الشيخ ابراهيم ياسين
هناك مدركان لكي يعصم الإنسان نفسه من الوقوع في المعصية والخطأ، أو للتقليل من ذلك. المدرك الأول: العقل، الذي يدرك المسائل الكلية ويبني عليها بالاستناد إلى الشريعة الغراء، وبدونه تصبح الطريق إلى معرفة الله ورسوله وأوليائه متعذرة، فمن ليس له حظ من هذه المعرفة يسير خبط عشواء ويتيه عن الحق والصواب.
المدرك الثاني: النفس، التي إذا أُطلق لها العنان تصبح أسيرة العُجب والرياء وحب الجاه والمنصب وغيرها من آفات النفس المهلكة والمحبطة للأعمال.
قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا». وهذه هي صفات الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق لا يستضيئون بنور العلم ولا يلجأون إلى ركن وثيق!
طالعتنا في الفترة الأخيرة بعض المقالات والرسائل –عبر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي– التي يعتقد أصحابها بأن لسان الشتم والسباب طريق لإثبات الحجة. وهذا دليل العاجز الضعيف وديدن الجاهل الذي ليس له حظ من الفهم والعلم.
قد يستهوي منطق السباب والشتائم بعض السفهاء والمغرضين واللاعبين على وتر الخلافات والتباينات، ولسنا قاصرين على أن ننحو نفس المنحى ولكن ليس هذا من شأننا ولا من أخلاقنا، فهو بحسب ما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إما سب بسب أو عفو عن ذنب».
ونتساءل بعد هذه المقدمة: هل انتقاد «المركز الإسلامي في أميركا» ممنوع بحجة أن هذا هو الجامع؟ وما قيمة المركز والبناء والحجارة بوجود إداره تفتقر –شرعاً وعرفاً– إلى المواصفات المطلوبة في كثير من أعضائها وأمنائها؟ وهل قيّم أحد، أو جهة، عمل المؤسسات في ديربورن على مدى الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية، وما أنجزت على مستوى شباب وبنات الجالية بشكل خاص؟
ولو تنزلنا، وانتقدناهم في الغرف المغلقة في المركز، وهذا ما فعلناه، مراراً وتكراراً بدون أية نتيجة، فقد جاء الرد دائماً مجافياً للأدب ووقحاً ومقصياً الشيخ عن إبداء الرأي والتعامل معه، وكأنه عميل للخارج!
هذه الحجة الواهية، كقميص عثمان، يلقيها البعض من المتنفذين وغيرهم بين البسطاء ليخفوا قبيح أعمالهم المخالفة للشرع والمصلحة العامة على حد سواء.
«المركز الإسلامي» يعاني من خلل بنيوي وإيماني، وذلك نتيجة الأحادية في انتقاء الأعضاء والأمناء وعدم ملاحظة المواصفات المطلوبة والضرورية التي يترتب عليها من النتائج المثمرة فيما يخص أولادنا وجاليتنا بشكل عام.
ليس من بين الاعضاء من هو مؤهل لأن يكون فاعلاً على الارض، وهناك من ليسوا أهلاً لأن يكونوا أعضاء أو أمناء في مؤسسة إسلامية أصلاً. وهذا لا يسمح –بالتالي– باستثمار إمكانية وقدرة المركز على الارتقاء بمستوى العمل الإسلامي بشكل خاص، لأن معظم الأعضاء غير متخصصين في هذا الحقل، وإذا كان الأعضاء على تلك الشاكلة، فلماذا كثرتهم؟ ولماذا لا نرى وجوهاً جديدة فاعلة من أبناء وبنات جاليتنا؟
هنا يكمن مربط الفرس، ومحل النزاع، فالذين يهيمنون على القرار في «المركز الإسلامي» ستة أو سبعة أشخاص يفتقدون هذا النهج الذي نتكلم عنه، أما الأعضاء الآخرون فهم تابعون لهم، وليست لديهم الخبرة العملية ولا الغيرة على جاليتنا وأولادنا، ويمكن القول إن مصلحة مجتعمنا هي آخر همومهم.
البعض من قدامى الأعضاء يعترض على إقامة بعض المناسبات الخاصة بأهالينا بمبرر أنه لا يأتينا منهم دعم مالي، وكأن قانون المركز الإسلامي ينص على ذلك! أين الاخلاص في العمل؟
هل من واجبنا أن نأتي إليهم بالأموال لهدايتهم وإرشادهم. نعم –للأسف– هذا هو الاتجاه العام في المركز ولذلك ترى التعيينات فيه ترتبط بمصالح خاصة لا تقيم أي اعتبار لأهلية الشخص وقدراته وفهمه لطبيعة العمل المتعلق بالدعوة إلى دين الله.
لماذا؟ لأن هذا الأمر ثانوي جداً بنظرهم. إنهم يهتمون ببرنامج حوار الأديان، لأنه يمكنهم بواسطته من إقامة علاقات شخصية واسعة والانتشاء بزيارات الوفود لترى جمال البناء والتعرف على الإسلام (كما يزور الناس تاج محل في الهند أو قصر الحمراء في مدينة قرطبة الإسبانية). لا مانع من ذلك.. وهذا جيد، ولكن بنظرهم هذا كل شيء، وهنا المشكلة. وأكثر ما يسعد البعض منهم هو استقبال الرؤساء والوزراء والسفراء والنواب وغيرهم، وإقامة الموائد العامرة واللقاءات الكبرى في المركز، وهذا جيد أيضاً.
ولو لم يتصد الإخوان المؤمنون العاملون بإقامة وإحياء المناسبات الكبرى في المركز لما التفت إلى إقامتها أحد من الأعضاء والأمناء ولكانت عندهم نسياً منسياً.
حتى أنني عرضت عليهم إقامة عشاء عام بذكرى ولادة أمير المؤمنين (ع)، بتمويل من الإخوان المؤمنين من خارج المركز، فقال رئيس اللجنة الدينية للأعضاء: هل توافقون؟ وكانوا قبل يومين قد استقبلوا الجنرالات وأطعموا الضباط الاسرائيليين الفتة والمناقيش، بعدما قدم لهم وزير الداخليه الأسبق أحمد فتفت.. الشاي.
لقد أمضيت قرابة الأربع سنوات في خدمة «المركز الإسلامي» ولم أر خلالها إلا حوالي سبعة أو ثمانية أعضاء، أما الآخرون فلا أعرفهم ولم ألتقهم قط لأنهم لا يأتون إلى المركز ولا يشاركون في جمعة أو جماعة أو مناسبة، ولا أعرف شيئاً عن التزامهم الديني ومدى فهمهم لمتطلبات العمل المؤسسي، وقد يكونون معذورين في غيابهم، ولكن.. ما الفائدة من عضويتهم إذن؟
وأعود وأقول: هناك أعمال يُشكر عليها الأعضاء، ونحن نشكرهم ونقدر جهودهم ولكن هذا لا يكفي! فالمسألة تتطلب إخلاصاً وإيماناً وثقة بهذه الجالية وبقوتها.
نحن لا نريد تغيير أي شيء بالقوة، فقد قال الله تعالى «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، ولكن لا يحق لكم السباب وكيل الشتائم والكذب على الناس وتشويه الحقائق بتصوير الشباب المؤمنين وكأنهم عامل تخريب أو دخلاء على «المركز الإسلامي».
قلنا لكم، هذا نهجنا، فإذا قلتم وهذه طريقنا، نعود ونقول لكم.. عرفناكم حياكم الله، ونقول لقد أدينا ما علينا من تكليف عملاً بقول أمير المؤمنين: «وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ».
Leave a Reply