عجبا للعراق دولة تموج على بحر من النفط، كان يمكن لها أن تنعم بازدهار وحياة رغيدة، مثلها في ذلك كمثل دول الخليج المجاورة لها، بل وتتفوق عليها قوة وأهمية وثراء، لما تحتله من مساحات جغرافية شاسعة وعدد كبير من السكان، وتاريخ حافل بالأمجاد والحضارات، وانهار يقال أن الفرات سيكون واحدا في الجنة.
تاريخ العراق الحديث كلّه أسى، فمنذ إستقلاله عن بريطانيا العظمى في العشرينات من القرن الماضي حتى هذه اللحظة، والعراقيون يكابدون الفقر والظلم والإستبداد والإحتلال، وكل من أتى عليها زعيما كانت نهايته مأساوية تليق بما ارتكبه من فظائع بحق شعبه من عبد الكريم قاسم وصولا لصدام حسين، وبينهما قيادات أما كانت مغلوبة على أمرها أو ضعيفة في مواهبها إلى حدّ الهوان.
أنظر إلى العراقيين كيف أن ملايين منهم مشتتون في ديار اللجوء والإغتراب، حلمهم الإنتقال للعيش في الولايات المتحدة أو أوروبا، بدلاً من الأردن وسوريا ومصر وتركيا وإيران، وهذه كلها دول شقيقة وصديقة، لكنها بدل أن تعينهم وتآزرهم في محنتهم. وتوفر لهم سبل العيش الكريم والإقامة المشرفة، تجدها تضيّق على عبورهم وكسب رزقهم، بل وتطالب المجتمع الدولي بدفع تعويضات لها، من جراء إستفادة هؤلاء من الانظمة التعليمية والصحية، كأن هذه الدول لا تقابل معروف العراقيين بالمعروف.
نسي المصريون والسوريون والأردنيون النفط المجاني الذي كان يتبرع به العراقيون لأشقائهم، ونسوا شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا وهم يدافعون عن عمان ودمشق والقاهرة، ونسوا مئات الملايين من الدولارات التي تبرعت بها بغداد «لدول المواجهة» والملايين التي تلقتها عائلات الشهداء في فلسطين، نسي المصريون على وجه الخصوص أن مليونين منهم كانوا يقيمون ويعملون في العراق في سبعينات وثمانيات القرن الماضي، وكانوا يعاملون أفضل مما يعامل به العراقيون أنفسهم، وكانوا يمنحون أرضا وقروضا للإستثمار الزراعي وتصرف لهم بطاقات إقامة مميزة.
هذا العراق الذي ينظر إليه كـ خزان للبترول هو في الحقيقة خزان للأحزان، أيعقل أن يموت مئات الآلاف من أبنائه لمجرد تغيير نظامه السياسي؟ وهو فعل كان يمكن تحقيقه بعملية إنتخابية تجري يوميا في أنحاء الدنيا، أم أن الشعوب العربية دفعها خطها العاثر أن تبتلى بطغم عسكرية ودكتاتورية فاسدة تملأ الدنيا ظلما وجورا، وحين زوالها تدمّر المعابد على رؤوس من فيها.
العرب مقصرّون بحق العراق والعراقيين سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وعاطفيا، فالبعض من أنظمتهم ساهم بصنع المأساة بل المآسي التي يكابدها الشعب العراقي منذ سنوات طويلة، حين دعموا نظامه السابق لشن حرب ضد إيران دامت ثماني سنوات راح ضحيتها مئات الآلاف من الجانبين ودمرت إقتصاده. ما دفع صدام حسين لدخول الكويت لتعويض خسائره المادية والمعنوية، نجم عن ذلك الدخول، تدمير الكويت وشق الصف العربي وحرب قادتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت، لا زالت العراق تدفع ثمنها عشرات المليارات من الدولارات كتعويضات.
وبعد عشر سنوات من الحصار احتل الجيش الأميركي العراق ودخلت البلاد في مرحلة من الفوضى والحروب العبثية، صاحبها إرهاب وتقتيل ونزوح وفساد، والعرب في ذلك إما متفرجون أو مشاركون في أزمات العراق وهزائمه، لم نسمع عن دولة عربية مدت يد العون لهذا الشعب المنكوب، اللهم سوى وضع الكارثة العراقية على أجندة مؤتمرات قمتهم وإجتماعات وزراء خارجيتهم، والتشدق بشعارات فارغة من مضامينها: وحدة التراب العراقي وعروبة العراق وعدم التدخل في شؤونه وشجونه، وكأنما العراقيين لا ينقصهم سوى الكلام، فيما هم غارقون في الدماء والبؤس.
لكن هذا ليس غريبا على الأمة العربية، فالعراقيون ليسوا وحدهم في الغمّة فقد سبقهم الفلسطينيون واللبنانيون وحتى الصوماليون، والذي يطمئن في الحالة العراقية أنها بدأت تتعافى ونأمل أن تشهد بلاد الرافدين زمنا جميلا قادما غير الذي مضى.
Leave a Reply