إنَّ المتتبِّع لمجرى الأحداث في بلدانِنا العربيّة يستشِفُّ الكثير من مَواطنِ الخلل وسياقاتِ الزلل التي تعصف بحاضر ومستقبل شعوبِنا العربيّة، ممّا يبعث على الأسى ويحزُّ في النفوس، ويؤلمنا بشِدّة هذا المشهد الهائل الماثل أمام أعينِنا من التخبُّط والّلاأباليّة وانعدام الدراية وفقدان المقدرة على معالجة المشاكل، من لدُنِ السياسيّين القابضين على مفاصل السلطة، من أنّ بلدانَنا العربيّة ذوات حضارة عريقة ومشرقة في تاريخ البشريّة، تؤهِّلُهُم –سياسيّيها– لتبوُّءِ المكانة السامية بين أحرارِ العالم.
فمن أخطر ما تعانيه شعوبنا العربيّة يتمثّل في أنانيّة وحبّ النفس المفرط لأولئك السياسيّين المنخرطين في هرمِ السلطة ومفاصلها الحيويّة، حيثُ افتقادهم إلى حسِّ المواطنة الجمعي الذي تربّتْ عليه بقيّة شعوب العالم المتقدِّم، والذي يمثّل أحد أهمّ رموز الإنتِماء، بالإضافة إلى غيابِ القانون الذي من المفتَرَض أن يشملَ بالإضافةِ إلى أفراد الشعوب العربيّة أعضاء حكوماتِها وشخوص الدوائر المحيطة بهم بمن فيهم أبناؤهم وخاصّتهم. إذ أنّ التغاضي عن حسِّ المواطَنَة، هذا المؤشِّر المقدّس، من لدُنِ أولئك السياسيّين لن يعفيهم من لعنة التأريخ ومحاسبتهم، إن لم يحصل اليوم فهو لابدَّ حاصلٌ غداً.
وإذا كنّا نؤشِّر هذا الخلل لدى سياسيّي الحكومات، فإنّنا لانعفي بعضَ السياسيّين المصطفّين في صفوفِ المعارضة من تأشير الأخطاء التأريخيّة التي يرتكبونها، تلك الأخطاء التي تصطفّ إلى جانب الفعلِ الإجراميّ، حيثُ وصلَ بهم الأمر إلى حدِّ الإستخفاف بحياة وأرواح الناس، فيسخّرون الأموال والوسائل والأدوات المادّيّة والبشريّة الإجراميّة لزعزعةِ الأمن والإستقرار في بلدانِنا العربيّة، وإيقاع المزيد من الضحايا الأبرياء بنتيجة ذلك التصرُّف التي ترحمهم شعوبُنا تحت طائلتِه ولا التاريخ في المستقبل.
فأين الجميع من قوانين وأساليب التحضُّر في العصر الحديث؟ ونحن أمّةٌ تُعلي مبدأ (رأسُ الحكمةِ مخافةُ الله)، فما دام الضميرُ السياسي نائماً أو ميِّتاً، فإنّ مستقبلَ أمّتِنا العربيّة سيبقى يعاني الطريقَ المسدود، وما لم تتجذّرْ في النفوس وتشيع فيها قيمُ الوفاء الجمعيّ المتبادَل والحلم والوعي واستثمار العقل الكبير والفعّال والمجرِّب بالإضافةِ إلى الزهد والتواضع، فإنّ المسيرةَ العربيّة سوف تبقى تراوحُ في مكانِها إنْ لمْ تتقهقرْ إلى الوراء.
إنّنا نحتاجُ إلى التمثّل بتوجّهات وعقول العباقرة الذين رفعوا شأنَ بلدانهم، نحتاج إلى وفاء ووطنيّة الشهيد عبدالكريم قاسم في رعايةِ شعبِهِ دون تطرّف أو انحياز إلى فئةٍ أو طائفةٍ دون أخرى، حيث وحّدَ الإثنيّات في إلفتِهِم داخل وطنهم الواحد، وكذلك نحتاجُ إلى حلم الرئيس جمال عبدالناصر، القومي حيث أنجزَ العديد من الخطوات الجبّارة على طريق تحقيق الحلم العربي في الوحدة، ووعي الشيخ زايد في إعمار بلدِهِ، وعقل وسياسة مارغريت تاتشر في خدمة بلدِها وخاصّةً في مجال الإصلاحات الإقتصاديّة، وإلى زهد وتواضع الخميني في إعلاء شأن مسيرة بلادِهِ نحو التقدّم والإزدهار.
Leave a Reply