آخر مرة أعلن فـيها الكونغرس الأميركي الحرب على بلد آخر كانت خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، شاركت حكومتنا عسكرياً فـي أزمات كوريا وفـيتنام والعديد من النزاعات المسلَّحة فـي أميركا الوسطى والبوسنة وليبيا ومرتين فـي الخليج، ومعظمها بقرار رئاسي.
ولكن محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الخامسة اعلنت النفـير على الرئيس أوباما ومكتبه البيضاوي فحكمت بالتمسك بتجميد قرار الرئيس التنفـيذي الذي كان من شأنه أن يمنح إعفاءات ترحيل لـ٤،٥ مليون مهاجر لا يحملون وثائق ثبوتية رسمية. وحكمت المحكمة لصالح ٢٦ ولاية مشتكية، بما فـيها ميشيغن، حيث قامت بإجراء تحدٍ قضائي لقرار أوباما التنفـيذي على أساس أنه غير دستوري.
وكان أحد القضاة الفـدراليين من تكساس قد اصدر حكم وقف العمل فـي البداية بقرار أوباما، الذي من شأنه أن يسمح للمهاجرين غير الشرعيين الذين لديهم أطفال أميركيون، للعيش والعمل من دون خوف من الترحيل. وقد قامت محكمة الاستئناف اليوم بتثبيت هذا التجميد.
ولا شك ان مشاعر الكراهية ضد الأجانب ومعاداة الهجرة كانت القوة الدافعة وراء رفض مشاعر الأمان لدى أهالي الأطفال الأميركيين. وليس من العدل بشيء ومن الصعب جداً على هذه العائلات الأميركية المرعوبة ان تبقى تعيش فـي خوف وتأرجح وقلق من حكومتها، الأمر الذي يسفر عن تدمير وتشتيت أسرها فـي بلد يتغنى بالحرية وإيواء المظلومين.
وفـي الوقت الذي تعيش فـيه ولاية ميشيغن وديترويت، أكبر مدنها، وسط أزمة اقتصادية وأمنية خانقة تنوء بحملها الميزانيات العامة العاجزة حتى عن إصلاح الطرق والجسور المهدمة وفـي الوقت الذي تكون فـي حاجة ماسة لجذب السكان اليها من دافعي الضرائب، انضم المدَّعي العام للولاية بيل شوتي إلى باقي المدعين العامين الجمهوريين الذين وقفوا ضد الهجرة وألحقوا الألم بالأسر الأميركية تحت مسمى الدستور، غير مبالين بالضرر الذي سيلحق بالولايات المتحدة من استمرار هذا النزيف البشري غير القانوني، لأن جل همهم هي المصالح الحزبية الضيقة.
«أميركا تستحق سياسة هجرة تبعث على الأمل»، تباهى شوتي فـي بيان له بعد انضمامه إلى الدعوى السيئة الذكر فـي شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام ٢٠١٤، وانبرى بالقول «وطوال تاريخنا، نذرت أميركا نفسها كمنارة للأمل فـي جميع أنحاء العالم، ولكن القرار التنفـيذي الرئاسي الأحادي الجانب حول الهجرة والمتجاوز للكونغرس، كان معطوباً دستورياً».
ان هذا البيان من المدَّعي العام هو حيلة سياسية غير صادقة وهي من الألاعيب الحزبية لأن ميشيغن تفتقر الى السكان فـي مدنها الكبرى بدليل نشاط الحاكم الجمهوري لاستقطاب مهاجرين جدد للولاية، ولأنه لا يمكن للمرء أن يثني على الهجرة فـي العلن وبنفس الوقت يعمل على تفكيك الأسر المهاجرة.
وكان حاكم الولاية ريك سنايدر قد تعهد بجعل ميشيغن مكاناً مرحِّباً للمهاجرين وبالعمل على جلب الآلاف منهم من ذوي المهارات والاختصاصات للعيش والعمل فـي ديترويت. ولعل جولة سريعة على بعض اجزاء ديترويت التي كانت منكوبة اقتصادياً ومهجورة تماماً مثل شارع ميشيغن أفنيو وشارع وورن المحاذي لشارع ليفرنوي، تبيَّن انها تشهد اليوم اعماراً كبيراً وانتشاراً لمحلات تجارية عديدة بسبب قيام المهاجرين من عراقيين ويمنيين ولبنانيين وأميركيين جنوبيين بشراء المباني فـيها وتحويلها الى أماكن مهنية وتجارية. لذا فشوتي يعمل فعلياً ضد مصالح الولاية.
صحيح أن الرئيس بقراره الرئاسي هذا قد تجاوز الكونغرس ولكن بعد محاولات عديدة وحثيثة للتعاون مع المشرعين بالكونغرس لايجاد مخرج لهذه الازمة التي يجمع الحزبان على أنها اصبحت متفاقمة وان نظام الهجرة بحاجة الى اصلاح جذري، فشلوا فـي تناول هذه المعضلة وذلك لأسباب حزبية وانتخابية ضيقة. فقد تمت الموافقة على مشروع قانون معقول كان سيضع المهاجرين غير الشرعيين على سكة الحصول على الجنسية بعد دفع غرامة مالية وبالتوازي يتم تعزيز أمن حدودنا. ومر هذا المشروع فـي مجلس الشيوخ وبدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي فـي عام ٢٠١٣. ولكن مشروع القانون الذي عُرف بمشروع مجلس الشيوخ رقم ٧٤٤، ما زال يقبع فـي درج رئيس مجلس النوَّاب الجمهوري منذ سنتين تقريباً. وقد رفض رئيس المجلس جون باينر (جمهوري من أوهايو) حتى مجرد عرض مشروع القانون على التصويت فـي مجلس النواب.
ووفقاً لـ«مركز التقدم الأميركي»، فإنَّ من شأن منح العمال غير الشرعيين وضعاً قانونياً أنْ يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الى ٨٣٢ مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، ويجني عائدات من الضرائب بقيمة ٦٩ مليار دولار.
ان إصلاح نظام الهجرة، سواء تم تحقيقه عن طريق القرار الرئاسي أو تشريع الكونغرس، هو خيار سليم أخلاقياً واقتصادياً وسياسياً. أما أولئك الذين يعارضونه من ضيقي الأفق، بما فـي ذلك شوتي وغيره فمعارضتهم لا جدوى منها سواء اقتصادياً أو مالياً أو اجتماعياً بل هي ناجمة عن عملية تسجيل نقاط سياسية فقط والأخطر من ذلك انها نتيجة للتعصب المناهض للهجرة والمهاجرين.
Leave a Reply