوماسية، من خلال مفاوضات غير مباشرة. ولدعم إعادة الإعمار، اقترح الجانب الأميركي، وفق رئيس الحكومة، «عقد مؤتمر اقتصادي تشارك فيه الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر، وغيرها من أصدقاء لبنان لدعم الاقتصاد اللبناني وإعادة الإعمار ليعود لبنان بلداً مزدهراً وقابلاً للحياة، وفق ما دعا اليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب».
ووسط استنكار شعبي للاستسلام الحكومي للاملاءات الأميركية–السعودية، عمّت المسيرات شوراع الضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت، ومناطق متفرقة منها النبطية وصور في الجنوب، والهرمل في البقاع، رفضاً لقرار مجلس الوزراء نزع سلاح المقاومة. وجابت السيارات والدراجات النارية الشوراع، رافعةً أعلام حزب الله وحركة أمل، وصور السيد الشهيد حسن نصر الله والإمام موسى الصدر. وردد المشاركون هتافات ضدّ الحكومة والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.
يأتي هذا السجال الداخلي في وقت يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على لبنان، وقد استهدف خلال الأسبوع الماضي مناطق متفرقة من البلاد بغارات شبه يومية.
ولم تنحصر تردّدات قرار حكومة سلام حول سلاح «حزب الله»، في لبنان وحده فحسب، لتبلغ تردّداته الإقليم، ولاسيما إيران، حيث كان الموقف الأبرز لوزير الخارجية عباس عراقجي الذي قال إنها «ليست المرة الأولى التي يتم فيها السعي لنزع سلاح حزب الله وتعطيل سلاح المقاومة»، معتبراً أن السبب «واضح وهو أن الطرف الآخر شاهد على أرض الواقع قوة سلاح المقاومة والأثر الذي يمكن أن يتركه في معادلات الميدان». وقال عراقجي إن «أي قرار في هذا الشأن سيعود في نهاية المطاف إلى حزب الله. ونحن ندعمه عن بعد، لكننا لا نتدخّل في قراراته».
واستبق الأمين العامّ لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، القرار الحكومي بخطاب أكد فيه عدم موافقة المقاومة على أي اتفاق جديد، ملوحاً بأن أمن الاحتلال سينهار بساعة إذا شن عدواناً واسعاً على لبنان
وأوضح قاسم أنّ الحزب التزم التزاماً تامّاً باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي، ولم يُسجّل أيّ خرق من جانبه تجاه دولة الاحتلال أو بالتعاون مع الدولة اللبنانية، مشدّداً على أنّ «إسرائيل هي من انقلبت على الاتفاق وخرقته آلاف المرات»، علماً بأن التفاهم على وقف إطلاق النار كان قد تم بواسطة إدارة الرئيس جوزيف بايدن قبل أسابيع قليلة من رحيلها، بينما لا تبدي إدارة ترامب الحالية أية مسؤولية تجاه تطبيقه.
Leave a Reply