بيروت – كان واضحاً مساء الخميس الماضي أن كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله الطويلة هي الأشد وضوحاً والأكثر مباشرة في سلسلة خطاباته الأخيرة، فقد أكد إن “ملف شهود الزور” في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري “سيوصل إلى رؤوس كبيرة”، وسيؤدي إلى “أكبر فضيحة سياسية في لبنان والمنطقة”، وهدد “بقطع اليد” التي تمتد إلى أي من عناصر حزبه وقيادييه.
وأكد نصر الله، في كلمة له بمناسبة يوم الشهيد بمجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت أن اللبنانيين يعيشون ما سماه الفصل الخامس من استهداف المقاومة اللبنانية عبر المحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال الحريري.
وتطرق نصر الله إلى محاولات استهداف الحزب التي بدأت بالقرار 1559، مرورا بمحاولات زج الحزب في قضية اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري، ومن ثم الإغراء بالسلطة من خلال تعديل اتفاق الطائف لمصلحة الطائفة الشيعية في لبنان، أما الفصل الثالث فكان من خلال “حرب اموز”، في حين كان الفصل الرابع من خلال ما حدث في الخامس والسابع من أيار (مايو) عام 2008 لخلق مواجهة بين المقاومة والجيش وبين الشيعة والسنة. وأكد أن اللبنانيين يعيشون حاليا ما سماه الفصل الخامس والأخير من استهداف المقاومة اللبنانية، وهو المحكمة الدولية والقرار الظني المتوقع والمواجهة مع المجتمع الدولي.
بعد هذا الاستعراض، حدد نصر الله جملة من الثوابت التي لا حياد عنها، مستبقا القرار الاتهامي بالتأكيد على ان المقاومة لا يمكن لها ان تقبل او تسلم بأي اتهام لأي من مجاهديها، أيا تكن التهديدات التي ستوجه اليها. ووجه تحذيرا إلى من سيحاول توقيف او اعتقال احد من المجاهدين “أن أي يد ستمتد اليهم ستقطع”. وأعلن ان المقاومة امام اي اتهام ستدافع عن كرامتها بالطريقة التي تراها مناسبة وبالتنسيق مع حلفائها في المعارضة.
اما بالنسبة الى التهويل بحرب إسرائيلية، فشدد الامين العام لـ”حزب الله” على أن “التهويل لن يخيفنا”، مؤكدا جهوزية المقاومة لصد أي عدوان.
وقال نصر الله “المسعى السعودي-السوري جدي جدا. دعونا نفتح أملا وهناك آمال كبيرة وحقيقية معقودة على هذا المسعى الذي ما زال مستمرا ومن المفترض ان تظهر آثاره على ما أعتقد في وقت قريب، وأي نتائج للمسعى السعودي السوري تقبل بها الأطراف المعنية في لبنان بالتأكيد ستحظى بدعم وتأييد الجمهورية الإسلامية في إيران”.
ودعا نصر الله الى اقتناص الفرصة والتعاون مع المسعى السعودي السوري، لكنه كشف عن ضغوط أميركية، بطلب من بعض الجهات اللبنانية، لعرقلة تلك المساعي، وعن طلبات لبعض الحكام العرب ولفرنسا “لأن نجاح هذا المسعى يؤدي الى سقوط الفصل الخامس من استهداف المقاومة”.
وحذر نصرالله من المراهنة على الولايات المتحدة، مؤكدا أنها لا تريد حل مشكلة لبنان بل تريد حل مشكلة إسرائيل، واستعرض تصريحات لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر تحدث فيها عن افتعال أحداث دامية في لبنان، وحرص بلاده على حماية إسرائيل ومصلحتها.
وإلى الداخل، كانت رسالة نصرالله واضحة. الاستعراض التاريخي للتطورات التي شهدها لبنان، تشي بقدر كبير من اليأس من قدرة هذا الداخل على تحمل مسؤولياته التاريخية، خاصة بعد استقالة الدولة من مسؤوليتها، وخير دليل محصلة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة. لكن هذا اليأس لا يمنع من إطلاق تحذيرات مفادها أن المعركة بين المقاومة من جهة والأميركيين والإسرائيليين من جهة ثانية، مفتوحة، ولمن يريد أن يراهن على الأميركي أن يتحمل مسؤولية رهانه.
وتوقف نصر الله عند الكتب التي نشرت مؤخرا وخاصة كتابي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير والرئيس الاميركي السابق جورج بوش لما لهما من قيمة قانونية وقضائية، وخاصة من خلال اعترافات الأول بالنية “بتدمير الدولة السورية” وقبلها تدمير العراق، إضافة الى الوثائق التي تضمنها كتاب “أسرار الرؤساء” وتثبت دور الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الى جانب بوش في التحضير للقرار 1559، الذي كان هدفه وما يزال استهداف المقاومة، بالاضافة الى كتاب القائد السابق لـ”اليونيفيل” في الجنوب الجنرال ألان بيللغريني عن حرب تموز 2006.
وذكر أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كانا يهدفان إلى تدمير لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان، وليس تغيير أنظمتها فقط.
والجدير بالذكر أن “يوم الشهيد” الذي ألقى نصرالله كلمته فيه بالغ الرمزية، فهو تاريخ العملية الاستشهادية التي نفذها الاستشهادي أحمد قصير في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1982 ضد مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صور، تلك العملية التي وصفها نصر الله خلال إطلالته التلفزيونية على الجمهور اللبناني والعربي والإسلامي، بأنها العملية الاستشهادية الأهم في تاريخ الصراع مع إســرائيل.
Leave a Reply