تبدو المفردة الشعرية ذات الدلالات الجمالية، وإلاشارية، والتعبيرية، وكذلك الوصفية التي يخضعها الشاعر العراقي نادر عمانوئيل، وهي الجامحة في روحه وعقله، نتيجة تلمسه لذاته المحترقة من الثقل المتلاطم الذي سيج حوله هذا الجماح التعبوي اللامتناهي، وأسكن في ثورته العارمة ضجيج المسافات والأمكنة التي لم تبارح ذاته العاجة بالموت ساجياً مقهوراً، وهو لم يرتكن الى الذل منقاداً أسيراً، ولم يسكت قلمه في لجة التيارات المتصارعة التي خذلت الشعر وحولته الى سوق «هرج» أمام عتبات المكشرين من السياسين اللافظين آخر أنفاسهم على مذبحة اللاوعي الذي طبع في ذاكرتهم الهرمة، فظل يناضل من أجل مفردته التي لا تباع ولا تشترى، وفي إصداره الأول عن منشورات «نادي الشعر» الذي دأب على نشر مجاميع شعرية لتعزيز دور الشعر والشعراء.
ويستحق «نادي الشعر» التنويه والشكر وهو يمد يدَ العون للمبدعين من الشعراء بعيداً عن المحاصصة الطائفية، وذلك من أجل الارتقاء بالثقافة والشعر والمبدعين، فجاءت المجموعة الشعرية «موت المغني» مناصفة مع الشاعر رضا السيد جعفر عن منشورات «نادي الشعر» وتحتوي على 106 صفحات من القطع المتوسط. قصائد مجموعة الشاعر نادر عمانوئيل مجملها موسيقية، تنم عن فراسة وتأمل استنباطي، ومن أهم هذه العناوين: «البطاقة الشخصية»، «نداء»، «تحول»، «وداعاً أدونيس»، «اكتشافات متأخرة»، «هناك»، و«حين تتلاشى المسافات»..
من قصيدة «هناك» (ص101):
هناك حيث كل شيء
يرى بالعين ويركل بالقدم
أتقاسم مع الزهور
شهوة الأرض
وأبوح بأسرار الظلال
للعصافير
هناك
إن تعددية الوظائف داخل العمل الشعري من جهة وتواجد اللغة الشعرية واللغة المعيارية معا في العمل الشعري، يقف خلفها صوت الشاعر المتحسس لما يدور حوله وحده، وكلنا يعلم وما تؤكده الدراسات والنظريات هو تحديد اللغة الشعرية وظيفيا بوصفها مؤثرة جمالياً عبر توجهها إلى شكل التعبير نفسه، وفي قصيدة «البطاقة الشخصية» (ص 66)، نجد أسلوب الشاعر الفني والجمالي الساخر وهو يستغيث ويندد من جراء ما يحدث لذاته المعبأة بالجراح واللعنة التي تحيطه وتفرض عليه الترحال:
أنا وريث حضارة كانت
وبقايا سلالة تشهد عليها الشمس
أحمل جرح الأرض ولعنة أصحابها
وأجوب صحارى الحزن
بصبر لا يحتمله… البعير
هذه الحالات الشعرية وهذا التنوع في الصور، وأنت تجد العديد من الإنبثاقات في قصائده التي تعزف ألحانه المتعبة والصارخة، والخارجة من نفسه الداخلية التي رسمت لها خطابه اللغوي.
تجدر الإشارة أن الشاعر نادر عمانوئيل هو من سكان ميشيغن وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين ونال جائزة «الزمان» عن قصيدته «أنا لم أشاهد لكني بالكاد رأيت».
Leave a Reply