بعد اعتقالها في ديربورن هايتس وإبعادها إلى فلسطين
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
الصديقة نجلاء مصرصع. صبية فلسطينية مليئة بالطموح والعزيمة والاندفاع. يحركها الشغف العلمي وحب الطيران خارج القفص. قفص الجغرافيا الذي يفرض على أبناء الوطن العربي حدوداً للأحلام. حدود، تتشابه مع ترسيم وطن جريح كفلسطين. إلا أن من عرف نجلاء جيداً، أيقن أن في قاموسها لا مكان للانهزام مهما عصفت بها الأقدار.
صباح الأربعاء 30 كانون الثاني (يناير) المنصرم استيقظت نجلاء على جلبة وأصوات رجال الأمن. لم تكن تعلم بأنها ستغادر منزلها في ديربورن هايتس بلا عودة. ولم تكن تدري بأنها وقعت في شباك جامعة وهمية دخلت إليها بلا حاجة علمية أو أكاديمية. تسجلت فيها لتحافظ على فرصة بقائها في الولايات المتحدة بتأشيرة طالبة. تسجيل على مبدأ «سجّل أنا عربي».
سجّل أنا عربي.. أحمل هموم بلادي في حقيبة سفري وأدفع ضرائب أجدادي بأيام عمري.
دفعت نجلاء كل ضرائبها الأميركية. ولكنها لم تستطع أن تدفع ضريبة بلدها.
غدرتها «جامعة فارمينغتون» وأوقعتها في شباك الحاجة. فالجامعة الوهمية التي تتخذ من ضواحي مدينة ديترويت مقراً لها، كانت جزءاً من عملية سرية قامت بها وزارة الأمن الداخلي لكشف حالات التحايل في قضايا الهجرة.
سجلت نجلاء وعشرات الطلاب الآخرين في هذه الجامعة بغرض استخراج تأشيرات للبقاء على الأراضي الأميركية.
وحسب بيان لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، وجهت السلطات، اتهامات لثمانية أشخاص بتزوير تأشيرات وإيواء أجانب بغرض الربح. ستة من المتهمين اعتقلوا في مدينة ديترويت واثنان في ولايتي فلوريدا وفرجينيا. ففي الفترة بين فبراير 2017 ويناير 2019، قام المتهمون بتسهيل بقاء وعمل مئات الأجانب في الولايات المتحدة عن طريق إدراجهم في جامعة خاصة في ديترويت، والتي لم يكن يعرف المتهمون أنها كانت جزءا من عملية لوزارة الأمن الداخلي. وامتلكت الجامعة الوهمية موقعاً إلكترونياً يحوي معلومات عن الرسوم الدراسية والبرامج التعليمية، وعملت لمدة عامين تقريباً.
بعد اعتقال نجلاء التي كانت العربية الوحيدة بين 129 معتقلاً جميعهم هنود. تحرك أصدقاؤها وفعاليات من الجالية لمتابعة قضيتها. خاصة، أن لتلك الصبية حضور مميز في النشاطات الاجتماعية والثقافية، من المتحف العربي الأميركي في ديربورن إلى المركز الفني في ديترويت.
تحرك يحمل خلطة الفتاة الشرقية المميزة بقيمها العائلية وطموحاتها الغربية. طموح ابتدأ بعملها كمديرة في أحد بنوك فلسطين قبل سفرها للدراسة في الولايات المتحدة حيث عملت موظفة في شركة متعاقدة مع IBM الأميركية لتنتقل بعدها من ولاية بنسلفانيا إلى ميشيغن حيث كان الشرك المنصوب بانتظارها. وما بين فلسطين وأميركا التي جاءت إليها في العام 2014 بتأشيرة طالب، خيوط صبر ونجاح وعمل ودراسة ومثابرة، وابتسامة تحمل كلمات نجلاء، المكتوبة على دفتر مذكراتها، والذي وُضع بحقيبتها بيد أصدقائها الذين وضبوا غرفتها وأغراضها قبل ترحيلها.
مذكرات قالت فيها: «أنا لا أزرع الشوك، بل أحصد ورود النجاحات من رحم المعاناة». كلمات تختصر المشهد. مشهد ترحيل لصبية تعتبر من نخبة شباب بلدها عملياً وعلمياً وثقافياً. إلا أن من يعرف نجلاء، يعلم بأن كلماتها ليست مجرد خواطر بل هي خطة استراتيجية تتحرك بها. بشخصيتها المرنة وقلبها القوي تعرف أن عودتها لفلسطين هي إعادة انطلاق لن تثنيها عن التوقف. كان لـ«صدى الوطن» لقاء سابق مع نجلاء حول الاحتفال بـ«عيد الميلاد»، بعيدا عن عائلتها واسترجعنا نشاطاتها السابقة مع أمها في خدمة الأيتام ببيت لحم، موطن المسيح.
انطلقت نجلاء يوم الثلاثاء الماضي نحو وطنها الأم عبر فرنسا ثم الأردن. حاملة معها قصة مليئة بالصفحات البيضاء. صفحات، ستعيد كتابتها بخبرة «الرحالة» الذي يستنبط الحكمة بملامسة قضايا الشعوب. ولربما يعاد ختم تأشيرات عليها بمنطق التقدير والكفاءة.
لن نناقش بقضيتها، الأبعاد القانونية والقضائية التي لم تصل بعد إلى صورة حكمها النهائي. ولن ندخل في تفاصيل أمنية تبدأ بالاستدراج نحو الجريمة ولا تنتهي بفقدان عشرات الكفاءات البشرية من دول مصدرة للعقول كالعالم العربي والهند، بل نستذكر تاريخ المهاجرين الأوائل الذين أسسوا الولايات المتحدة التي استطاعت بدستورها الفريد بالحقوق والحريات أن تتفوق على جميع الدول عبر الاستفادة من أدمغة وعقول هجرت بلدانها هرباً من الحروب والاضطهاد والفقر…
بما أن ملف القضية لم يغلق بعد. سنترك الباب مفتوحاً في صفحاتنا لمواكبة أي حالة ظلم استناداً للحقائق وانسجاماً مع القانون. ونوجه تحية باسم نجلاء إلى كل الفعاليات في الجالية العربية والأصدقاء الذين ساعدوها في أيامها الصعبة الأخيرة في الغربة، مع تحية خاصة منها للسيد مازن أبو النصر، الرجل السباق في المساندة خلف كواليس الفراق، ليكتمل لقاء ابنة رام الله مع عائلتها في وطنها.
Leave a Reply