سامر حجازي – «صدى الوطن»
كان العربي الاميركي حسين الخطيب يقود سيارته برفقة ابنته على الطريق السريع «٧٩» شمال ولاية وست فيرجينيا صباح يوم السبت ١٢ كانون الاول (ديسمبر)، عندما لمح سيارة كانت أمامه فشدت انتباهه. السيارة كانت من نوع «هامر» سوداء اللون وعلى نافذتها الخلفـية كتبت عبارة «أقتُل مسلماً». أما على جانب السيارة ناحية السائق، فكان العلم الاميركي يرفرف فوق النافذة.
رد فعل الخطيب الأولي كان القيام بالتقاط صور للسيارة ووضعها على صفحته على «الفـيسبوك». لكن رسالة الكراهية البغيضة لم تترك أثرها عليه إلا بعد حين.
كمسلم يسكن فـي ولاية وست فرجينيا منذ عام ١٩٩١، بدأ الخطيب يشعر بعدم الارتياح إلى حد ما من وجوده فـي هذه «البيئة المعادية» التي تتصاعد فـيها وتيرة العنصرية.
وصرح الخطيب عن تجربته بالقول «كلما فكرت فـي الواقعة شعرت بالانزعاج. يحتمل أن تكون (اليافطة) خطرة جداً. إنها رسالة عنيفة للغاية، ويمكنها وضع أي شخص فـي حالة دفاع عن النفس. أعرف أن هذا ليس موضوعاً مشتركاً أو يلخص التوجه هنا، إلا أن الوضع بات مثيراً للقلق لأنه يمكن أن يتدهور بسرعة».
مخاوف متزايدة
الخطيب ليس وحده ممن يشعرون بالخوف والغبن وعدم الارتياح. ففـي الأسبوعين الماضيين، تعرض الأميركييون المسلمون لموجة من جرائم الكراهية وللتهديدات وأعمال الترهيب من قبل مواطنين أميركيين. وقد تصاعد رد الفعل العنيف ضد المسلمين خصوصاً فـي أعقاب هجمات باريس وسان برناردينو الإرهابية.
ففـي مدينة نيويورك، تعرضت فتاة مسلمة فـي الصف السادس للضرب من قبل الطلاب الآخرين الذين حاولوا نزع حجابها. وفـي ولاية تكساس، تعرضت أسرة مسلمة لتخريب منزلها مرتين بعد أسابيع قليلة من الانتقال الى الحي. وفـي ولاية كاليفورنيا، تحوَّلتْ سلسلة من المساجد الى أهدافٍ للحرق.
حتى الجرائم اليومية مثل السرقات تتم اليوم بدافع الكراهية. ويوم الثلاثاء ١٥ كانون الاول (ديسمبر)، أصيب هندي أميركي برصاصة فـي وجهه بعد اطلاق النار عليه من قبل مجهول ملثم قام بوصفه بـ«الإرهابي» وقال له «كنت أقتل أمثالك فـي العراق» (تفاصيل ص ٧).
المنظمات الحقوقية
وإزاء هذه الموجة الهستيرية حذَّر المدير التنفـيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير-ميشيغن) داود وليد ان حادثة غراند رابيدز «مثيرة للقلق»، مطالباً الجالية المسلمة أن تبلِّغ بسرعة عن أعمال الترهيب حتى يتسنَّى لجماعات الحقوق المدنية أن تجمع البيانات الصحيحة.
وأبلغ وليد «صدى الوطن» انه «كما تعلمون، كانت هناك سلسلة من الأحداث التي جرت فـي جميع أنحاء البلاد خلال الأسبوع الماضي من حرق مسجد بالقنابل إلى توجيه تهديدات بالقتل ضد اثنين من مكاتب «كير». جميع التهديدات هي أعمال ترهيب وينبغي الابلاغ عنها فوراً. كما ينبغي أن نطلب استدعاء وكالات حفظ القانون إذا كان هناك أي نوع من حوادث الغضب فـي الطرقات أو التهديدات. يجب تسجيل جميع هذه الحالات من قبل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، واللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز ورابطة حقوق المدنية العربية الأميركية، ومن المهم جداً ان تكون لدينا هذه البيانات».
وأضاف وليد «أن النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب هن الاكثر عرضة للتهديدات وجرائم الكراهية لأنهن الأكثر لفتاً للنظر». وأوصى النساء المسلمات فـي منطقة مترو ديترويت بتوخي الحذر الاضافـي فـي الأسابيع المقبلة وعدم السفر إلى مجتمعات غير مألوفة لا ترحب بالتنوع. وتابع «تجنبن السفر الى أماكن غير مألوفة، لا سيما فـي الليل، والمرأة التي ترتدي الحجاب هي الرمز الأكثر لفتاً للنظر بين المسلمين فـي أميركا، إلى جانب مساجدنا، وهذا يضع النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب فـي خطر أكبر بسبب استهدافهن من قبل الحاقدين والجبناء».
واكد وليد ان «الإجراءات الوقائية هي المفتاح خلال هذا الوقت الحساس». وحث المساجد فـي جميع أنحاء ميشيغن على التنسيق مع وكالات تطبيق القانون المحلية لإجراء مراقبة لحركات المرور خلال أوقات التردد على المساجد.
وبالفعل عززت العديد من المساجد فـي منطقة مترو ديترويت من احتياطاتها الأمنية فـي الأسابيع الأخيرة، بما فـي ذلك «المركز الإسلامي فـي أميركا» فـي ديربورن و«المركز الإسلامي فـي ديترويت»، خصوصاً خلال صلاة الجمعة.
ماذا يقول المسؤولون؟
وكان الأمن موضوعا للمناقشة فـي اجتماع «بريدجز» فـي بلومفـيلد يوم الثلاثاء الماضي عندما اجتمع القادة المحليون وجماعات الحقوق المدنية مع مسؤولين فـي الوكالات الفدرالية لمعالجة عدد من القضايا المثيرة للقلق، بما فـي ذلك ارتفاع جرائم الكراهية التي تستهدف المجتمعات الإسلامية فـي جميع أنحاء البلاد.
وقالت المدعية العامة الأميركية للمنطقة الشرقية فـي ميشيغن باربرا ماكويد لـ«صدى الوطن» إن «العديد من الأميركيين يظنون أن حقوقهم محمية بموجب التعديل الأول للدستور الضامن لحقهم فـي التعبير عن آرائهم الساخطة تجاه دين أو عرق معين، حتى لو كان ذلك قد يسبب الترهيب أو الخوف».
وكان مكتب الادعاء الفدرالي فـي الآونة الأخيرة قد تلقى العديد من الحالات التي اختلطت فـيها حرية التعبير مع إطلاق التهديدات. ومضت ماكويد تقول «إن الخط الفاصل بين التعديل الأول لحماية حرية التعبير والتهديدات هو غامض جداً، ولكن نحن نقول دائماً لأفراد المجتمع أنه إذا كُنتُم تشعرون بأنكم تتعرضون للتهديد أو المضايقة الرجاء اعلامنا بذلك لأننا نريد أن نحلل ما حصل. وهناك عدد من الأشياء التي يمكن القيام بها. فإذا وصلت الأمور إلى حد التهديد، نقوم بمحاكمة الفاعلين لأننا نعتقد أن ذلك سيبعث برسالة ردع هامة للباقين لكي يعرفوا أن هناك عواقب لأفعالهم».
وأشارت ماكويد الى «أنه فـي كثير من الحالات حتى عندما لا تشكِّل بعض الكلمات الصادرة عن الشخص سبباً مقنعاً بما يكفـي لتبرير توجيه تهمة له، إلا أن الوكالات الأمنية لن تتوانى عن ابلاغ الشخص أن أفعاله تحت المراقبة».
وأردفت «حتى لو صدر عن الشخص مجرد كلام مضايق قد لا يرقى إلى تهديد أو جريمة كراهية لا نستطيع ملاحقتها قانونياً، الا أن الشخص الذي يصدر عنه الكلام النابي يحصل على زيارة من مكتب التحقيقات الفدرالي أو قسم الشرطة للحديث عن مدى خطورة فعلته». واضافت «فـي كثير من الأحيان يترك هذا تأثيراً رادعاً مهما على الفاعل الذي لا بد ان يدرك أن أفعاله ملحوظة وهو مسؤول عنها».
فـي الشهر الماضي، شن العديد من الأميركيين سيلاً من التهديدات ضد ديربورن عبر وسائل الاعلام الاجتماعية. سارة بيبي، المتقاعدة من البحرية الاميركية وتسكن فـي فورت غراشت أثارت ضجة فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بتغريدتها التي دعت فـيها الى ضرب ديربورن لتلقين الإرهابيين درساً، فانتشرت تغريدتها كالفـيروس على «السوشال ميديا».
وقال كيفن ملكاهي، مساعد المدَّعي الفدرالي للمنطقة الشرقية فـي ميشيغن ان هناك عدداً من العوامل يأخذها مكتب الادعاء فـي الاعتبار عند التحقيق فـي التهديدات، بما فـي ذلك السن ونوع الجنس أو الإيديولوجية السياسية أو التاريخ الإجرامي وحصول الفرد على الأسلحة. وأضاف ان «التهديدات المحددة والوشيكة هي التي نكون اكثر اثارة للقلق ويرجح أن ترتفع إلى مستوى القضية التي نتمكن من مقاضاتها قانونياً».
واستطرد ان مكتب المدعي العام الأميركي ينظر أسبوعياً فـي ٥ الى ١٠ قضايا تهديد، ولكن يقوم باجراء تقييم للمحاكمة مرة واحدة فـي الأسبوع تقريباً.
تضامن ديني
والى جانب تنظيم تظاهرتين فـي ديربورن وهامترامك تنديداً بالإرهاب و«داعش» (تفاصيل ص ٨)، عقدت يوم الخميس ١٧ كانون الاول (ديسمبر)، «دار الحكمة الاسلامية» فـي ديربورن هايتس مؤتمراً صحفـياً لمجمع الأديان السماوية من اجل التضامن ضد كراهية الإسلام. وقد حضر المؤتمر عدد من الأئمة والقساوسة والأساقفة والحاخامات وجماعات الحقوق المدنية.
وقال إمام «دار الحكمة» الشيخ محمد إلهي، للصحفـيين «الدين لا يزال يساء فهمه من قبل القادة السياسيين مثل دونالد ترامب، الذي دعا لحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة فـي وقت سابق من هذا الشهر. نحن نعلم أنه لا يوجد شيء اسمه الإسلام الراديكالي. اذا كان الدين راديكالياً فهو ليس دين الإسلام. ورغم ذلك فقد تم تخصيص الاسلام بهذه الصفة وتحول الخوف منه إلى عداء وحقد. بالتأكيد، الإسلاموفوبيا مشروع سياسي مربح. انه ناتج عن الطمع فـي المال والقوة من جهة والجهل والظلم من جهة أخرى».
واعتلت رشيدة طليب، مديرة «الحملة على الكراهية»، المنصة لتقول للجالية «أن الصمت ضد التعصب الذي يستهدف أي جماعة لا يجب التغاضي عنه»، ووصفت الكراهية ودعاية الخوف التي يقودها الحزب الجمهوري بأنها «حركة غير أميركية».
واضافت طليب «كان على الجالية الإسلامية ان تتوقع هجمات ترامب العنصرية، خاصة بعد أن استهدف الجالية المكسيكية فـي وقت سابق من هذا العام».
«اشعر بالقرف والغثيان منه عندما نال من المكسيكيين والطريقة التي صورهم بها لإذلالهم» استطردت طليب، وتابعت «لكن كنا هادئون جداً. اما انا فلم اهدأ بالطبع، لأن الكثير من جيراني فـي جنوب غرب ديترويت ميشيغن، هم مكسيكيون. هذه هي اللحظة التي علينا أن نتعلم فـيها درساً.. عندما تستهدف جماعة منا علينا جميعاً أن نجهر بموقفنا المناهض».
وقال القس ادوين رو من مركز الأديان فـي مترو ديترويت «الآن وقت حاسم لكلا الطائفتين المسيحية واليهودية للوقوف مع المسلمين. وتماماً كما على البيض أن يقفوا ضد شرور العنصرية الموجهة ضد الملونين، لا يمكن أن نسمح لضحايا الإسلاموفوبيا أن يتركوا وحدهم للدفاع عن أنفسهم. وصمتنا لن يحمينا».
اما مديرة مكتب ميشيغن فـي «أي دي سي»، فاتنة عبدربه، فلاحظت «ان دعوة ترامب بحظر المسلمين بسبب الخوف من تسلل «داعش» الى الولايات المتحدة هي دعوة لا أساس لها على اعتبار ان الهدف الأكبر للمجموعة الإرهابية هو المسلمون. وكثيراً ما ننسى أن المسلمين الذين قتلوا على يد «داعش» هم أكبر من أي مجموعة أخرى وبينما تواصل جماعة «كوكلكس كلان» استعراض نفسها، حتى اليوم، كشبكة من الغلمان المسيحيين الطيبين، لن يقف النَّاس موقف المتفرج وهم صامتين ويتم السماح بتشويه المسيحية عبر حرق الصلبان وإعدام السود اعتباطياً واستمرار العنصرية التي كلنا نعلم انها لاتزال موجودة اليوم».
يُذكر أن المؤتمر الصحفـي فـي دار الحكمة هو بداية لسلسلة من النشاطات القادمة التي تنظمها الجالية لإدانة تسعير جرائم الكراهية ضد المسلمين الأميركيين.
ويوم السبت ١٩ كانون الاول (ديسمبر)، يقيم المسلمون فـي ديربورن «مهرجاناً ضد الكراهية» للاحتجاج على تصاعد موجة الإسلاموفوبيا فـي أميركا المحافظة. المنظمون سيستخدمون الوسم التالي #Dearbornstrong لحشد المؤيدين فـي مختلف أنحاء البلاد. ومن المقرر أن يقام المهرجان أمام المركز الإسلامي فـي أميركا.
وسيعقد يوم الاثنين المقبل مؤتمراً صحفياً فـي ديترويت يضم قادة المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ومسؤولين فدراليين ومحليين ورجال دين، حيث تم التحضير لهذا المؤتمر فـي سلسلة اجتماعات كان آخرها فـي مكاتب «صدى الوطن» الأربعاء الماضي.
ويبدأ المؤتمر تمام الساعة ١١ صباحا فـي «متحف تشارلز رايت» للأفارقة الأميركيين فـي وسط ديترويت.
Leave a Reply