ديترويت – خاص “صدى الوطن”
تضمنت فعاليات “أسبوع القانون الدولي” في كلية الحقوق بـ”جامعة وين ستايت” محاضرة حول موضوع “الدولة الفلسطينية”، حيث من المنتظر أن يتقدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وسط اهتمام دولي وعربي تعكر صفوه توقعات بقيام الولايات المتحدة باستخدام حق النقض “الفيتو”.
وفي معرض تقديمه للمحاضرين أشار مدير الندوة البروفسر غريغوري فوكس إلى تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي تختلط فيه الأسباب السياسية والدينية والأخلاقية والقانونية. وشدد على أن الناس منقسمون بحدة حول هذا الموضوع “ولديهم مواقف متشنجة حول الأوضاع القائمة ولكن هذا لا يمنع من إجراء مناقشة موضوعية لاستشكاف بعض الجوانب المتعلقة بهذا الصراع”.
وبدأ أستاذ القانون والعلوم في جامعة “وين ستايت” البروفسور براد روث محاضرته بتعريف الدولة من حيث هي كيان “يقوم على عدة عناصر تشمل الأرض والسكان والحكومة والإطار القانوني الذي تأتلف فيه جميع هذه العناصر، والذي يسمح بإقامة علاقات خارجية مع الدول الأخرى”. فالدولة تمثل مجتمعا سياسيا يكفل منظومة من الحقوق لسكان يعيشون على أرض محددة، وبحيث تكون الحكومة السياسية هي من أكثر الجهات فعالية في التصرف باسم الدولة.
ونوه إلى ضرورة اكتمال هذه العناصر ليمكن تسمية كيان محدد بالدولة فـ”ميشيغن على سبيل المثال لديها حكومة تمثل مصالح مجموعة من الناس يعيشون على أرض محددة، ولكنها ليست دولة لإن الإطار القانوني لا يسمح لها بإقامة علاقات مع دول أخرى”.
وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإطار القانوني الناظم يعتبر عاملا مؤثرا، فهناك بعض الكيانات التي تمتلك جميع العناصر التي تؤهلها لكي تكون دولة، ولكن يحدث أن المجتمع الدولي لا يعترف بها كدولة، وهذا أمر إشكالي.
ولفت إلى أن هذه الأسئلة هي صعبة في تكوينها وفي طبيعتها وتثير الكثير من المناقشات، وصحيح أن اكتمال المواصفات القانونية هو أمر ضروري، لكن يبقى أن للاعتراف السياسي أهميته وتأثيره، ففي بعض الأحيان تعلن بعض الكيانات عن نفسها كدولة ولكنها لا تحظى باعتراف العالم بها.
وأضاف إن التعقيد هو جزء من طبيعة هذه المسألة، وفي حالة الدولة الفلسطينية فإن الأمور تزداد تعقيدا بسبب الصراع المستمر، وبسبب تاريخ هذه القضية التي عرفت الكثير من المآزق والإخفاقات، فحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم هو أمر مكفول قانونيا، ولكن من الصعب تحقيقه بالطريقة التي ترضي الفلسطينيين أو أطراف الصراع الآخرين. وأشار إلى أن الأوضاع القائمة حاليا في فلسطين هي نتيجة الصراع السياسي وليس لها أية خلفيات قانونية، وأنه من الصعب إنكار أن هناك “دولة” فلسطينية حتى ولو أن المجتمع الدولي لا يعترف بها.
ورجح أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” وبالتالي لن يتم الاعتراف بدولة فلسطين ولكن يبقى أمام الجمعية العمومية خيارات أخرى، منها قبول فلسطين كدولة مراقبة، مؤكدا أن مثل هذا الخيار لن يقدم الكثير ولن يغير الأوضاع على الأرض.
أما إعلان الدولة الفلسطينية فقد يكون من شأنه أن يغير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، وأيضا لناحية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على نحو خاص، إضافة إلى التبدل في شكل الدولة الفلسطينية -القائمة حاليا بشكل من الأشكال- وعلاقاتها مع أبناء شعبها وطبيعة وظائفها.
من ناحيته، قال أستاذ القانون في “جامعة ميشيغن–آناربر” ستيفن راتنر: “إن إعلان الدولة الفلطسينية يتطلب مصادقة مجلس الأمن، وهنا من المتوقع ألا يتم تمريره، ولكن يمكن إعادة طرح الطلب في السنة القادمة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه توجد عدة تخريجات لهذه المسألة، وفي الأيام المقبلة سنرى كيف سيتم تخريجها”. ونوه إلى أن إعلان الدولة لا يتطلب في الحقيقة موافقة المجتمع الدولي، وضرب مثالا على ذلك دولة تايوان، الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، ومؤكدا على مفارقة وجود بعض الكيانات كدول أعضاء في الأمم المتحدة رغم عدم امتلاكها لعناصر الدولة الكاملة، و”دولة الصومال” التي ليس لها مواصفات الدولة، هي مثال على ذلك.
وتحدث راتنر عن القوانين الناظمة للمنظمات الدولية التي يمكن لكيانات أن تكون أعضاء في تلك المنظمات، ففلسطين هي عضو في عدد من المنظمات الدولية، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لتايوان، ولكن تبقى الحقيقة “أن فلسطين ماتزال دولة تحت الاحتلال حسب القانون الدولي”.
ورجح أن العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة سوف تغير من طبيعة الصراع مع إسرائيل بدون أدنى شك، فقد يمكنها من مواجهة الكثير من الممارسات الإسرائيلية ويحسن قدرتها كدولة، ولكنه في نفس الوقت قد يكون له نتائج سلبية.
وفيما يخص محور السلام في الشرق الأوسط، لفت راتنر إلى أحد الأسباب وراء التقدم بطلب الاعتراف بفلسطين كدولة هو تقوية الوضع الفلسطيني في محادثات السلام وهذا بدوره سيشكل ضغوطا على إسرائيل.
وأكد أن الاعتراف القانوني قد لا يؤدي بالضرورة إلى إحداث تغييرات على الأرض، وكذلك الأمر نفسه في حال قبول فلسطين كدولة مراقبة، لأن القضية الفلسطينية هي بالأساس قضية عالمية ينخرط فيها العديد من دول العالم، وحسب القانون الدولي ستبقى هنالك أراض فلسطينية، وهي الأراضي المحتلة في عام ١٩٦٧، واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب القانون الدولي، واعتراف الولايات المتحدة نفسها.
وختم راتنر بأن الولايات المتحدة في نهاية الأمر لا يمكنها أن تتحكم بإدارة هذا الموضوع تماما، وبالتالي فإن الأمر رهن بتجاذبات وتوازنات كثيرة.
Leave a Reply