إذا كان كلام قرقعة السلاح الغربي ضد سوريا وقرع طبول الحرب من فضَّة، فصَمْت المقاومة في لبنان هو من ألماس!
ولا كلمة واحدة صدرت عن «حزب الله» أو أي مسؤول فيه حول العدوان الغربي على سوريا الذي يُهيِّء له الثلاثي الجديد الأميركي والبريطاني والفرنسي. يكاد صُنَّاع القرار يموتون ترقُّباً لمعرفة رد فعل المقاومة في حال حصل العدوان الذي يسميه الإعلام اللبناني والعربي «ضربة عسكرية» من أجل إعطاء الصبغة «الشرعية» والقانونية والتبريرية عليه بقصدٍ أو بغير قصد. وهكذا تلعب المقاومة أوراقها بذكاء وتتقصَّد الغموض في ردَّ فعلها من أجل زيادة التكهُّنات والاحتمالات في حين تقف جاهزةً وعلى أهبة الاستعداد بشكلٍ أكثر من أي يومٍ مضى في تاريخها.
وربما يكون هذا السكوت المتعمَّد هو أحد عوامل تأخيرالعدوان على سوريا بعد أن كان الخبر اليقين عند إسرائيل بأن ساعات تفصلنا عن موعد «الضربات العسكرية» الأميركية التي أُعلن عنها بداية هذا الأسبوع وحتى قبل أن يبدأ فريق مفتشي الامم المتحدة تحقيقهم حول «فيلم» الأسلحة الكيميائية الذي استخدمته المعارضة، ثم بدأ الغرب بالتراجع والتسويف. سبب التراجع هو ليس بسبب معارضة الرأي العام الغربي للعدوان وليس الإدِّعاء بحماية المدنيين، هذه الكذبة التي يريدنا الغرب أنْ نصدِّقها وها هي إدارة رونالد ريغان قد ساعدت صدَّام حسين على استخدام الكيماوي في حربه ضد إيران وضد الأكراد في «حلبجة» فلم يرف للغرب جفن. وسبب التراجع ليس إستحالة إصدار قرار دولي من الأُمم المتَّحدة لإعطاء المشروعية الدولية على العدوان فجورج بوش الكذَّاب لم تهمُّه لا الأُمم المتحدة ولا مجلس الأمن قبل أنْ يشنَّ حربه المدمِّرة على العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل.
سبب التأخُّر أفصح عنه باراك حسين أوباما بأنه النفط وأمن إسرائيل وهذان العنصران سوف يتعرَّضان لأشد الخطر إذا حصل العدوان الأميركي على سوريا لأنَّ ظروفه لا تشبه أي ظروف مماثلة لا في كوسوفو ولا في ليبيا ولا في اليمن ولا في العراق. ولم يساعد أبداً تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلِّم بأن بلاده تمتلك المفاجآٓت وسوف تردُّ على العدوان وتدافع عن نفسها وتضرب رأس الفتنة إسرائيل، ولا تلميح مرشد الثورة الإسلامية في ايران بحصول كارثة قد تحرق مصادر النفط الحيوية للغرب . فالحرب على سوريا لن تكون نزهة إذا نزلت آلاف الصواريخ على تل أبيب رغم رد فعل إسرائيل العنيف لأن لسان حال القيادة السورية سيكون «علي وعلى أعدائي يا رب» بما أن سوريا في حالة حرب منذ أكثر من سنتين، أو إذا قرَّرتْ المقاومة التسلُّل الى الجليل الأعلى أو إذا اشتعلتْ جبهة الجولان أو إذا توسَّعتْ المعركة لتشمل الأردن الذي رضخ للابتزاز السعودي أخيراً وأصبح رأس حربة ضد سوريا رغم عدائه لـ«الاخوان المسلمين» وحقيقة أن َّمعظم مياه الشرب تأتيه من الجار السوري، أو إذا امتدَّتْ السنة لهيب الحرب الى عواصم خليجية مؤيدة بشدَّة للعدوان الغربي. فأميركا قد تبدأ الطلقة الأولى ولكنَّها لن تتحكم بالنتيجة والعواقب الكارثيَّة. كل هذه الإحتمالات قد تكون على طاولة الغرب لكن الذي يؤذيه أكثر هو الخوف على إسرائيل فقط لا العرب ولا من شدَّ مشدَّهم. وقد استشهد أطفالٌ بالآٓلاف في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان في حروبٍ شنَّتها إسرائيل واستخدمت فيها كل الأسلحة المحرَّمة دولياً، فلم يهدِّد الغرب وأميركا بالويل والثبور وعظائم الأمور يومها كما يذرف دموع التماسيح اليوم على السوريين ويتحالف مع رأس الإرهاب التكفيري العالمي!
والذي يثير القرف أكثر هو موقف الدول الخليجية وخصوصاً السعودية التي حوَّل بندرها المعركة الى معركة حياة أو موت مما يعني أن أي إنتصار سوري سوف يؤدِّي حتماً وطَرداً الى هزيمة سعودية نكراء قد لا يتحمَّل النظام الملكي تبعاتها. وهذا ما يفسِّر التناقض المريع في دعم السعودية للحكم الجديد في مصر ضد جماعة «الاخوان المسلمين»، عكس إرادة الموقف الأميركي، وتبنيها للتكفيريين في سوريا وهم فرعٌ من «الاخوان» و«القاعدة»! وهكذا موقف الإمارات المستميتة ضد «الاخوان» والآن ضد أردوغان العثماني، والمتَّفقة معه ومع أشباه «الاخوان» في سوريا! مما يفسِّر حجم المؤامرة الكبرى على دمشق والمقاومة وذلك من خلال قراربندر بإحراق لبنان أمنيَّاً ومذهبياً. فبندرالعارف بأهمية ووزن مصر يريد تحييدها عن الوقوف في وجه عدوان غربي سافر على نطاقها الحيوي في سوريا وقد تمَّ فعلاً في جامعة الدول العربية تمرير صك براءة وضوء أخضر للعدوان من دون تدخُّل مصرالمشغولة والمنهوكة بمصيبة «الاخوان». لقد أصاب الشاعر العراقي مظفَّر النوَّاب عندما وصف القمم العربية بالقول «قمم قمم قمم، مِعزى على غَنَم»!
كان المفروض أن نتحدَّث في هذا المقال عن سماحة الإمام المغيَّب السيِّد موسى الصدر الذي تُصادف هذه الأيام المناسبة السنوية الخامسة والثلاثين لإخفائه على يد الطاغية المقتول مُعمَّر القذَّافي، لكن الحكَّام الطواغيت الجُدُد في ليبيا، والذي كان معظمهم جزءاً من نظامه المأفون، هم أكثر إجراماً بسبب إستمرار مؤامرتهم بعدم الكشف الشفَّاف والواضح عن مصير الإمام القائد الذي لم يُظلم أحدٌ مثله في العالم والذي قصَّرالجميع في متابعة قضيته العادلة بكل الوسائل المتاحة والممكنة وحتى غير الممكنة، إلى أنْ وصلنا الى هذه المرحلة من إستمرار الغموض في قضيته والترقُّب والقلق والغضب واليأس بعد ٣٥ سنة! نتذكَّر هذا القائد الفذ العظيم مرةً في كل دورة سنوية، بل ساعاتٍ قليلة ثم نعود إلى ممارسة حياتنا الطبيعية ويصبح ذكرى السيِّد أثراً بعد عين بانتظار العام المقبل! هذا القائد، أفغاني ومصلح هذا العصر، لا يستأهل هذا المصير القاتم ولا هذا الاهتمام الموسمي (السويعاتي) بقضيته. فلماذا لا يُوضع النظام الليبي، صاحب الجذور القذَّافية، بحزمٍ أمام مسؤولياته عبرالتهديد والوعيد والإنذار والدبلوماسيَّة وكل الأسلحة المُتاحة، ولماذا لا يُستجوب إبن الطاغية المجرم «سيف على الاسلام» ورئيس مخابراته السفاح السنوسي، حول مصيرالإمام وهما يمتلكان كل المعلومات؟!
الحديث عن سماحة الإمام الصدر مناسبٌ اليوم في هذه الأجواء الملبَّدة بالعدوان وهو الذي وضع إرهاصات المقاومة الشعبية وحذَّرمن شَرور العدو الإسرائيلي ومخطَّطاته ومن الفتنة في لبنان وضَرْب التعايش، ووضَع أسس العلاقة الاستراتيجية مع سوريا كدولة ممانِعة ومواجِهة. لقد حذَّرَنا سماحته من أمور كثيرة تحصل اليوم ونحن نرى تكالب العرب في نهْش لحم بعضهم فنسوا العدو الصهيوني التاريخي بل تحالفوا معه، ونرى أبواق الفتنة المنتشية بالدم البريء المراق في الضاحية وطرابلس من أمثال الأسير والظاهر والرافعي وفستق والشهَّال و«مُعيب» المرعبي، يمدّون نار المذهبية بالحطب والوقود. لقد نبَّه الإمام الصدر اللبنانيين مرَّاتٍ عدَّة من أشباه هؤلاء في جماعة «١٤ آذار»، وطلب من الجميع الحفاظ على وطنهم وإلا فتَّشوا عنه في مقابر التاريخ!
ما أظلم غيابك سماحة الإمام في هذا الظرف المصيري العصيب، ففي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدرُ!
Leave a Reply