لويفيل – «صدى الوطن»
توفي محمد علي كلاي اسطورة الملاكمة الاميركي صباح السبت الماضي عن 74 عاماً في فينيكس (أريزونا) بعدما خسر معركته الطويلة والأخيرة مع مرض الشلل الرعاش (باركنسون).
حكاية الراحل الأسطورة بدأت عندما قرر ابن الـ12 عاماً، كاسيوس كلاي، ذات يومٍ من العام 1954، أن ينتقم من سارق دراجته الهوائية، لكنه لم يكن يَدْري أن طريق الملاكمة التي سلكها للدفاع عن النفس ستحمله إلى عالم الشهرة والأضواء.
كان جلَّ ما يريده، أن يكون بطلاً، وأن يتحرر. وعندما تخلّى عن اسم «العبودية» لاحقاً، ليصبح محمد علي كلاي، كان الإسلام بالنسبة له محطة من محطات هذه الطريق الطويلة نحو التحرر، طريقاً بأوجه كثيرة، «ضرب» في كل زاوية منها عبرةً، ليصبح «الأعظم» الذي لن يكون هناك مثله، و«الأسطورة» الرياضية والثقافية والإنسانية التي لن تتكرّر.
وبعد صراعٍ طويل مع المرض دام 32 عاماً، سقط محمد علي كلاي أمام داء «باركنسون» بالضربة القاضية، معلناً نهاية رجل أثار إعجاب محبّيه وأعدائه في آن، والجدل كذلك، بدءاً من تحوله إلى الإسلام، وليس انتهاءً بدعواته إلى التحرر ومواقفه الثابتة التي لم تتزحزح، خصوصاً لرفضه الحروب التي شنتها الولايات المتحدة من فيتنام الى العراق، ومناصرته الدائمة للقضية الفلسطينية ومناهضة العنصرية والصهيونية.
توفي كلاي، الذي كان من أبرز شخصيات القرن العشرين في عالم الرياضة، مساء الجمعة الماضي، عن عمر 74 عاماً، محاطاً بعائلته وأقربائه، بمن فيهم أبناؤه التسعة.
مراسم دفن الأسطورة
وتستعدّ مدينة لويفيل في ولاية كنتاكي الأميركية لمراسم دفن الأسطورة الراحل، يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد). وأعلنت عائلته أن التأبين سيتم في ملعب رياضي، إفساحاً في المجال لمشاركة أكبر عدد من الأشخاص.
وستنظمّ مراسم متعددة الديانات يترأسها رجل دين مسلم، بحسب ما طلب كلاي، وسيحضرها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، صديق أسطورة الملاكمة، والذي سيلقي خطاب وداعه.
كما من المقرر أن يلقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان والممثل الكوميدي بيلي كريستال، كلمات في مراسم تأبين محمد علي.
وأعلن بوب جونيل، المتحدث باسم عائلة محمد علي، الاثنين الماضي، تفاصيل جنازة بطل العالم السابق في الملاكمة، حيث جرى توزيع أكثر من 30 ألف تذكرة على الجمهور لحضور حفل التأبين في لويفيل، مسقط رأس محمد علي.
وأعلن المتحدث باسم عائلة كلاي، أن الممثل الأميركي الشهير ويل سميث، وبطل العالم في الملاكمة لينوكس لويس، سيشاركان في حمل نعش محمد علي كلاي إلى مثواه الأخير.
وقال شقيق محمد علي كلاي الوحيد رودولف الذي غيّر اسمه إلى رحمان لاعتناقه الإسلام، في العام 2013 لصحيفة «صن» البريطانية، أن شقيقه أوصاه بدفنه قرب والديه في مدينة لويفيل إذا ما توفي قبله، وأن يحفروا على شاهدة قبره عبارات للقسيس الأميركي الراحل قتيلاً في 1968، مارتن لوثر كينغ: «حاولت أن أحب أحداً. أن أحب الإنسانية وأخدمها. حاولت فعلاً أن أطعم الجياع وأكسو العراة».
سيرة بطل
كاسيوس كلاي، هو حفيدٌ لعبد، ولد في لويفيل، وأصرّ فيها على تعلّم الملاكمة، عندما كان لا يزال طفلاً، لينتقم من مجهولٍ سرق دراجته.
وبسرعة، أخذ يحقق بفضل قوة قبضتيه، النصر تلو الآخر، وأصبح بطل دورة الألعاب الأولمبية في روما في 1960، ثم بطل العالم في 1964 بفوزه على سوني لينستون في الجولة السابعة.
غداة ذلك، قرّر تغيير اسمه إلى «كاسيوس أكس» تيمّناً بزعيم «المسلمين السود»، «مالكولم أكس». وبعد شهر، اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى محمد علي وقال حينها: «كاسيوس كلاي هو اسم عبد. أنا لم أختره ولم أرغب فيه. أنا محمد علي، اسم حر، وأنا أصر على أن يستخدمه الجميع عندما يتحدثون إلي أو عني». وبعدما أصبح بطل العالم بلا منازع في الوزن الثقيل، صدم الرجل «الأعظم»، كما كان يصف نفسه، الولايات المتحدة في 1967، برفضه أداء الخدمة العسكرية والقتال في فيتنام.
إثر ذلك، سُجن وجُرّد من الألقاب التي حصل عليها، ومُنع من ممارسة الملاكمة لثلاث سنوات ونصف السنة.
اصبح محمد علي مجدداً بطل العالم في 1974 بفوزه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة على جورج فورمان في ما اطلق عليه تسمية «معركة في الأدغال» في كينشاسا، عاصمة زائير.
وخسر لقبه بالنقاط أمام ليون سبينكس في شباط العام 1978، ثم استعاده في أيلول (سبتمبر) من السنة ذاتها. واعتزل في 1979، لكنه اضطر للعودة الى الحلبة بعد سنتين بسبب إساءته إدارة ثروته. وفي العام 1981، مُني بهزيمة ساحقة أمام مواطنه لاري هولمز، كما هُزم في السنة ذاتها، امام تريفور بيربيك، وكانت تلك آخر مباراة يخوضها.
وتوقف كلاي عن اللعب نهائياً بعد 56 فوزاً في 61 مباراة، بينها 22 في بطولة للعالم و37 بالضربة الفنية القاضية. في العام 2005، منح وسام الحرية الرئاسي، وهو أرفع وسـام مدني في الولايات المتحدة.
دافع محمد علي كلاي عن القضية الفلسطينية وناصر العرب في قضيتهم ضد إسرائيل. ولطالما ردد أن «أميركا هي معقل الصهيونية وراعيها الأكبر».
من أقوال محمد علي
– «طر مثل الفراشة، والسع كالنحلة. لا يمكن ليديك أن تضرب بينما لا ترى بعينيك» – قبل نزاله أمام فورمان عام 1974.
– «أنا لست الأعظم، أنا أعظم العظماء. أنا لا أقوم بهزيمتهم فقط، بل أختار الجولة التي أهزمهم فيها».
– «من الصعب أن تكون متواضعاً، عندما تكون بمثل عظمتي».
– «هدفي هو أن تصبح أميركا الأعظم، لذلك أهزم الروسي والبولندي، لتفوز الولايات المتحدة بالميدالية الذهبية» قالها بعد فوزه بالميدالية الذهبية في أولمبياد روما عام 1960.
– «انها مجرد وظيفة. ينمو العشب، والطيور تطير، والموج يقصف الرمال، وأنا أضرب الناس».
– «عش كل يوم كأنه آخر يوم، لأن ذلك سيصبح حقيقياً في يوم ما».
– «الرجل الذي يرى العالم في الخمسين من عمره بنفس الطريقة التي رآه بها في العشرين هو رجل أضاع ثلاثين عاماً من حياته».
– «لقد تصارعت مع تمساح، وتصارعت مع حوت، كبلت البرق، وألقيت بالرعد في السجن. الأسبوع الماضي قتلت صخرة، وأصبت حجراً، وأدخلت طوبة إلى المستشفى، أنا لئيم لدرجة أنني جعلت الدواء مريضاً» قبل مباراته التاريخية في الغابة في زائير عام 1974 أمام جورج فورمان.
– «الملاكمة هي عبارة عن كثير من الرجال البيض يشاهدون رجلين من السود يضربان بعضهما البعض».
– «كرهت كل لحظة من التدريب ولكني كنت أقول: لا تستسلم، اتعب الآن ثم عش بطلاً بقية حياتك».
– «فقط الرجل الذي يعرف ما تعنيه الهزيمة يمكنه أن يغوص في أعماق روحه ويستخرج منها قوة إضافية ليفوز».
– «ليست هناك متعة في القتال ولكن المتعة تكمن في الفوز».
– «لو فكرت حتى ولو في الأحلام أن تهزمني فعليك أن تستيقظ من حلمك وتعتذر لي».
– «أنا أميركا. أنا الجزء الذي لن تعترف به، ولكن تعوَّد علي. أسود، واثق، مغرور، اسمي ليس باسمك، وديني ليس دينك، أهدافي تخصني، اعتد عليّ» قالها علي عام 1970 عندما اتُهِم بالتهرب من الخدمة العسكرية.
-المسلمون الأميركيون ينعون بطلهم
نيويورك - بوفاة الملاكم الأسطوري محمد علي ربما يكون مسلمو الولايات المتحدة فقدوا بطلهم الأعظم وسفير النوايا الحسنة للإسلام في دولة تعاني فيها الأقلية المسلمة من سوء الفهم وعدم الثقة.
وبدءا من الاضطرابات المتعلقة بالحقوق المدنية وحركات المسلمين السود في ستينات القرن الماضي وصولا إلى كارثة «11 أيلول» ظل علي بطلا في نظر المسلمين الأميركيين وغيرهم بالولايات المتحدة.
وأشاد المسلمون بالملاكم الراحل كبطل للعدالة الاجتماعية ونصير دائم للأعمال الخيرية ومناهض للحرب الأميركية على فيتنام.
وعلاوة على ذلك يقولون إنه كان مسلماً أثار إعجاب مجتمع غالبيته من المسيحيين رغم أنه صدم كثيرين منهم بانضمامه إلى جماعة «أمة الإسلام».
وقال وارث دين محمد الثاني نجل الزعيم السابق للجماعة في بيان «عندما ننظر في تاريخ مجتمع الأميركيين الأفارقة يبرز محمد علي كأحد العناصر المهمة في نشر الإسلام في أميركا».
ومع وجود نحو 3.3 مليون مسلم في الولايات المتحدة يشكل المسلمون نحو واحد بالمئة من عدد السكان معظمهم مهاجرون وأميركيون أفارقة اعتنقوا الإسلام، بحسب وكالة «رويترز».
لكن محمد علي حظي بالتبجيل على نطاق واسع. ومع ذلك فإن تصريحاته الجريئة المناوئة لتفوق البيض ورفضه لتبني نموذج مارتن لوثر كينغ، بدل «مالكولم أكس» جعلته عرضة لانتقادات جاءت معظمها من البيض وأيضا من بعض السود.
وقال فرانك جوريدي أستاذ التاريخ المساعد الزائر بجامعة كولومبيا «إن طهارة صورة علي في الأعوام الأخيرة جعلت كثيرين ينسون تعرضه للسباب خلال ستينات القرن الماضي بسبب اعتناقه الإسلام ورفضه التجنيد في صفوف القوات المسلحة الأميركية».
وأضاف «كان يُنظر إليه على أنه خائن للولايات المتحدة الأميركية». وقال نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية «محمد علي كان هدية من الله.. ليس فقط للمسلمين بل للعالم كله».
Leave a Reply