بلغ الإقبال على التصويت في المراكز الإنتخابية حيث الأغلبية الساحقة للعرب أدنى مستوياته منذ سنوات طويلة خلال انتخابات بلدية ديربورن التمهيدية التي جرت في السادس من الجاري بالرغم من وجود عدد غير مسبوق من المرشحين العرب للمناصب البلدية هذا العام.
ورغم قلة الناخبين إلا أن نتائج الانتخابات البلدية شكلت انتصاراً مفاجئاً ومدوياً لمرشحي المجلس البلدي في إحدى اهم المدن الأميركية. فقد حققت النتائج رقماً قياسياً تاريخياً بصعود ستة مرشحين عرب من ضمنهم ثلاثة أعضاء حاليين، إلى مصاف الانتخابات النهائية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في مدينة ديربورن.
وبالرغم من الحماسة الشديدة التي رافقت الحملات الانتخابية إلا أن نسبة الإقبال على التصويت كانت متواضعة حيث بلغت بمجمل المدينة ١٩,٣ بالمئة بزيادةٍ طفيفة على الإقبال في انتخابات ٢٠٠٩ الأولية للمجلس البلدي والتي بلغت ١٨,٣٦ بالمئة.
ومن بين ٦١,١٢٠ ناخباً مسجلاً في مدينة ديربورن، انتخب ١١,٧٩٥ فقط. وفي حين تعتبر كثافة التصويت في الانتخابات التمهيدية للبلديات ضئيلة عادةً، إلا أن انخفاض نسبة الإقبال بلغ مستويات قياسية في بعض المراكز الانتخابية. وسُجلت أدنى نسبة إقبال على التصويت في المدينة بقلم اقتراع «كنيسة سانت كاتيري» الواقعة على شارع روتندا قرب تقاطعه مع شارع غرينفيلد حيث بلغ عدد المصوتين ما نسبته ٦,٣٢ بالمئة من أعداد المسجلين للاقتراع. ويقطن في محيط الكنيسة جماعات متعددة من الأفارقة والعرب والبيض. اما قلم اقتراع «مدرسة سلاينا» في الجزء الجنوبي من ديربورن حيث الاغلبية العربية، فقد حل في المرتبة الثانية من ناحية الإقبال الضئيل على التصويت، مسجلاً نسبة ٨,١ بالمئة. كذلك كانت نسبة الإقبال على التصويت أقل من ١٠ بالمئة في أقلام اقتراع أخرى مثل مدارس «هابرد مانور إيست» و«وودورث» و«ميللر». وفي مراكز اقتراع أخرى في شرق ديربورن مثل «ماكدونالد» و«ميبلز» و«لاوري» و«وليام فورد» فالاقبال كان بنسبة اكثر بقليل من ١٠ بالمئة.
قلم اقتراع «كنيسة الفونساس» الواقع على شارع شايفر فقد حظي بأعلى نسبة مشاركة في شرق المدينة بنسبة ١٥,٠١ بالمئة.
وقد حصل المرشحون العرب طارق بيضون وسوزان دباجة ومايك سرعيني، المدعومون من «أيباك»، على نسبة أصوات أعلى في شرق ديربورن حيث المناطق ذات الكثافة السكانية العربية.
وعلى سبيل المثال صل بيضون على المرتبة التاسعة في السباق، إلا انه نال أعلى الأصوات في «كنيسة الفونساس» أما دباجة التي احتلت المرتبة الثالثة فقد حصلت في قلم اقتراع «ماكدونلد» على ثلاثة أضعاف الأصوات التي نالها توم تافلسكي الذي تصدر المرشحين الـ١٤ المتأهلين للإنتخابات النهائية، وكان أيضاً مدعوماً من «أيباك».
وبالعكس من شرق ديربورن فقد شهدت أقلام القسم الغربي من المدينة الذي لا يحوي كثافة عربية مماثلة، اقبالاً بلغ ٢٠ بالمئة وكان النصيب الأكبر في قلم اقتراع «كنسية فيرست بريسبيتاريان» حيث سجلت نسبة ٢٢,٩ بالمئة. أما ثاني أكبر نسبة مشاركة فحصلت في قلم «مدرسة هيغ» أيضاً في غربي المدينة. وكانت نسبة التصويت ستكون متدنية أكثر من ذلك لولا أصوات المقترعين غيابياً والتي بلغت ٣٤٤٥ صوتاً، أي معدل ٣٠ بالمئة من الأصوات.
لماذا كانت نسبة مشاركة العرب قليلة؟
أجاب علي حمود، نائب رئيس «أيباك» على هذا السؤال بالقول «يبدو أن في كل سنة نواجه نفس السؤال بعد كل إجراء انتخابات محلية. بالنسبة للصوت العربي هناك عدة عوامل قد تكون ساهمت في المشاركة العربية القليلة هذا العام».
من العوامل المحيرة مثلاً خديجة فرج التي عرضت لافتة طارق بيضون في حديقتها الأمامية لمدة شهرين، لكنها لم تذهب للتصويت له في ٦ آٓب (أغسطس) لأنها لم تكن تعلم إنه موعد الإنتخابات. وهذه حالة تكررت مع آخرين.
وتقول سيدة أخرى لـ«صدى الوطن» إنها لم تعرف بموعد الانتخابات إلا بعد ايامٍ من حصولها مبررة ذلك بقلة إهتمامها بالتمهيديات لكنها «عادة تهتم بالإنتخابات العامة التي تُغطى أكثر في الإعلام الأميركي والعربي». وتضيف «كان شهر رمضان وكنا تعبين ومشغولين لدرجة لم نفكر بالانتخابات».
محمد مبارك (١٨ عاماً)، اكد انه صوَّت الأسبوع الماضي لكنه لم يعلم بالانتخابات إلا قبل ساعات من إغلاق الصناديق. كاشفاً ان العديد من رفاقه ممن يحق لهم الإنتخاب لم يدلوا بأصواتهم. وقال «العديد من الناس كانوا منشغلين جداً أو شعروا بعدم جدوى الاقتراع».
وقد حلت الانتخابات البلدية التمهيدية بالفعل هذا العام قبل يومين من عيد الفطر المبارك ولذا يعتقد طارق بيضون أن الإعياء الناجم عن الصوم قد يكون ساهم في المشاركة القليلة للعرب الأميركيين في ديربورن الذين معظمهم من المسلمين الصائمين. وقال بيضون «كنا نطرق الأبواب ونسأل الناس إذا كانوا قد صوتوا وفي إحدى المنازل قال أحدهم انه تعب جداً لذا فالصيام كان متعباً للبعض لكن لا يجدر أن يكون مشكلة».
وأشار حمود أن الكثير وجدوا صعوبة في كسر روتينهم اليومي الرمضاني من اجل الذهاب للتصويت. وأضاف «عامل آخر قد لعب دوراً هو أن الكثيرين سافروا إلى وطنهم الأم خارج أميركا أو في رحلات استجمام وعطلة قبل افتتاح المدارس. لكن الحقيقة المجردة أن أكثرية العرب هم ببساطة غير مهتمين وليس عندهم حافزاً للتصويت والمفارقة أن هذا العام ترشح العديد من العرب المحترمين والكفؤين ومع ذلك شهدنا نسبة مشاركة متدنية».
وزاد بيضون قائلاً «عدد قليل جداً لم يعرف عن الانتخابات بعد الجهود الانتخابية والحملات المضنية التي بذلتها «أيباك» والصحف المحلية للإعداد لها»، وأضاف «لقد أرسلنا ٨ آلاف منشوراً بالعربية والإنكليزية نطلب من الجالية التصويت في ٦ آب… إن الناس ممتعضون من الحكومة لكني لا افهم لماذا لا يهتمون بالانتخابات التي يقف عليها مصير مدارسنا وشرطتنا وشوارعنا والخدمات البلدية؟!».
وأردف بيضون «أن المؤسسات الدينية والثقافية في الجالية لم تبذل مجهوداً كافياً لحث الناخبين على الإقتراع واعتمدوا فقط على حملات المرشحين.
أما حمود فكان له رأي مغاير حيث قال إن المساجد والمراكز أبدت أكثر من استعداد للمساعدة في إخراج الناس للتصويت عندما تواصلت «أيباك» معها. وأضاف «في كل صلاة جمعة قبل الانتخابات كان الأئمة في المساجد يحثون الناس على التصويت وأهمية المشاركة».
وذكر السيد حسن القزويني من المركز الإسلامي الذي كرس ١٠ دقائق من خطبته يوم الجمعة السابقة ليوم الانتخاب للحديث عن الموضوع.
ويؤكد المرجع عبداللطيف بري إنه دائما يحث على التصويت في الإنتخابات المحلية خلال خطبه في المناسبات التي يستضيفها «المجمع الإسلامي الثقافي»، ولكنه يرجع ضعف الإقبال الى «غياب ثقافة الإنتخاب في الشرق الأوسط» معتبراً إنها شيء جديد بالنسبة للكثيرين.
ويقول الشيخ بري إن «المجمع» يرحب خلال المناسبات التي يحتضنها بكافة المرشحين للتواصل مع ناخبيهم، مشيراً الى أن من مسؤولية المراكز الدينية والإجتماعية والثقافية التركيز على أهمية الإنتخابات البلدية التي ترسم مستقبل المدينة والمجتمع العربي فيها.
ما الذي يمكن فعله؟
المرشحة سوزان دباجة ردت على السؤال بالقول «التوجيه الصحيح سوف يحدث التغيير وعلينا أن نخبر الناس أن الانتخابات المحلية لها وقعٌ أكبر على حياتهم اليومية من الانتخابات العامة». بيضون أشار إلى «أن الإقبال العربي يمكن تحسينه عبر إقناع أعضاء في الجالية بان لهم مصلحة في نتائجها وفي مستقبل المدينة». واضاف «الحل بالاستمرار في التوجيه فالأعداد تكبر وهناك زيادة إقبال عربي من ٣٠ إلى ٤٠ بالمئة في انتخابات ٢٠٠٩، لكنك لا يمكنك عكس التاريخ بسنة واحدة». واقترح القيام باستطلاع للرأي مجهول للوقوف على الأسباب الدقيقة للإقبال المتدني هذا العام وذلك من اجل معالجتها بعلم. وقال انه حسب تحليلاته كان يتوقع الحصول على المرتبة السادسة فيما لو صوت العرب كغيرهم من سكان المدينة.
وخلصت دباجة إلى القول أن الاقبال العربي العالي على التصويت من شأنه أن يعكس التعددية في ديربورن ويؤدي الى تمثيل صحي لهم في الحكومة المحلية.
وختم حمود قائلاً «انه لو صوت المزيد من العرب الأميركيين في الانتخابات البلدية، سيصبح للجالية صوت أكبر في مستقبل المدينة ومعالجة القضايا التي تهمها، عندها يمكن التشديد على أهمية توظيف عرب أميركيين في دائرتي الشرطة والأطفاء لانه بالرغم من عددنا الكبير كجالية إلا أن اقل من ١٠ موظفين عرب يخدمون في هاتين الدائرتين»!
Leave a Reply