مريم شهاب
قديماً كانت النصيحة بجمل. الإنسان العربي، عندما كانت تغلبه الحيرة فـي مسألة ما، ينتقي أفضل جمل من قطيعه ويذهب إلى رجل حكيم وثقة، فـيقدمه له لقاء إستشارات إنسانية.
مع الأيام، إرتفع سعر النصيحة. صارت لها مكاتب يديرها مستشارون دكاترة فـي علوم الكلام وتفسير الأحلام، يقبضون الثمن سلفاً بالدولار. لم يعد هناك جمال، لكن بقي المثل: «النصيحة تسوى جمل»!
الحمد لله، عن نفسي، ليس عندي جمال، «الكسرة تحت الجيم» وليس لدي مال، لأني لا أحب إسداء النصائح لغيري، من مبدأ أنني لو كنت إنساناً نصوحاً وفهماناً كما يظن خطأ الكثيرون، لنصحت نفسي أولاً ولما إقترفت الذنوب «التي تودي فـي ستين داهية».
كان لا بد من هذه المقدمة. لتوضيح بعض الأمور، لبعض القراء الأعزاء، ممن لا تعجبهم ولاتروق لهم كتاباتي. حقيقة، أنا أشكرهم على رأيهم الصريح والصحيح. لأني فعلاً، لا أقدم للقارئ إلا المواضيع الخفـيفة «والهزيلة»، حرصاً على صحته الجسدية والنفسية، من كثرة الأخبار والمقالات الثقيلة «الزمخشرية» الدسمة، العسيرة الهضم.
يسألني البعض بأدب وأحياناً بدون أدنى أدب أو مجاملة:
لماذا كل هذا الهزل الذي يغلب على أكثر مواضيعك والتي تخلو من أية كلمة نصوحة وكأن الجالية فـي ديربورن والعالم الشرق أوسطي قد خلا من المشاكل؟ ودائماً يكون ردي أن المشاكل عديدة ومتشعبة، و«الملق فالت»، والدنيا مقلوبة طالع نازل، ومن أنا يا حسرة لأدلي بدلوي. وهذه مشكلة من مشاكل الجالية نريد أحد المختصين المساعدة فـي حلها.
إشتكى لي أحد الأصدقاء الأفاضل، إبنه الذي تخطى مرحلة المراهقة، معترفاً بمرارة عجزه عن فهم هذا المخلوق، الذي مارس معه كل الأدوار بكل االإقتناع والحب والمودة والثقة ودون تذمر. ودوماً كان لإبنه السند والحضن الدافئ والأب الحنون العطوف، وأحياناً الصديق الحريص على مصلحته، فـي محاولة للتقرب إليه وإحتوائه بين جوانحه، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً فـي التفاهم معه. الوالد عض على الجرح متغاضياً، عن كل هفوات إبنه محتملاً الألم الفظيع الذي كان يسببه له ولده، متأملاً من خلال دموع قهره أن الإبن سوف يكبر وتنقضي مرحلة المراهقة ويصحو من سباته ومثل الإبن الضال سوف يرجع إلى حضن أبيه.
بحسرة تابع صديقي الوالد حديثه: إبني اليوم عمره أربع وعشرون سنة، فشل فـي دراسته وتغير للأسف للأسوء. صار يتعدى حدوده معي بما أني صديقه ليس علي الإعتراض وإذا خالفته الرأي فأنا متسلط ومتحكم وغير متفهم، ويفسر خوفـي عليه بالشك الخاطئ فـيه. مرات عديدة تحدثت معه بكلام يلين له الحديد، كان يتأثر، بعد لحظات ينقلب من شاب وديع إلى نمر مفترس يتطاير الشرر من عينيه ويتلفظ بألفاظ، أنا نفسي أتعجب كيف تأتيه الجرأة وينطقها. ويتعمد إحراجي بتصرفاته أمام الأقارب والجيران.
إستمعت وتألمت لصديقي وهو يحكي ويشكو تعبه وهو يحاول الغوص فـي أعماق إبنه ليصل إلى طريقة تجعله يتحكم فـي إنفعالاته، فهو ما يزال فـي بداية الطريق. والحب يتطلب قدراً كبيراً من الصبر والتأني والحكمة، خصوصاً هنا فـي المهجر. وما يتقبله الوالد ويبرره لن يتقبله غيره، فأخطاء الولد بالنسبة لوالده مغفورة، ولكنه سيُحاسَب عليها من قِبل الآخرين.
الصديق طلب فـي نصيحة «خير الأصدقاء أشدهم مبالغة فـي النصح».
من أنا يا صديقي لأفعل ذلك؟؟ سوف أشكر أي طبيب فـي علم النفس، أو أي مختص فـي مصاعب التربية، فمن لديه الرغبة فـي مساعدة الولد حول هذه المشكلة الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني mchehab2005@yahoo.com
Leave a Reply