المعارضة ترفض عرض تنحي الرئيس قبل نهاية العام ٢٠١١
صنعاء – تصدع نظام عبدالله صالح الذي يحكم اليمن من ٣٣ عاماً بصورة دراماتيكية خلال الأسبوع الماضي، وصلت لدرجة التفكك والانهيار. وأصبح صالح عاجزاً عن استيعاب الضغوط الشعبية المتزايدة لإسقاطه مع انشقاقات كبيرة في الجيش والحزب الحاكم، طارحاً تسويات سياسية متأخرة جوبهت برفض المعارضة. ولم يبق في جعبة صالح بعد أكثر من شهر على التظاهرات الكبيرة التي تعم معظم أنحاء البلاد غير التلويح بالحرب الأهلية والتقسيم الى ثلاثة اجزاء إذا أُجبر على التنحي عن السلطة، وذلك غداة أول اشتباكات بين الجيش والحرس الجمهوري شمالي البلاد، وانضمام المزيد من القادة العسكريين الى “ثورة الشباب”.
وفي خطوة استباقية لاحتجاجات “جمعة الرحيل” الواسعة (مع صدور هذا العدد) للمطالبة باسقاط النظام اليمني، لجأ الرئيس صالح، الى مبادرات اللحظة الاخيرة مع اعلان موافقته على وثيقة من 5 نقاط، رفضتها المعارضة، تقضي باجراء انتخابات برلمانية ومغادرته السلطة قبل نهاية العام الحالي. واتت خطوة صالح بعدما أقرّ البرلمان اليمني بشبه إجماع وانما بعدد محدود من النواب الحاضرين حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما، وسط تقلص كبير للغالبية الداعمة للرئيس في البرلمان، قبل ان تطعن المعارضة في نصاب وشرعية الجلسة مشددة على استحالة تطبيق حالة الطوارئ.
ويخشى المتظاهرون أن تأخذ الثورة اليمنية منحى عسكريا، مشابها للثورة الليبية، وهو ما قد يكون صالح يسعى اليه، وقد سيطر العسكريون المناوئون لصالح بالكامل على الجوف، لتكون أول محافظة تقع تماما في أيديهم، وسط تجدد لصدامات الحرس الجمهوري والجيش في المكلا.
في هذه الاثناء، عبّر وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس عن موقف متردد ازاء الاحتجاجات المطالبة بتنحية صالح. وقال للصحافيين في القاهرة إن “نتيجة الاضطرابات في اليمن ما زالت غير واضحة”، مضيفا “من الجلي أن انعدام الاستقرار كبير في اليمن. ما زال الوقت مبكرا لتوقع مسار الامور”.
وكانت الولايات المتحدة اعربت عن قلقها، حيال تداعيات الاضطرابات السارية على مكافحة “القاعدة” في جزيرة العرب. وقال غيتس “من الواضح أنه لا يوجد قدر كبير من الرضا داخل اليمن. أعتقد أننا سنواصل متابعة الموقف. لم نضع أي خطط لفترة ما بعد صالح”.
ورفضت المعارضة اليمنية مقترَحا مكتوبا وصلها من صالح وينص على تنحيه عن السلطة قبل نهاية العام الحالي، حسبما افاد مصدر من المعارضة وآخر مقرب من الرئيس. وقال المصدر المقرب من صالح إن “وثيقة ارسلت مع وسطاء الى الاحزاب المعارضة” ليكون بذلك مقترح الرئيس مغادرة السلطة قبل انتهاء ولايته رسميا. ويوافق صالح في هذه الوثيقة على خمس نقاط سبق ان رفضها، وتنص على “تشكيل حكومة وفاق وطني تكون مهمتها تشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور جديد للبلاد، وصياغة قانون للانتخابات والاستفتاء على اساس القائمة النسبية”، فضلا عن “تشكيل اللجنة العليا للانتخاب والاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات البرلمانية، على ان يقوم البرلمان الجديد بتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة في نهاية العام 2011”.
ومن جهته، اقرّ البرلمان اليمني حالة الطوارئ التي اعلنها صالح لمدة ثلاثين يوما، وسط تقلص كبير للاغلبية الداعمة للرئيس في البرلمان. وحضر جلسة البرلمان 164 نائبا من أصل 301 بحسب السلطات، وصوّت 162 منهم لصالح القرار، حسبما افاد مراسلون استنادا الى ما اعلن رسميا في البرلمان. ويظهر التصويت تراجع تأييد الرئيس الذي كان يحظى بدعم 240 نائبا قبل بدء الحركة الاحتجاجية المطالبة برحيله في نهاية كانون الثاني الماضي.
واكدت مصادر برلمانية ان اكثر من 50 نائبا انشقوا عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وقاطعوا الجلسة مع باقي النواب المعارضين والمستقلين. وبرر نائب لم يصوت لصالح القرار موقفه بغياب وجود قانون للطوارئ وبارتكاز التصويت على قانون كان يسري في شمال اليمن قبل الوحدة مع الجنوب، فيما طالب نائب اخر بمحاسبة المسؤولين عن “المجازر” بحق المعتصمين قبل التصويت على الطوارئ. وكان صالح اعلن في 18 اذار الحالي حالة الطوارئ بعد مقتل 52 متظاهرا امام جامعة صنعاء.
مبادرة صالح.. الأخيرة
وعشية “جمعة الرحيل” كمقدّمة لزحف المتظاهرين إلى القصر الجمهوري، أعلن الرئيس صالح، خلال اجتماع لقيادات الجيش الموالين له في صنعاء، انه سيدافع عن “الشرعية بكل الوسائل الممكنة”، متعهداً بنقل السلطة سلمياً، من دون تحديد الموعد أو الشروط.
وعلى وقع انضمام عشرات الضباط إلى معسكر “شباب الثورة”، قال شهود في حضرموت جنوبي البلاد إن “اشتباكات وقعت بين قوات الحرس الجمهوري والجيش في مدينة المكلا”،
وذكرت وكالة “سبأ” إن صالح ترأس، في صنعاء، اجتماعاً لكبار قادة القوات المسلحة والأمن، “أكد خلاله القادة أن أبناء القوات المسلحة والأمن سيكونون أوفياء للقسم الذي أقسموه في الحفاظ على الوطن وأمنه واستقراره ووحدته وحماية مكاسب الشعب”، مشددين على أن “المؤسسة العسكرية والأمنية ستكون سنداً قوياً للشرعية الدستورية والى جانب القيادة السياسية بزعامة صالح وستضطلع بمهامها وواجباتها في التصدي لكل المشاريع الهادفة إلى تمزيق الوطن أو المساس بأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي أو بالديموقراطية والشرعية الدستورية”.
وقال صالح إن “المشاريع الانفصالية بدأت تطل برأسها في بعض المحافظات الجنوبية، وكذلك المشاريع الإمامية بدأت تظهر وفقاً لما حدث في الجوف وصعدة ومأرب وبعض المديريات، وهذا مشروع إمامي انفصالي بالتكاتف والتعاون مع أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) وتنظيم القاعدة. وهنا تكمن الخطورة”.
وأعلن صالح انه سيدافع عن نفسه “بكل الوسائل الممكنة”. وقال “سنتمسك بالشرعية الدستورية، ونحافظ على أمن واستقلال وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية بكل الوسائل الممكنة”. وانتقد المعارضة البرلمانية التي تؤجج التظاهرات الشعبية، معتبراً انه “حتى لو دخلنا معهم الآن في أي تفاهم، سيكون الوضع أسوأ مما هو عليه”. وعرض صالح العفو عن العسكريين الذين انشقوا وانضموا للمعارضة ودعوا إلى استقالته.
ورداً على إطلاق المتظاهرين “جمعة الرحيل” والزحف إلى القصر الجمهوري، دعا صالح أنصاره إلى التجمع في ساحة قريبة من القصر الجمهوري الذي يبعد بضعة كيلومترات عن وسط صنعاء.
وتعهّد صالح بنقل السلطة سلمياً لكنه لم يعط أي إشارة بخصوص الموعد أو الشروط. وقال “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقدم السلطة والنظام نفسها للمشنقة. في كل الأحوال تعالوا للحوار السياسي وننتقل بالسلطة سلمياً عن طريق المؤسسات الدستورية”.
وكان العضو في “اللجنة السياسية لشباب الثورة” رشاد الشرعبي أعلن انه “لم يعد اي تنازل مقبول غير الرحيل، ونحن نجري مشاورات حول آلية انتقال السلطة سلمياً”. وكان الشرعبي يردّ على إعلان صالح موافقته على التنحي عن السلطة قبل نهاية العام الحالي، وهو ما رفضته الأحزاب المعارضة ايضا مطالبة الرئيس بالرحيل الفوري.
وأعلن قادة عسكريون جدد انضمامهم إلى “ثورة الشباب” أمام المعتصمين في صنعاء منذ 21 شباط الماضي، في وقت يجري اللواء علي محسن، قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، الذي كان يُعدّ من أهم أعمدة النظام وانضمّ مؤخراً للمعتصمين، مشاورات لتشكيل مجلس انتقالي، بحسب ما أكد مطلعون على هذه المشاورات.
Leave a Reply