نضال غرمو «إمراة قلبها رحيم» معروفة بأوساط الجالية العراقية بنشاطاتها الخيرية التي تركت بصماتها في حياة الكثيرين ممن تعطلت بهم سبل الحياة بعد غزو العام 2003 الذي دمر وطنها الأم وشرد ملايين العراقيين وعقّد حياتهم اليومية.
بدأت جهود نضال غرمو الإنسانية مباشرة بعد الغزو حيث نشطت في تقديم المساعدات الطبية للشعب العراقي. «عندما يُضرب شعبك يكون الأمر مختلف»، تقول غرمو التي هاجرت إلى الولايات المتحدة من بغداد منذ أكثر من ثلاثة عقود.
نضال غرمو |
ورغم نهاية الإحتلال العام الماضي لا تزال غرمو تبدي التزاماً تاماً بمواصلة جهودها لمساعدة ضحايا الحرب والفقر والتشرد في العراق اليوم. فدورها الناشط في تقديم المساعدات الطبية من أجهزة ومعدات للعراقيين من الجنوب الى إقليم كردستان، جعلها تحصل على لقب سفيرة الصحة من «مؤسسة الإغاثة الطبية للعالم»، وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) كرمت المنظمة نضال غرمو بجائزة العمل الإنساني العالمي لسنة 2012 خلال الحفل السنوي الـ٥٩ للمؤسسة التي وجدت أن دور غرمو في تلبية حاجات المحتاجين الصحية يستحق هذا التكريم الرفيع، حيث تعاظمت جهود الإغاثة التي وفرتها غرمو للعراق والى دول أخرى في العالم مثل هندوراس.
وتمكنت غرمو من إرسال معدات ولوازم طبية بقيمة ملايين الدولارات إلى العراقيين المحرومين منها.
وللقيام بمساعدة افضل أطلقت الصيدلانية غرمو جمعية خيرية لضحايا الحرب والفقر قبل أن تنضم للعمل الوثيق مع «مؤسسة الإغاثة الطبية للعالم» لحشد مزيد من الدعم للفئات الفقيرة في العراق وجميع أنحاء العالم.
وبالتعاون مع المؤسسة التي يقع مقرها في ديترويت قامت غرمو بشحن ست حاويات من المعدات واللوازم الطبية إلى العراق. ولضمان نقل سلس للمعدات وتجاوز العقبات الجمركية، تابعت غرمو شخصياً خط سير كل حاوية إلى ان وصلت الى وجهتها النهائية، ولتعزيز الضغط على النظم البيروقراطية التي تتسبب بإبطاء العمل الخيري الذي تقوم به قامت غرمو بإشراك وسائل الإعلام المعنية بقضايا الاغاثة لتسريع عمليات الإغاثة.
وتعمل غرمو حالياً في قسم الإمدادات في مؤسسة الإغاثة الطبية حيث تشرف على مركز الفرز كما قامت بتوظيف منسق يسهر على تحسين نوعية وكمية واستمرارية الإمدادات الطبية التي يتم شحنها في حاويات إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، مصنفة ومعلبة. وكسفيرة للمؤسسة تحاول غرمو اليوم توفير المزيد من التكنولوجيات المتنقلة في الشرق الأوسط للمساعدة في الكشف عن الأمراض مبكراً مما يسهل علاجها.
«مؤسسة الإغاثة الطبية للعالم» هي منظمة خيرية غير ربحية مقرها في مدينة ديترويت. وتتمثل مهمتها في مساعدة الفقراء طبيا سواء منهم المحتاجين هنا محليا أو على مستوى العالم. وتقوم المؤسسة بجمع التبرعات المالية أو العينية، بما في ذلك معدات طب الأسنان والمواد المختبرية، كما تقوم كذلك بشراء وتوزيع المعدات. وقد أنفقت المؤسسة في عام 2005 أكثر من ١٨ مليون دولار على برامجها الخيرية، كما استطاعت في عام 2011 من انقاذ معدات وأجهزة طلبة بوزن 551960 باونداً (رطلاً) من الإتلاف، وساعدت على تحويلها إلى منتجات صالحة للاستعمال ولإنقاذ الحياة في أميركا والعالم.
كما قامت غرمو بحملات توعية للفت الأنطار للأدوية والمعدات الطبية المزورة التي تضخ الى العراق وتؤذي الأطفال بشكل أساسي، لاسيما آفة الانتشار الواسع للأدوية الوهمية والمنتهية الصلاحية في البلاد، والتي يدفع الناس ثمنها مع أنها تضر بهم، أو على الأقل لا تفيدهم. وقد تعاونت غرمو مع المسؤولين الحكوميين لمعالجة هذه الآفة ووضع الحلول المناسبة لمكافحتها خاصة بعد أن أدت إلى ولادة أطفال يعانون من أمراض خلقية.
وبالعودة الى تجربة غرمو الشخصية يمكن القول إن الشعور بآلام الآخرين بدأ يراودها منذ الصغر وكبر معها، فهي تتذكر لما كانت طفلة وكانت تشعر بالألم عندما ترى صور الأحداث المدمرة في وسائل الإعلام، ولكن عندما بدأت أحداث مماثلة تجري للعراقيين ولأقرب الناس منها، لم تستطع غرمو الاكتفاء بالجلوس والمشاهدة فقط. «منذ أن كنت طفلة كانت مشاهدة المعاناة الإنسانية تؤلمني فالصور التي تتناقلها الاخبار عن طفل ترك ليموت دون اغاثته، كانت تلك المشاهد تجعلني لا انام لأيام وليال وأسابيع. كيف يموت كل هؤلاء الناس ونحن لا نقدر أن نفعل أي شيء حيال ذلك»؟ ثم تضيف «لو كان مرضاً عضال لاستوعبت الأمر ولكن أمراض هؤلاء مقدور على معالجتها».
وقد أولت غرمو عناية خاصة بالأطفال حيث قامت بإرسال الهدايا والألعاب الى أطفال العراق الذين تأثروا بالحرب جسدياً ونفسياً. وقد أرادت بذلك أن تكون أمّا «لجميع الأطفال العراقيين الذين فقدوا سند والديهم». وإيماناً منها بدور الإعلام في توعية الناس بمآسي الآخرين أجرت غرمو العديد من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية وأخرى مع وكالات الأنباء، ولها أشرطة فيديو تثقيفية واخبارية وتوثيقية تعطي لمحة عن الآثار السلبية للحروب على المدنيين.
وإضافة الى دورها الخيري البارز الذي لفت الأنظار لمآسي الشعب العراقي فإن غرمو امرأة ناجحة تملك صيدلية «سايف مور» التي أسستها في مدينة فارمنغتون هيلز. والصيدلة المعروفة جدا بكونها واحدة من أبرز الصيدليات المتعددة اللغات في ديترويت، حيث تتوفر الخدمات باللغات الإنكليزية والعربية والكلدانية والروسية سواء في الصيدلية أو لخدمة التوصيل خارجها.
كل قصة نجاح تبدأ بحلم، ومنذ ريعان شبابها قررت غرمو أن تصبح طبيبة صحة عامة، وكان ذلك حلم عائلتها كذلك. وهي تعتقد ان اختيار مهنة الصيدلة في نهاية الأمر كان اختيارا أفضل، لأنه عمل أكثر مرونة من مهنة الطبيب، ويسمح لها أن يكون لها مزيد من الوقت لتحقيق جهودها الإنسانية. «لقد اخترت أن أصبح صيدلانية، والحمد لله على ذلك لأن حياة الطبيب تختلف كثيراً» ما كان سيمنعها من ترجمة إعجابها بالنساء اللواتي يقدن الجهود الإنسانية، فهي كانت تحلم دائماً بأن تقتفي خطاهن حيث تقول: «تمنيت دائماً أن أكون مثلهن، ولكني لم اعتقد انني سوف أصبح كذلك، ولكن إذا كان لديك حلم، مهما كان كبيراً، يمكنك دائماً ان تحققه إذا كنت تثق بنفسك.. وتأكد أنّ الناس سوف يؤمنون أيضاً بما تفعل».
كل مساعدة مالية او طبية مهما صغرت قد تساعد في اغاثة الناس هذا ما تعلمته غرمو من تجاربها العديدة التي لم تخل يوماً من القصص الحزينة. ففي إحدى المرات -حسب غرمو- قابلت أماً لأربعة أطفال مصابين جميعهم بالسرطان، كما شاهدت في العراق احد الممرضين يقوم باستعمال نفس إبرة الحقن بعد تطهيرها لما يقرب من 50 امرأة لأنه لم يكن لديه ما يكفي من الإمدادات الطبية، وتعجبت غرمو كيف يضطر لفعل ذلك وعلبة كاملة من الإبر تكلف ما لا يزيد عن 1،70 دولار. حينها صرخت بوجه الممرض «ماذا تفعل؟»، فأجابها «ماذا تريدين مني أن أفعل؟».
لم يمر المجهود الغزير الذي تبذله دون تكريم فقد حصلت غرمو على جوائز من عدة منظمات مثل جمعية حقوق الإنسان بالولايات المتحدة، والاتحاد العالمي لتعزيز السلام والوئام الديني في الولايات المتحدة والشرق الأوسط؛ كما اختيرت شخصية العام لسنة 2007 من قبل «الجمعية الطبية الوطنية العربية الأميركية»-فرع ميشيغن لدورها في إغاثة الأطفال في العراق، وفي عام 2011 كرمتها «الجمعية العراقية للعلوم الطبية» في منطقة ديترويت، وكذلك «الجمعية الطبية الآشورية».
العمل الإنساني والإغاثي لا يقتصر على جمع الأموال والتبرعات وإرسالها للمحتاجين بل يتطلب أيضاً زيارة بلاد منكوبة بالحروب، لذلك لم تتردد غرمو في القيام برحلات إلى العراق رغم التدهور الأمني، ولكنها تؤكد أن المخاطر الأمنية في بلاد الرافدين مبالغ فيها، لان أجزاء كثيرة من العراق تتمتع بالأمان نسبياً. «أنا أقول للناس يمكنكم الذهاب في مهمة والاستمتاع بها مهما كانت المخاطر».
ويُسجل لغرمو التزامها بخدمة الناس من جميع الخلفيات فهي لا تنظر لعقيدة الناس أو عرقهم أو دينهم «أذهب إلى حيث هناك حاجة ملحة للمساعدة. لا يمكنك اختيار لمن تقدم المساعدة».
فحسب غرمو لا بد للعاملين في حقل الإغاثة أن يتمتعوا بنظرة احترام الى كل الثقافات والاديان، وإضافة الى كونها سيدة أعمال ناجحة ومساعدة إنسانية، تنشط غرمو في جهود تعزيز الوحدة والتسامح بين الأديان وهي تقول في الامر «إذا كان أي شخص يكره الآخرين فهو شخص لا دين له ولا يعرف الله. الكراهية كلمة لا بد من اخراجها من داخلنا، حتى تجاه عدونا. لدي أصدقاء من جميع الخلفيات» تقول بفخر.
وتضيف انه «ليس من الضروري أن تكون لديك طاقة عالية أو لديك الكثير من المال لمساعدة المحتاجين. ليس من الضروري أن تكون طبيباً أو محامياً، إذا لم يكن لديك المال فلديك الوقت» لحث الناس على التبرع أو نشر الوعي حول اهمية نجدة المنكوبين والمحتاجين.
مساعدة الناس ليست مخصوصة بجنس ولا بأرض فهي معنية بإغاثة كل المحتاجين من شعوب الارض وهذا ما تعمل عليه غرمو من خلال منصبها الجديد في «مؤسسة الإغاثة الطبية» والذي يسمح لها بالذهاب إلى بلدان أخرى لتقديم المساعدة. «كنت أقوم فقط بالمساعدة في العراق، ولكن الآن هناك المزيد من البلدان التي تحتاج إلى المساعدة. بقدر ما تقدم لناس سيأتي يوم وتحتاج للآخرين» تقول غرمو التي تدعو كل من له رغبة في المساهمة في جهود الإغاثة أن يتواصل معها عبر البريد الالكتروني التالي: nidael1028@aol.com
Leave a Reply