اغتيال قادة عسكريين وعلماء ذرّة .. وقصف منشآت نووية في ضربة إسرائيلية «افتتاحية»
التقرير الأسبوعي
لم تنجح دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة، لإسرائيل بعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران، في ثني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تفجير الشرق الأوسط، في محاولة مستميتة لإنقاذ حكومته المترنّحة، وربما استدراج الولايات المتحدة إلى وحول المنطقة، رغم حرص واشنطن على التنصّل من أي دور أميركي في الهجوم الإسرائيلي، وذلك قبل أيام قليلة من جولة المفاوضات السادسة المقررة بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان، يوم الأحد المقبل، والتي أعلنت طهران انسحابها منها عقب الهجوم الإسرائيلي.
وبعد عمليات تضليل إعلامية وسياسية، أعلن الجيش الاسرائيلي صباح الجمعة 13 حزيران (يونيو) الجاري، أنه استكمل «الضربة الافتتاحية» التي طالت عشرات الأهداف العسكرية التابعة للنظام الإيراني ومن بينها أهداف نووية»، ونقلت «سي أن أن» عن مصدر إسرائيلي «هذا ليس هجوماً يدوم يوماً واحداً فقط ونخطط لشن جولات متعدّدة من الهجمات على إيران»، تحت مسمى عملية «الأسد الصاعد».
وبحسب الإعلام الإسرائيلي، استهدفت الضربة الأولى كبار القادة العسكريين وعلماء ذرة، قبل أن تشن طائرات جيش الاحتلال، موجة جديدة من الهجمات استهدفت مواقع أخرى من بينها مفاعل نطنز.
وفي حين أكدت وكالة «تسنيم» الإيرانية مقتل قائد الحرس الثوري حسين سلامي رئيس الأركان محمد باقري وأربع شخصيات عسكرية رفيعة، أعلنت طهران عن إصابة المستشار السياسي للمرشد، علي شمخاني، أعلنت عن استهداف محطة نطنز النووية دون رصد أي تلوث إشعاعي «حتى الآن».
ونقل موقع «واللا» عن مصادر أمنية إسرائيلية احتمال كبير بتصفية هيئة الأركان الإيرانية بما فيها رئيس الأركان وستة علماء ذرّة. وفي حين قال مصدر عسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن «إسرائيل نفذت عمليتها في حي يقيم فيه كبار قادة الحرس الثوري الإيراني». ونقلت «القناة 13» العبرية عن ضباط في الجيش الإسرائيلي أن «الضربة قد تكون حققت نتائج أفضل من المتوقع».
بالتزامن، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن «إسرائيل اتخذت إجراء أحادياً ضد إيران ولم نشارك في الضربات»، مضيفاً: «إسرائيل أبلغتنا أنها تعتقد أن هذا الإجراء كان ضرورياً للدفاع عن نفسها». وتابع: «ترامب والإدارة الأميركية اتخذا جميع الخطوات لحماية قواتنا والبقاء على اتصال وثيق مع شركائنا الإقليميين». وتابع: «يجب على إيران ألا تستهدف المصالح الأميركية أو القوات الأميركية»، دون تكرار «اللازمة» الأميركية المعهودة بالتأكيد على التزام واشنطن بحماية أمن إسرائيل.
وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأولي الذي استهدف قادة عسكريين ومقر الحرس الثوري ومنشآت نووية في العاصمة طهران ومناطق أخرى، علّق نتنياهو قائلاً: «نحن موجودون في لحظة حاسمة والهجوم يأتي لضرب البنية التحتية النووية لإيران»، مضيفاً أن «إيران لا زالت تمتلك قدرات كبيرة للمسّ بنا والحملة العسكرية ستستمر طالما استدعى الأمر ذلك»، زاعماً أن طهران «خصّبت يورانيوم على درجة عالية تكفي تسع قنابل نووية».
وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن توجيه ضربة استباقية لإيران، وفرض حالة طوارئ خاصة في الجبهة الداخلية في جميع أنحاء إسرائيل. كما أعلن جيش الاحتلال عن «إجراء تغيير فوري في سياسة الدفاع لقيادة الجبهة الداخلية» وتم نقل جميع المسؤولين الإسرائيليين إلى مواقع آمنة وطلب من الجمهور التزود بالطعام والبقاء بقرب الملاجئ، في المقابل أغلقت المجالات الجوية لبلدان المنطقة، وسط حالة ترقب للردّ الإيراني المرتقب.
ومن غير المرجح أن يتمكن العمل العسكري الإسرائيلي من تدمير الأجزاء تحت الأرض من برنامج إيران النووي، من دون هذا النوع من الضربات التي تنفذها قاذفات بي–2 الأميركية، وبالتالي فإن العمل العسكري الإسرائيلي المنفرد، بحسب «سي أن أن»، من المفترض أن يكون محدود القدرة في القضاء على البرنامج النووي الإيراني بالكامل.
ورغم تأكيد واشنطن على عدم مشاركتها في العمليات الإسرائيلية، يشكك مراقبون بحقيقة الموقف الأميركي، ويتهمون ترامب بممارسة ألاعيب سياسية من خلال ادعاءاته بمعارضة ضرب إيران.
الرد الحتمي
أكد قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي في رسالة إلى الشعب الإيراني أنّ «العدو الإسرائيلي وبعد عدوانه على إيران أعدّ لنفسه مصيراً مريراً ومؤلماً وسوف يناله حتماً».
وقال خامنئي إنّ «الكيان الصهيوني ارتكب فجر اليوم جريمةً قذرةً وداميةً في الأراضي الإيرانية، عبر استهدافه مناطق سكنية»، مشيراً إلى أنّ «هذا العدوان يكشف طبيعة هذا الكيان الإجرامية أكثر من أي وقت مضى».
وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى استشهاد عدد من القادة والعلماء الإيرانيين في هذا العدوان، معقباً أنّ «خلفاءهم وزملاءهم سيباشرون مهامهم فوراً»، مؤكداً أن مسيرة العمل والجهاد ستستمر من دون توقف.
وأكد المتحدث باسم هيئة الأركان الإيرانية أنّ العدوان الإسرائيلي على إيران، «حصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة»، متوعداً بأنّ الاحتلال وواشنطن «سيدفعان ثمناً باهظاً».
وأعلن ناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن انطلاق نحو مئة طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، لافتاً إلى أن المنظومات الدفاعية في دول المنطقة ستشارك في التصدي لها.
تنصّل ترامب
انطلقت الحملة الجوية الإسرائيلية، رغم إبداء ترامب خلال الأيام السابقة، رغبة واضحة بسلوك «المسار الودّي» واستبعاد الخيار العسكري. وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض في اليوم السابق للهجوم: «نحن قريبون إلى حد ما من التوصل إلى اتفاق جيد للغاية»، مضيفاً بشأن إسرائيل «لا أريدهم أن يتدخلوا، لأنني أعتقد أن ذلك سينسف الأمر برمته». وتابع: «أودّ تجنّب الصراع. سيتعين على إيران التفاوض بجدية أكثر، ما يعني أنها ستضطر إلى تقديم شيء لا ترغب في تقديمه لنا حالياً».
وعقب الضربة الإسرائيلية، امتنع ترامب عن الظهور أمام الإعلام في نهاية يوم عمله في البيت الأبيض، كما جرت العادة. ولكنه قال لـ«فوكس نيوز»، ليلاً، إن بلاده لم تشارك في الهجوم و«لكنها لم تتفاجأ به»، مكرراً بأنه لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية وبأنه، يأمل بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأفاد موقع «أكسيوس»، بأن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بأنها «لن تشارك بشكل مباشر» في أي ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن ذلك لم يمنع انتشار التقارير الإخبارية التي تؤكد عزم إسرائيل على ضرب إيران، في مقابل تأكيد طهران استعدادها للرد على أي هجوم، خاصة بعد استيلائها على معلومات أمنية حساسة من داخل الكيان، عبر عملية استخباراتية معقّدة.
ورغم لغة الحرب والتهديدات المتبادلة، سعى ترامب مسبقاً –الأسبوع الماضي– للتنصّل من أي ضربة إسرائيلية محتملة، تفادياً للاشتباك مع إيران، مما يهدد بجرّ البلدين إلى مواجهة عسكرية مفتوحة لا يريدها الرئيس الأميركي.
وقبل فترة وجيزة من دوي الانفجارات في طهران، قال ترامب في تدوينة عبر منصته «تروث سوشيال»: «نحن لا نزال ملتزمين بالتوصل إلى حل دبلوماسي لقضية البرنامج النووي الإيراني. لقد وجّهتُ إدارتي للتفاوض مع إيران»، مضيفاً: «بإمكان إيران أن تكون دولة عظيمة، ولكن عليها أولاً أن تتخلى تماماً عن آمالها في الحصول على سلاح نووي».
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت، في الأيام الأخيرة، سلسلة إجراءات وصفتها بأنها «وقائية»، من مثل إجلاء موظفي السفارة الأميركية في بغداد بشكل جزئي، واستنفار قواتها في المنطقة، وتحذير المواطنين الأميركيين من السفر إلى بعض الدول المجاورة؛ وهو ما أوحى بأنها تتعامل مع سيناريو وقوع رد فعل إيراني على ضربة إسرائيلية محتملة. في المقابل، كانت إيران قد رفعت من نبرة خطابها، معتبرة أن خصومها «يريدون أن نتخلى عن قدراتنا حتى تتمكن إسرائيل من قصف رؤوسنا»، وفقاً لما جاء على لسان رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، ومؤكدة أن أي تصعيد سيواجه بردود فعل مباشرة، بما في ذلك استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، الأمرالذي قد يستدرج ترامب إلى حرب كبرى لا يريدها.
وكشف «موقع أكسيوس» أيضاً أنّ المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، حذر كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من أنّ إيران قد تنفذ «رداً واسعاً يسبب خسائر بشرية كبيرة» إذا أقدمت إسرائيل على قصف منشآتها النووية.
وقال ويتكوف إنّ الضربات العسكرية الإسرائيلية مطروحة إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق يلبي الشرط الإسرائيلي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني.
وكانت وزارة واشنطن ألغت، الخميس الماضي، زيارة كانت مقررة لقائد القيادة المركزية الأميركية إريك كوريلا إلى إسرائيل، حسبما ذكر مسؤول أميركي لـ«أكسيوس».
وكان إلغاء الزيارة إشارة أخرى إلى أن الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر كأنها تتعاون مع إسرائيل لضرب إيران.
سلطة نتنياهو .. وحرب غزة
تهور نتنياهو في إعلان الحرب على إيران لم يأت من فراغ، حيث كانت حكومته اليمينية على وشك السقوط قبل أيام قليلة في الكنيست. ففي خطوة غير مسبوقة، أعلن حزب شاس الحريدي في إسرائيل، عن اعتزامه التصويت لصالح حل الكنيست، بسبب ما وصفه بالخيبة من نتنياهو.
ولكن التصويت المزمع، سرعان ما تم تأجيله، بعد وعود قدمها نتنياهو لليمين المتطرف دون الكشف عنها.
وجاء هذا التحول في موقف «شاس» في وقت حساس، حيث يواجه نتنياهو ضغوطاً متزايدة من المعارضة ومن داخل ائتلافه بسبب قضايا داخلية وخارجية، بما في ذلك الحرب المستمرة في غزة واستمرار الضغوط لتجنيد الحريديم في الجيش. ويواصل نتنياهو وائتلافه اليميني المتشدد حرب الإبادة في غزة، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن «الأغلبية الساحقة تؤيد الإطاحة الكاملة بنظام حماس»، مشدداً على أنه «لن تكون هناك حرب أهلية» في البلاد.
وإمعاناً في حصار القطاع، قامت إسرائيل باحتجاز ناشطين من على متن سفينة «مادلين»، بعد اعتراضهم أثناء محاولتهم الوصول إلى غزة لكسر الحصار المفروض عليها.
وأعلنت منظمة «عدالة» الإسرائيلية غير الحكومية، في بيان، أن المحكمة الإسرائيلية أيّدت «أوامر الاحتجاز» الصادرة بحق الناشطين الثمانية، حتى موعد الجلسة التالية في 8 تموز، وهم محتجزون حالياً في مركز بالقرب من مطار «بن غوريون»، بعد رفض طلب تقدموا به للإفراج عنهم.
وفي تعبير واضح على الرغبة الشعبية في كسر الحصار والتجويع الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، عبرت «قافلة الصمود» المتضامنة مع غزة الحدود التونسية الليبية، قبل أن تدخل الأراضي المصرية في طريقها لبلوغ حدود غزة –إن سمحت سلطات القاهرة– بحلول الإثنين المقبل.
وترتكب إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت أكثر من 181 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.
وتسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع في حدوث أزمة مجاعة خانقة أودت بحياة العديد من الأطفال ودفعت الأمم المتحدة لوصف غزة بأنها أكثر الأماكن جوعاً على الأرض.
وفي السياق، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن مؤسسة غزة الإنسانية «تسببت خلال أسبوعين فقط من عملها، في استشهاد أكثر من 130 مدنياً برصاص مباشر أثناء محاولتهم الوصول إلى طرود غذائية على حواجز الإذلال والقهر، وإصابة قرابة ألف مدني آخر».
وقال المكتب الإعلامي إن تسعة فلسطينيين «ما زالوا في عداد المفقودين بعد أن استدرجتهم هذه المؤسسة إلى مناطق تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية».
وقال المكتب الإعلامي الحكومي إن المؤسسة تروج الأكاذيب، وتدعي زوراً أن المقاومة تهددها وتمنعها من توزيع المساعدات، مؤكدا أن أي مؤسسة تزعم أنها إنسانية بينما تنفذ مخططات عسكرية لا يمكن اعتبارها جهة إغاثية.
وأثارت مليشيا المدعو ياسر أبو شباب جدلاً كبيراً بعد إعلانها عن فتح باب التطوع للانضمام إلى لجان إدارية ومجتمعية ولجان شعبية مدنية يتم تشكيلها ضمن جهاز مدني تعتزم تأسيسه لإدارة الأوضاع في قطاع غزة.
ويقود المدعو ياسر أبو شباب ما يطلق عليه «القوات الشعبية» في غزة، والتي تدعمها إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو لمواجهة حماس وخلق بديل لها في القطاع.
وأعلن بيان نشرته مليشيا أبو شباب عبر منصة «فيسبوك»، عن بدء تشكيل «لجان إدارية ومجتمعية» في المنطقة التي تقع تحت سيطرتها شرق رفح، داعياً إلى تطوّع متخصصين من أصحاب المهارات في مختلف المجالات، ومن جميع التخصصات الجامعية والمهنية.
وكان نتنياهو قد اعترف بأنه دعم مليشيات في غزة ضد «حماس» بناء على توصية من الأجهزة الأمنية. واعتبر نتنياهو هذا الدعم «أمراً جيداً» لأنه يسهم في «إنقاذ حياة جنود الجيش الإسرائيلي».
Leave a Reply