تل أبيب – يبقى التحايل سمة السياسة الإسرائيلية؛ فبعد تسريب الأنباء عن الاتفاق الأميركي-الإسرائيلي على تأجيل الاستيطان، قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسريع الاستيطان في الضفة الغربية قبل إبرام الاتفاق مع واشنطن. وقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الأسبوع الماضي أن نتنياهو يعتزم بعد ثلاثة أسابيع إعلان تجميد مؤقت للبناء في المستوطنات مقابل “مبادرات حسن نية” من جانب دول عربية، ضمن إطار اتفاق جرى التوصل إليه مع الإدارة الأميركية. وفي محاولة لإرضاء اليمين ينوي نتنياهو أيضاً، كما قال مسؤول رفيع المستوى في مكتبه، “قبل دخول الاتفاق حيّز التنفيذ التصديق على بناء مئات الوحدات السكنية” في الضفة الغربية، مضيفاً إن هذه المئات من الوحدات السكنية ستُضاف إلى الـ2500 وحدة سكنية الجديدة التي بوشر ببنائها، والتي سيجري استثنائها من التجميد.
وأكد المسؤول أن نتنياهو مستعد للنظر في تأجيل مؤقت للبناء لبضعة أشهر، إذا ما توافرت سلسلة من الشروط التي تتضمّن تطبيعاً بين إسرائيل والدول العربية. كما شدد على أن نتنياهو يوافق على إرجاء البناء كي يدفع إلى الإمام مبادرة السلام التي يقودها الرئيس الأميركي باراك أوباما، ويعيد فيها تحريك المسيرة السياسية. وفيما تتوقع الإدارة الأميركية أن يطبّق التجميد المؤقت على البناء في شرقي القدس، عاد نتنياهو وأوضح في الأسابيع الأخيرة أن “القدس ليست مستوطنة، وعليه فسيستمر البناء هناك”. ولفتت الصحيفة إلى أنهم في واشنطن غير مفاجَئين بقرار نتنياهو بناء مئات الوحدات السكنية في الضفة الغربية، معظمها إن لم تكن كلها، في الكتل الاستيطانية. وهذه إحدى نقاط الخلاف بين إسرائيل والأميركيين، التي جرى الاتفاق على ألّا يتقرر شيء بخصوصها.
وكانت “يديعوت” قد نشرت خلاصة التفاهمات التي تبلورت بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تلتزم الحكومة بموجبها، تجميد البناء في المناطق مقابل “مبادرات حسن نية” عربية تجاه إسرائيل. ونقلت عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن هذه المبادرات تتضمن استئناف نشاط مكاتب المصالح الإسرائيلية في إمارات النفط، ودول شمال أفريقيا، ومنح الطائرات الإسرائيلية الحق بالعبور في أجواء الدول العربية، وإقامة علاقات سياحية وتجارية، على أن تجمّد إسرائيل البناء في المستوطنات لبضعة أشهر، على أن تكون إسرائيل مخوّلة مواصلة البناء في الكتل الاستيطانية، إذا لم تفِ الدول العربية، في غضون بضعة أشهر بنصيبها. وفي موازاة هذا الحراك السياسي، ذكرت “يديعوت” أن معسكر أقصى اليمين في الليكود “أمناء أرض إسرائيل في الليكود”، سوف يعقدون اجتماعاً الأسبوع المقبل، يشارك فيه ما لا يقل عن ثلث كتلة “الليكود”، للتعبير عن موقفهم ضد تجميد البناء في المستوطنات. ومن بين المعارضين لعملية التجميد أعضاء
وتعليقاً على قرار إسرائيل بناء المزيد من المستوطنات قبل الالتزام بالمتّفق عليه مع الإدارة الأميركية، عبّر البيت الأبيض عن أسفه، معتبراً أن القرار يتعارض مع التزامات إسرائيل التي تتضمّنها خطة خريطة الطريق.
وجدّد المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، في بيان له رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما اعتبار توسيع النشاط الاستيطاني أمراً شرعياً، مؤكداً أن ذلك يجعل من الصعب توفير مناخ ملائم للمفاوضات. وقال “إننا نعمل على توفير مناخ يمكن إجراء مفاوضات فيه، وإن مثل هذه الأعمال تزيد من صعوبة توفير مثل هذا المناخ”، غير أن البيان أضاف “إننا نقدّر إعلان إسرائيل نيتها وضع حدود على النشاط الاستيطاني، وسوف نواصل مناقشة ذلك مع الإسرائيليين ما دام قد جرى تعريف هذه الحدود”. وجدّد البيان “التزام الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل”، مشيراً إلى أن أفضل وسيلة لتحقيق أمن إسرائيل هي “من خلال سلام شامل في المنطقة، بما فيه حل الدولتين بقيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل”.
بدوره، أعلن الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، أن المقترحات التي قدمتها إسرائيل بشأن الاستيطان “غير جادة وغير كافية” لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين.
وقد بدأت في القاهرة أعمال الدورة الثانية والثلاثين بعد المائة لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وذلك وسط تركيز على قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة موضوع الاستيطان، إضافة لسبل حل الأزمة القائمة بين العراق وسوريا. واتفق المتحدثون في الجلسة الافتتاحية على أن أي تطبيع مع إسرائيل لن يكون في مقابل وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. وتطالب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة لتسهيل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وترى أن “خطوات” من جانب الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ستسهم في تعزيز العملية السلمية.
ومن جهته كرّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مؤتمر صحافي مشترك في باريس مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أن مفاوضات السلام مع إسرائيل لن تستأنف “إلا بعد تجميد الاستيطان”. ورداً على سؤال عن احتمال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال عباس إن “هذا رهن بالخطوات، بالتدابير التي ستسبق اللقاء في ما يتعلق بتجميد الاستيطان”. وأضاف “هل نتنياهو شريك أم لا؟ نعمل معه بصفته رئيساً لوزراء إسرائيل، ونعمل مع إسرائيل بصفتها بلداً يريد السلام”.
من جهته، رأى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أن قرار نتنياهو تسريع الاستيطان “غير مقبول على الإطلاق”. وأضاف “إن الأمر الوحيد الذي سيجري تعليقه بعد هذه الإعلانات هو عملية السلام”.
Leave a Reply