مؤتمر ”دوربان-٢”
أميركا غابت.. وأوروبا انسحبت.. والعرب متفرجون
نجاد يتحدى الغرب في جنيف: اسرائيل عنصرية
جنيف – تبنى المشاركون في مؤتمر ”دوربان-٢” لمناهضة العنصرية، ”بالإجماع وبلا أي مناقشة”، إعلانا ”يعيد تأكيد” الوثيقة المثيرة للنزاع لعام ٢٠٠١، التي تشير إلى إسرائيل والشرق الأوسط ست مرات، وتصف ”الاحتلال الأجنبي” بأنه ”شكل من أشكال العنصرية”. وشهد المؤتمر حدثاً بارزاً تمثل بكلمة الرئيس الإيراني الذي هاجم إسرائيل بحدة ما دفع الوفود الأوروبية الى الانسحاب أثناء إلقائه كلمته. كما كان بارزاً الغياب الأميركي.
و”تؤكد” الوثيقة، التي تقع في ١٦ صفحة، على ”إعلان دوربان-١” الذي عقد في ٢٠٠١ في جنوب أفريقيا، والذي ”يشدد على أن الاحتلال الأجنبي مرتبط بشكل وثيق بالعنصرية والتمييز العنصري”، لكنه افاض الحديث عن القضية الفلسطينية، وفي فقرة أخرى عبر عن ”القلق لمصير الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الأجنبي. ونعترف بحقه في تقرير المصير وقيام دولته المستقلة”، داعياً، في فقرة أخرى، ”إلى وضع حد للعنف واستئناف المفاوضات في الشرق الأوسط”.
وشجب البيان ارتفاع عدد حوادث التعصب والعنف العنصري أو الديني في العالم بما في ذلك معاداة الإسلام ومعاداة السامية ومعاداة العرب. كما نص البيان في بند مستقل على وجوب عدم نسيان المحرقة بحق اليهود أبدا. و”تعترف” الوثيقة ”بوجود تصاعد نزعة تنميط الأديان… بما في ذلك الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية ومعاداة العرب”، معلناً ”التزام الدول في محاربة كافة أشكال العنصرية، مشدداً ”على ضرورة عدم نسيان المحرقة”.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الموافقة على نص الإعلان بأنها ”هزيمة لنجاد”. غير ان دبلوماسيا أوروبيا قال ان قرار تبني مشروع البيان منذ اليوم الثاني للمؤتمر ”لا علاقة له بتصريحات الرئيس الإيراني”.
نجاد
لم ينطق بالكلمة المحرمة. لكنهم كانوا في انتظار إشارة لكي ينسحبوا! هكذا بدا السيناريو، في مؤتمر دوربان الثاني ”لمكافحة العنصرية”، الذي افتتح، في جنيف، بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي آثر عدم نطق كلمة ”إسرائيل” عندما تحدّث عن ”كيانها العنصري”، وبين من تبقى من الأوروبيين، الذين فضلوا إرجاء ”إذعانهم” للمشيئة الإسرائيلية إلى ما بعد افتتاح مؤتمرٍ، نجحت واشنطن، ومعها تل أبيب، في جعله مزدوج المعايير، وأشبه بمؤتمر ”للتستر عن العنصرية”.
الولايات المتحدة، التي سعت، على مدى أسابيع خلت، إلى تفريغ البيان الختامي للمؤتمر الذي تنظمه الأمم المتحدة، من أي معنى، بحيث لا يتطرّق إلى ممارسات إسرائيل العنصرية في فلسطين، بحجة أن ذلك ”معاداة للسامية”، وبحيث لا تتم إدانة ”التشهير بالأديان”، بحجة أن ذلك ”أسر لحرية التعبير”، واعدةً بمباركة المؤتمر بحضورها.. لم تأتِ خشية أن ينطوي الاجتماع على ”نفاق ويأتي بأثر عكسي”، قال رئيسها باراك أوباما.
وكذلك فعلت نيوزلندا وألمانيا وكندا وايطاليا وبولندا واستراليا وهولندا. هي مقاطعة تحدوها ”الغطرسة والأنانية”. ”عاملان تكمن وراءهما مشاكل العالم”، بحسب نجاد. وبريطانيا وفرنسا آثرتا الحضور، وإن بتمثيل ضعيف. باريس هددت بأنها ستنسحب إذا ما هاجم نجاد إسرائيل. وحافظ العرب على موقع المتفرج.
لم يكترث نجاد لكونه الرئيس الوحيد الذي يحضر القمة. لم يكترث لطلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ”بألا يحوّل الاجتماع إلى مبارزة سياسية”، وضرورة ”ألا يخلط بين الصهيونية والعنصرية”. ومضى في استعراض تاريخ اغتصاب فلسطين: ”بعد الحرب العالمية الثانية لجأوا (الحلفاء) إلى القوة العسكرية، لانتزاع أراضٍ من امة برمتها تحت ذريعة معاناة اليهود”، و”أرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم، لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين المحتلة”.
هو رأى أن ”تعويضاً عن العواقب الوخيمة للعنصرية في أوروبا ساعد في أن يأتي إلى السلطة أكثر النظم العنصرية قسوة وقمعا في فلسطين”، متهماً ”هؤلاء (الحلفاء) بالتزام الصمت إزاء المجازر التي ارتكبها هذا الكيان بل وقدموا له الدعم”.
تململ الحاضرون. همّ السفراء الأوروبيون الـ٢٣ بمغادرة القاعة أسراباً، قالت مصادر دبلوماسية متطابقة، إنهم اتفقوا قبيل المؤتمر على المغادرة ما أن يهاجم نجاد إسرائيل (جميعهم عادوا لاحقاً باستثناء الوفد التشيكي، الذي انسحب نهائياً). في المقابل، صفق كثيرون داخل القاعة، تأييداً لكلام نجاد.
الرجل، الذي وصفه ثلاثة مناصرين للدولة العبرية بـ”العنصري”، ورشقوه بأشياء خفيفة قبل أن تسوقهم العناصر الأمنية خارج القاعة، كان لا يزال يواصل كلامه، داعياً إلى ”وضع حد لاستغلال الصهاينة وحماتهم للوسائل السياسية الدولية”، و”استئصال هذه العنصرية السافرة”.
وأحدث خطاب نجاد موجة من الانتقادات. نائب السفير الأميركي إلى الأمم المتحدة اليخندرو وولف وصفه بـ”المعيب والمفعم بالكراهية والمشين”، داعياً القيادة الإيرانية إلى ”تبني خطاب أكثر اعتدالاً وصدقاً عند التعامل مع قضايا المنطقة”. أما بان كي مون فـ”خاب ظنه” من الخطاب ”الاتهامي والتقسيمي وحتى التحريضي”. رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون وصفه بـ”المسيء والاستفزازي”. وزير الخارجية النروجي يوناس غارشتور اعتبره ”يرقى إلى حد التحريض على الكراهية”. الفاتيكان وصفه بـ”المتطرف”. ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاتحاد الأوروبي إلى ”الحزم حيال الدعوة غير المتسامحة إلى الكراهية العنصرية”، فيما حيا رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر انسحاب الدبلوماسيين من القاعة.
في تل أبيب، كان لدى الخارجية الإسرائيلية الكثير لتدينه: اللقاء ”الخطير” الذي جمع بان بـ”أعظم منكر للمحرقة اليهودية في زماننا” (حيث ناقشا، بحسب بيان للأمم المتحدة قضايا السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأفغانستان). كما أدانت اللقاء الذي جمع الرئيس السويسري هانس رودولف ميرز بنجاد، مستدعية سفيرها في برن ايلان ليغاري ”للتشاور”، فضلاً عن أنها أعربت عن ”خيبة أملها” لقرار باريس ولندن المشاركة في المؤتمر ”المهزلة”. كما استدعت الخارجية الإسرائيلية الدبلوماسية المعتمدة في السفارة السويسرية في تل ابيب مونيكا شموتز كيرغوز ”للاحتجاج”.
من جهتها انتقدت إيران على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها رد فعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على خطاب رئيسها أحمدي نجاد في المؤتمر، ووصفته بأنه منحاز وغير متوازن.
وكان بان عبر عن أسفه بشأن خطاب الرئيس الإيراني، وقال إنه استخدم منصة المؤتمر لتوجيه الاتهامات وإثارة الانقسامات وحتى التحريض، مشيرا إلى أن ذلك يخالف الهدف الذي يعقد لأجله المؤتمر.
وفي روما وصفت وزارة الخارجية الإيطالية مؤتمر مكافحة العنصرية بأنه فرصة ضائعة، داعية إلى عقد ملتقى جديد يخصص لمناهضة العنصرية بعيداً من قضايا الشرق الأوسط ومعاداة السامية.
أما الفاتيكان فقد أعرب عن أسفه العميق لتحول مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية في جنيف منبرا لاتخاذ مواقف سياسية هجومية لا تساهم في الحوار وتؤدي إلى نشوب صراعات غير ضرورية.
استقبال حار
وفي طهران حظي الرئيس الإيراني باستقبال حار لدى عودته من جنيف، ورفع المستقبلون ومعظمهم من طلاب أعلاما ورددوا شعارات ”الموت لإسرائيل” وهو ما رد عليه أحمدي نجاد بوعد بالمشاركة في جميع التجمعات الدولية التي يحضرها المناوئون له مستقبلا، حسب تعبيره.
وقال الرئيس الإيراني في كلمة مقتضبة بثتها شبكة خبر الإخبارية الإيرانية ”إن أولئك الذين يدعون الدفاع عن حرية التعبير لم يكن لديهم حتى الاستعداد لقبول الاستماع لصوت معارض في مؤتمر هم أنفسهم القائمون بالفعل على تنظيمه”، واعتبر أن ذلك يفضح هوية نظام الرأسمالية الغربية والأفكار الليبرالية التي وصفها باللاإنسانية.
Leave a Reply