يستمر التحالف بين ثنائي «حركة أمل–حزب الله» في مواجهة التحدي تلو الآخر، بدءاً من القضايا الكبرى المتصلة بالصراع مع إسرائيل وتعقيدات المنطقة، وصولا إلى الملفات الخدماتية المتصلة بالهموم الشعبية من قبيل الكهرباء والمياه وما شابه.
ويتخذ التحدي تارة شكل الاستهداف المباشر للجانبين، وطورا شكل الاختبار لوحدة الصف الشيعي، علماً أنهما نجحا حتى الآن في الخروج من «الامتحانات الفصلية» بعلامات سياسية فوق المعدل، الأمر الذي يزعج علناً أو ضمنا جهات خارجية وداخلية تشعر بأن تماسكهما بات يشكل عبئاً عليها.
والمفارقة، أن تجربة الثنائي الشيعي أظهرت أن التعاطي مع التهديد الخارجي هو أقل صعوبة من التعامل مع تفاصيل داخلية تحاول من حين إلى آخر العبث بخيوط النسيج الشيعي، ذلك أن الخطر الآتي من خلف الحدود يوحد جمهور الطرفين على قاعدة مقاربات مشتركة للتهديد وسبل التصدي له، تمتد بانسيابية من القيادة إلى القاعدة، وليس أدلّ على ذلك من تكامل الأدوار بين «حزب الله» و«حركة أمل» في حرب تموز 2006.
رسالة قاطعة
كان لافتاً أن السيد حسن نصرالله ابدى حرصا في خطابه لمناسبة الذكرى الثانية عشرة للانتصار، قبل أيام، على الاشادة بالمساهمة المحورية للرئيس نبيه بري في الصمود والنصر، موحياً بأن بري هو شريك أساسي في إفشال العدوان الإسرائيلي.
لكن، وكلما اقترب «حزب الله» و«أمل» من الشؤون المحلية المتعلقة بالأمور الخدماتية والإنمائية، يُلاحظ أن هامش الاعتراض على سلوكهما يكبر في داخل البيئة الشيعية، بل يظهر أحياناً تمايز حتى بين قيادتي التنظيمين حيال كيفية مقاربة بعض الملفات، كما حصل مؤخراً بالنسبة إلى باخرة الكهرباء التركية التي رفضت «أمل» استقبالها على شاطئ الجنوب، بينما كان «الحزب» مؤيداً للاستعانة بها.
وفيما تمكنت القيادتان من احتواء التمايز وتنظيم الخلاف حول الباخرة، ذهب الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، من الجانبين، بعيدا في الحملات المتبادلة، وسط سعي المتحمسين أو المتهورين منهم إلى استدراج «الحركة» و«الحزب»، كجسمين سياسيين، إلى السجال.
من هنا، توجه نصرالله بكلام واضح وصريح إلى مستخدمي «التواصل الاجتماعي»، طالباً منهم لجم أحصنتهم الجامحة والكف عن تبادل الاتهامات التي لا تأتي بكهرباء أو بمياه إلى أحد. لقد شعر نصرالله بأن النار المشتعلة في هشيم «الفيسبوك» قد تمتد إلى خارجه وتحرق ما أنجزته وحدة الثنائي الشيعي على امتداد السنوات الماضية، لاسيما أن هناك جيوشاً الكترونية معادية جاهزة لصب الزيت على النار وتضخيم أي سوء تفاهم، سعياً إلى افتعال صدام، يشتهيه كثر، بين «أمل» و«حزب الله».
وما يتحسّب له الجانبان هو أن الدول التي أخفقت في إيجاد شرخ بينهما من خلال التحريض العلني، قد تلجأ عبر أشباح العالم الافتراضي إلى محاولة ضرب أحدهما بالآخر، مستفيدة من بعض نقاط الضعف في البيئة الشيعية، على المستوى الخدماتي والإنمائي، وما يسببه ذلك من بروز لحالات اعتراض شعبية، هي مشروعة كنمط من أنماط الضغط والاحتجاج، لكنها قد تكون قابلة للاستثمار والاستخدام في السياسة، إذا لم يتم التحكم بإيقاعها.
وانطلاقاً من هذه المحاذير، وجه نصرالله رسالة حازمة إلى كل من يعنيه الأمر في الداخل والخارج فحواها أن «حزب الله لن يذهب إلى اي صدام مع حركة امل وان التحالف بينهما هو قرار تاريخي وجذري لن يتم التراجع عنه، واضعاً بذلك حداً لرهان البعض على شياطين التفاصيل، من أجل اختراق ظهر المقاومة وبيئتها الحاضنة.
والأرجح، أن هذا الموقف الذي يلتقي مع إرادة بري سيؤدي إلى تعطيل أي «صنارة» تصطاد في الماء العكر، مع الأخذ في عين الاعتبار أن محترفي هذا النوع من الصيد قد لا ييأسوا بسهولة.
مكنونات «القوات»
وما تجدر الاشارة إليه، أن «القوات اللبنانية» التي تشكو من طريقة تصرف «التيار الوطني الحر» معها، إنما تنظر بإعجاب إلى تجربة تعاون الثنائي الشيعي في الدولة. ويقول وزير قواتين «حركة أمل» و«حزب الله» نجحا من خلال تناغمهما في تأمين حقوق الطائفة الشيعية وفق ما يريانه مناسباً، وتمكنا من إرساء توازن دقيق ضمن الطائفة، لافتاً إلى أن مفهوم الشراكة المتفق عليه بين الرئيس بري والسيد نصرالله يبدو ثابتاً وراسخاً على رغم الاختلافات في الأحجام أو في السياسات أحياناً.
ويلاحظ الوزير أن الثنائي الشيعي يبني استراتيجيته على قاعدة أن قوته تكمن في وحدته قبل كل شيء، وأنه لو سمح بفصل أحد طرفيه عن الآخر لما كان قد استطاع أن يحقق المكاسب النوعية التي تمكن من انتزاعها عبر مراحل حضوره في السلطة.
ويلفت الوزير القواتي إلى أن الثنائي الشيعي نجح، عبر ثبات تحالفه ومتانته، في أن يصنع التوازن مع المكونات الأخرى في البلد، ويفرض وجوده كرقم صعب في جدول الحساب الداخلي، «بمعزل عن موقفنا المعروف من سلاح «حزب الله» ومشاركته في الحرب السورية»، معتبراً أن هذا الانسجام بين الحليفين انعكس تفاهماً على كل ما يتصل بالتعيينات أو بتوزيع الحقائب الوزارية أو بالتحالفات النيابية، بل أن «حزب الله» لا يتردد على سبيل المثال في تفويض الرئيس بري بالتفاوض نيابة عنه حول الحصة الشيعية في أي حكومة».
بعد هذا العرض، يتوقف الوزير بمرارة عند مسار تعاطي «التيار الوطني الحر» مع اتفاق معراب، وسعيه إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من حصة المسيحيين في السلطة على حساب التفاهم المنجز مع «القوات»، وذلك بفعل «الجشع والنهم» اللذين يتحكمان بسلوك بعض قياديي «التيار».
Leave a Reply