بيروت – أنهى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد زيارة استثنائية الى لبنان، بعد يومين حافلين التقى خلالهما الرؤساء الثلاثة، ليغادر ليل الخميس الماضي الى طهران بعد وداع الرئيس ميشال سليمان. وقد ختم نجاد زيارته بلقاء الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، في مقر السفارة الايرانية في بئر حسن قبيل توجهه الى المطار، حيث جرى البحث في التحديات التي تواجه لبنان والمنطقة، في ظل الاستهداف الاسرائيلي-الاميركي لقوى المقاومة والممانعة، وما يواكبه من محاولات لإثارة الفتنة.
وأفادت “العلاقات الاعلامية” في الحزب انه تم خلال اللقاء استعراض الاوضاع العامة ونتائج الزيارة التاريخية للرئيس نجاد على مختلف الصعد. وقدم السيد نصر الله بندقية احد الجنود الصهاينة كانت المقاومة قد غنمتها في حرب تموز هدية للرئيس نجاد عربون وفاء وشكر.
ومع اختتام نجاد لزيارته، يمكن القول إنها كانت ناجحة بكل المعايير وغنيّة برموزها، على الرغم مما سبقها من تشويش وتهويل، وبدا واضحا ان الضيف الكبير كان مطمئنا الى أنه موجود في بيئة آمنة ودافئة، فتمرد في كثير من الأحيان على الاجراءات الامنية ورفض إلقاء خطبه وملاقاة محبيه الكثر من خلف ستار مصفّح.
اليوم الأول
وقد أجمع المراقبون على أن زيارة نجاد كانت غنية بالرموز والدلالات من خلال برنامجها الطويل.
وقد بدأت الزيارة مع تجمع مئات ألوف الاشخاص على الطرق المؤدية الى مطار بيروت الدولي الاربعاء الماضي في انتظار الرئيس الايراني الذي استقبلوه بنثر الورد والارز وعلى وقع نشيد يرحب “بنجاد في معقل الامجاد” وعبارات “الله اكبر”، “خوش آمُديد” (اهلاً وسهلاً بالفارسية)… بهذه العبارات هتف المحتشدون من رجال ونساء واطفال لدى خروج موكب الرئيس الايراني من مطار بيروت، وهم يلوحون بالاعلام الايرانية واللبنانية وصور الرئيس الضيف.
وخرج احمدي نجاد من سقف السيارة الرباعية الدفع التي كان يستقلها ليلقي التحية على المحتشدين، بينما كان عناصر الامن المرافقون له والذين رافقوا الموكب سيرا على الاقدام، يحاولون منع الناس من الاقتراب من السيارات في مشهد يذكر بزيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للبنان وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني.
بعد الوصول توزع برنامج اليوم الأول بين محادثات رسمية ولقاءات شعبية استقبل خلالها “استقبال الابطال” في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية حيث ألقى السيد نصرالله خطاباً بث مباشرة من على شاشة عملاقة.
وفي كلمته اكد نصر الله في خطاب ترحيبي بالرئيس الايراني ان المشروع الايراني في المنطقة هو ما يريده الفلسطينيون والعرب. وقال نصر الله “هناك في لبنان وفلسطين ومنطقتنا العربية من يتحدث دائما عن مشروع ايراني يفترضه في وهمه ويفترض مشروعاً عربياً لمواجهة المشروع الايراني يتحدثون عن مشروع ايراني لفلسطين وايراني للبنان ومشروع ايراني للمنطقة العربية”. وأضاف قائلاً “ايها العرب ما تريده ايران في فلسطين هو ما يريده الشعب الفلسطيني في فلسطين هذا هو مشروع ايران. ما يريده العرب وما أرادوه خلال ستين عاماً أن تعود أرض فلسطين لشعب فلسطين”. ومضى يقول “ذنب هذا الرئيس أنه يعبر بشفافية ونقاء وصلابة وشجاعة عن هذا الموقف وعن هذه الرؤية في كل مكان في العالم في الامم المتحدة في نيويورك في جنيف أو حيث ما ذهب تضيق به صدور الغرب أنه ينطق بالحق عندما يقول ان اسرائيل دولة غير شرعية ويجب أن تزول من الوجود”.
كما ألقى نجاد خطابا في الاحتفال الذي شارك فيه الاف الاشخاص بدعوة من “حزب الله” وحركة “امل”، تحدث نجاد عن “تغيير بدأت ملامحه في عالمنا اليوم”، متنبئا بقرب سقوط “نظام الرأسمالية وفكرها” وبنشوء “نظام توحيدي” جديد بين الاديان بعد ظهور الإمام المهدي والمسيح.
وأجرى نجاد جولة محادثات رسمية مع نظيره اللبناني ميشال سليمان تم خلالها التوقيع على اكثر من 15 اتفاق ومذكرة تفاهم في المجالات الاقتصادية والتجارية والتقنية لا سيما في مجالات الزراعة والاتصالات والصحة والبيئة والتعليم والسياحة والرياضة والطاقة والمياه.
وفي اللقاء بينهما توافق سليمان ونجاد، على أهمية تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية القائمة بين لبنان وإيران في مختلف المجالات من دولة الى دولة بما يخدم المصلحة المشتركة للشعبين الصديقين ومقتضيات المرحلة الراهنة. وتمّ التأكيد على أهمية صيانة الوحدة الوطنيّة اللبنانيّة، وميثاق العيش المشترك، ودعم الدولة ومؤسساتها، وتعزيز دعائم الاستقرار والسلم الأهلي.
بعد ذلك، انتقل الرئيسان الى قاعة مجلس الوزراء حيث عقدا لقاء موسعا حضره عن الجانب اللبناني رئيس الحكومة سعد الحريري ومجموعة كبيرة من الوزراء والمسؤولين من الجانبين.
وعقد سليمان ونجاد مؤتمرا صحافياً مشتركاً في صالون “22 تشرين الثاني”. وألقى سليمان في مستهل اللقاء بياناً شكر فيه الرئيس نجاد على “وقوف ايران الدائم إلى جانب لبنان في وجه الاعتداءات والتهديدات الإسرائيليّة المتمادية”، وبخاصة الدعم الذي قدّمته في مجال إعادة الإعمار إثر عدوان تموز العام 2006. وتابع سليمان “أكدت للرئيس نجاد حرص لبنان على استمرار العمل من أجل إرغام إسرائيل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 في جميع مندرجاته، ولا سيما الانسحاب الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي اللبنانيّة التي ما زالت تحت الاحتلال؛ مع احتفاظنا بحقنا في استرجاع أو تحرير هذه الأراضي بجميع الطرق المتاحة والمشروعة، بالتزامن مع سعينا، للتوافق على استراتيجيّة وطنيّة لحماية لبنان والدفاع عن أرضه وثرواته الطبيعيّة”.
أضاف “في الشأن الإقليمي، تمّ التأكيد على أهمية التمسّك بالحقوق العربيّة والفلسطينيّة الثابتة، بما في ذلك حقّ استعادة جميع الأراضي العربيّة المحتلة، وتكريس حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم الأصليّة ورفض توطينهم”. وأكد سليمان باسمه وباسم نجاد “على حقّ الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النوويّة في إطار المعايير والمرجعيات القانونيّة، مع التأكيد على حقّ ايران في هذا المجال وضرورة مقاربة موضوع برنامجها النووي السلمي عن طريق الحوار الهادئ بعيداً عن أيّ عنف أو تهديد”.
بدوره، رد نجاد بكلمة شكر للاستقبالين الرسمي والشعبي مؤكداً “أن لا محدودية أبداً أمام تعاوننا الثنائي”. وقال نجاد: “نحن ندعم الكفاح المرير للشعب اللبناني في مواجهته للاعتداءات الصهيونية وندعم لبنان كاملاً، ونطلب بكل جد وإصرار تحرير الاراضي المحتلة في لبنان وسوريا وفلسطين. ونحن نريد لبنان متحداً واحداً متطوراً وقوياً ذا اقتدار”. ونحن نقف وسنقف بكل صمود الى جانب الحكومة والشعب اللبناني حتى تحقيق كامل أهدافه. ونحن نطالب بمنطقة ملؤها الهدوء والامن والاستقرار والتنمية.
والتقى نجاد بري قبل ان يعقد لقاء آخر مع الحريري في قاعة جانبية في القصر الجمهوري.
كما وضع نجاد في اليوم الأول من زيارته اكليلا من الزهر على نصب الشهداء في وسط بيروت.
اليوم الثاني
وقد اكتملت في اليوم الثاني من الزيارة صورة الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني، بعدما جمعت في يومها الثاني أبعادا مختلفة.
في بنت جبيل، أطل نجاد على فلسطين المحتلة في وقفة قد تكون الأعظم وقعاً خلال وجوده في لبنان، بعدما تجاوزت حدود إلقاء التحية. وأمام عشرات آلاف من الجنوبيين المحتشدين، تحدى الرئيس الايراني التهديدات الاسرائيلية، مؤكدا أن الصهاينة الى زوال وأن المقاومة لن تقهر. قال كلمته بجرأته المعهودة على بُعد مسافة قصيرة من شمالي فلسطين المحتلة وتحت أنظار الطيارين الاسرائيليين الذين حلقوا بمروحياتهم فوق المنطقة الحدودية بالتزامن مع خطابه.
وضمن السياق ذاته، جاء توقفه للصلاة في قانا وقراءته الفاتحة على أرواح شهداء المجزرة الاسرائيلية، الذين وُلد على ضفاف دمهم تفاهم نيسان الشهير.
وفي السرايا الكبيرة، كرّس نجاد مرة أخرى ما كان قد أكده في قصر بعبدا وعين التينة في اليوم الأول من التزام إيران بتعزيز العلاقة من دولة الى دولة. وخلال اجتماعه الثنائي مع الرئيس سعد الحريري، واصل الرئيس الايراني إرسال الاشارات الايجابية والودية تجاه رئيس الحكومة، كما كرر في لقائه مع الرؤساء الثلاثة استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في كل المجالات.
وأقام الحريري مأدبة غداء تكريمية على شرف نجاد والوفد المرافق حضرها الرئيسان ميشال سليمان ونبيه بري، وعدد كبير من الشخصيات.
وكانت لنجاد محطة أكاديمية بارزة في الجامعة اللبنانية في الحدث، حيث منحته الجامعة دكتوراه فخرية في العلوم السياسية، بحضور حشد من عمداء ومديري وأساتذة الكليات وعدد كبير من الطلاب ضاقت بهم مدرجات قاعة الاحتفال.
وأمام هذا الحضور النخبوي، تجلى بُعد آخر في شخصية نجاد الذي أطلق خطابا ثريا جمع فيه بين الاتجاهات الاكاديمية والفلسفية والسياسية والعلمية. فتح الرئيس الإيراني آفاقا واسعة وأعاد صياغة مفاهيم في العلم والسياسة كادت تصبح بديهيات، شارحا مقاربته للاقتصاد، والطاقة الذرية، والرأسمالية، وأسباب الازمة المالية العالمية. حاكم التجربة الاميركية وفنّد إخفاقاتها في ساحات اختبارها ولا سيما في أفغانستان، متمكنا من تشريح مضمون الهيمنة الأميركية واستهدافاتها.
والتقى الرئيس الايراني صباحا في مقر اقامته، عددا من رجال الدين وكذلك حشدا من الشخصيات السياسية، من بينها الرؤساء: حسين الحسيني، سليم الحص، عمر كرامي، وزير الشباب والرياضة علي عبد الله، والنواب: ميشال عون، وليد جنبلاط، علي حسن خليل، محمد رعد، سليمان فرنجية، طلال ارسلان، اسعد حردان.
وشهد اللقاء مداخلات لعدد من الحاضرين، فيما نبّه جنبلاط الى ان النقطة المركزية “التي تهدد وحدة لبنان وتهدد ايضا كل الانجازات التي قدمتها إيران والمقاومة هي مفاعيل القرار الظني للمحكمة الدولية اذا ما صدر”.
واعتبر ان الاتصال الذي تم بين نجاد والملك عبد الله بن عبد العزيز (خلال الزيارة) له اهمية قصوى، متمنيا استمرار التواصل بين إيران والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية لمعالجة الوضع المتأزم في لبنان بين العائلات الاسلامية. وأشار الى ان المحكمة هي في يد اسرائيل واميركا اللتين تريدان تفجير لبنان.
وردّ نجاد بالاشارة الى انه عندما نكون موحدين مع بعضنا سينهزم الاستعمار، والسبيل الوحيد لتحقيق اهدافهم هو الفرقة بين الشيعة والسنة، لافتا الانتباه الى ان مجلس الامن الدولي اعطى للكيان الصهيوني فرصة القرصنة والتدمير والاعتداء على دول المنطقة، وهم لا يفكرون لا في لبنان ولا في فلسطين ولا العراق لذلك عندنا مثل يقول “لا يحك ظهري الا ظفري”.
وترددت أصداء زيارة نجاد الى لبنان بقوة في اسرائيل الذي واكب محطتها الجنوبية باستنفار عسكري على الحدود وبسيل من المواقف المتوترة. واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ان “تأسيس دولة اسرائيل وجميع ما حققناه طوال السنين يشكل أفضل رد على الشتائم التي سمعناها اليوم من جهة الحدود اللبنانية”، مؤكدا ان “دولة اسرائيل تعرف جيدا كيف ستدافع عن نفسها”.
Leave a Reply