إذا الحب اوما إليكم فاتبعوه
وإذا الحب لفّكم بجناحيه فاطمئنوا اليه
وإذا الحب خاطبكم فصدقوه
جبران خليل جبران
بهذه الكلمات الرائعة وبصوت فيروز الملائكي بدأ الأستاذ سمير حداد فيلمه التسجيلي الثقافي «الثقافة والإيمان». حيث تأخذك الكلمات إلى هالة من الروحانية الإنسانية، التي يفتقدها الآن عالمنا اليوم. عالم النفاق وارتكاب الكبائر والصغائر. وتفشي الرذيلة والغرائز البهيمية وإنحلال القيم الأخلاقية، وتشرذم الدين، إلى معتقدات تكفيرية، تتحكم بمصائر الكثير من البشر، وراء ستار كثيف من الأكاذيب والخزعبلات وفتاوي زمن عاد وثمود.
عبر سلسلة أفلام ثقافية إجتماعية وبمؤازرة مؤسسة «السبيل للإعلام» يسعى الأستاذ سمير حداد، لتسليط الضوء على نماذج إنسانية حية. أناس عاديين أو روحيين. كل واحد منهم يحمل معه منذ ولادته، شخصية ومهارة ومواهب خاصة به وحده، ويؤمن ويمارس شعائر دينية تختلف كلياً عن الآخر.
وينقل الفيلم علاقة الصداقة، حتى الأخوة بين قس مسيحي، الأب حنا سولاقا، وشيخ مسلم، السيد طالب السنجري، تجمعهما علاقة سامية وبدون تعصب ديني، وتزيدها رونقاً لغة حضارية محترمة واعية تستوعب الآخر ولا تنفيه وتحرك في السامع أو المشاهد، المشاعر الإيجابية للتسامح والرحمة والإحسان، لأن الله محبة.
النموذج الرائع الثاني في الفيلم، ينقلنا الى الأردن، حيث يضيء المخرج على العلاقة الإنسانية بين دكتور جامعي يتحلى بثقافة راقية، ومواطن عادي يفيض قلبه محبة وإخلاصاً في القول والعمل.
رغم إنتمائهما الديني المختلف، تمكنا بجهودهما الخلاقة والفريد، أن يؤسّسا متحفاً للتراث الشعبي في مدينة الحصن تحول الى مقصد للزوار والسياح، وساهم في إزدهار المدينة ونموها وجعلها محطة على قائمة الوفود الرسمية التي تزور المملكة.
مشاهد جميلة ولقاءات بسيطة صادقة تدخل الفرح للقلب ويتمنى لو تعم بلاد الشرق التي تعاني من عصابات الجهل والتكفير. الإنسان في عالم اليوم ليس بحاجة إلى نظريات وفلسفات، لتساعده على مواجهة ما يعانيه من قسوة الحياة وويلات الدنيا ومآسيها، إنما هو بحاجة إلى المشاعر الإنسانية والقلوب الدافئة والعقل الواعي والنيات الحسنة. ولا سبيل إلى ذلك كله إلا بالمحبة.
فيلم الأستاذ حداد ذكرني بالضبط بما سمعته من حوارٍ جرى بين فلاح مسنّ في بلدتي الجنوبية، كان يتعامل مع مهندس زراعي مسيحي. ونشأت صداقة وحسن معاملة بين الإثنين. ولشدة إعجاب الفلاح ومحبته لذلك المهندس، قال له في يوم كان يتناول العشاء معه: والله إني أحبك يا حضرة المهندس وأتمنى لك الخير، ويعز علي أن يكون إنسان مثلك غير مؤمن!
غير أن لا المهندس تزحزح عن عقيدته ولا الفلاح توقف عن محبته.
المحبة نهر من الرحمة والتواضع، من تناله بضع نقاط منه، تنقيه وتصفيه وتجعل لوجوده معنى نبيلاً. أما الظلام، ورغم سطوته ووحشته، فشمعة صغيرة تهزمه وتنشر الضوء على امتداده، وهذا ما قصده الأستاذ سمير حداد في فيلمه: بالمحبة وحدها يسعد البشر!!.
Leave a Reply