محمد العزير
«تاريخ المجتمع العربي الأميركي وسيرته محبوكان بعمق في النسيج المتنوع لأميركا. في الشهر الوطني للتراث العربي الأميركي، أشكر هذا المجتمع لكل ما فعله لمساعدتنا في التقدم إلى الأمام ولتمثيله أفضل ما نحن عليه».
من رسالة الرئيس جوزيف بايدن احتفاءً بشهر نيسان (أبريل)، الشهر الوطني للتراث العربي الأميركي.
جميل في غمرة الأحداث والتطورات المثيرة محليا ودولياً، أن تتذكر أميركا، وعلى أعلى مستوياتها، العرب الأميركيين كمجتمع جدير بالتنويه وأن تخصص له شهراً للاحتفال بتراثه وإسهاماته في العالم الجديد. للمرة الأولى يتم الإعلان الرسمي عن تخصيص نيسان (أبريل) من كل سنة كشهر عربي أميركي، بعدما كان ذلك في السابق، يتم بتقطع ومن خلال إعلانات غير تشريعية تصدر عن أحد مجلسي الكونغرس أو قرارات رئاسية رمزية تسمي يوماً للعرب الأميركيين.
صدر القرار الأول من هذا النوع في السنة الأخيرة من عهد جورج بوش الأب عام 1992، وسمّى الخامس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام يوماً عربياً أميركياً. ومنذ ذلك التاريخ، مرّت على العرب الأميركيين أحوال وأهوال ومنعطفات؛ من اتفاقيات أوسلو عام 1993 التي زعزعت بعمق، مركزية قضية فلسطين وأخرجت فئات وازنة من سياق العمل الجماعي في اتجاهين، الأول يبحث عن مغانم ظرفية في كيان سياسي وليد، والثاني يبحث عن طرق عالية النبرة للتعبير عن رفضه، إلى ذروة الحضور السياسي والإعلامي في انتخابات العام 2000، حين أصبح الصوت العربي الأميركي في الانتخابات مقصد مرشحي الرئاسة الذين زاروا بأنفسهم ومن خلال حملاتهم، مدينة ديربورن في ولاية ميشيغن رمز الحضور العربي الأميركي طلباً للتأييد في ولاية متأرجحة الولاء بين الجمهوريين والديمقراطيين، ثم نكسة الهجمات الإرهابية في 11 أيلول 2001، وما تبعها من حروب انتقامية في العراق وتحت مسمى «الحرب على الإرهاب» التي أعادت العرب إلى عين عاصفة التمييز والكراهية ومنحت خصومهم (ذوي النفوذ الهائل والأهداف المريبة) مجالاً رحباً للتصويب عليهم ووسّمهم بالإرهاب وعدم الولاء، دافعة إياهم إلى الأحضان «الخبيثة» للمؤسسة الدينية غير القادرة على الخروج من عباءة البدائية… حتى استعاد جيل جديد من العرب الأميركيين زمام المبادرة وحقق في السنوات القليلة الماضية الكثير مما يجدر النظر اليه باعتزاز.
لم يكن ينقص إعلان أبريل شهراً عربياً أميركياً ليتحول إلى حدث مرموق سوى مواكبة عربية أميركية إعلامية واجتماعية وثقافية، للأسف لم تكن موجودة إلّا في أضيق الحدود. لكن الأسباب التخفيفية موجودة ومرعية هذه المرة، إذ جاء الإعلان دون تمهيد إعلامي وافٍ كونه الأول من نوعه، وصودف تزامنه مع شهر رمضان الذي يشغل قسماً كبيراً من العرب الأميركيين، وفي ظل انشغال العالم ككل بالحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا وتداعياتها، وقبل كل ذلك الانشغال العام المفهوم بهموم الوطن الأم ومآسيه من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والتي يمثل المهاجرون منها مجتمعة، الأكثرية الساحقة من العرب الأميركيين.
رغم ذلك، ينبغي أن يكون الإعلان مدعاة احتفال واحتفاء. مناسبات من هذا النوع تبقى حبراً على ورق إذا لم يقم أصحاب الشأن بتفعيلها والبناء عليها لتصبح من ثوابت العمل العام. هناك الكثير من المؤسسات والهيئات والشخصيات العربية الأميركية التي كانت لسنوات تظهر أو تضمر التذمر والضيق من إحكام القبضة الدينية بما تعنيه من طائفية ومذهبية وأحقاد متبادلة تغذيها الأوضاع المزرية في الوطن الأم الذي يتمتع بكل رداءته بصدارة الاهتمام ويحوّل أمور العرب الأميركيين الحيوية إلى الهامش فيما يحوّلهم مؤسسات وأفراد إلى مواقع تبعية تعطي الأولوية المطلقة لأحداث وتطورات لا ناقة لها فيها ولا جمل ولا تؤثر على سياقها. ولعل أبرز مثال على ذلك أن يحظى موظف عمومي من الوطن –مدنياً كان أم عسكرياً– بأقصى الاهتمام عندما يأتي في زيارة، غالباً ما تكون شخصية لتفقد عائلته أو أولاده أو استثماراته، فتقام له المآدب وتعقد له اللقاءات ويحمل على الراحات من المطار… وإليه.
وعلى أمل أن يتحول أبريل إلى شهر عربي أميركي مميز وشامل في المقبل من السنوات، هناك الكثير مما يستحق الإضاءة عليه وتثميره وتعزيزه، (وتالياً الفرح به والشعور بشيء من الرضى الذاتي عنه).
في مجتمع متفاعل ومثير مثل أميركا التي قامت على حساب السكان الأصليين كدولة عظمى متعددة الأعراق والأديان والإثنيات تعيش فيها مجموعات متحدرة أو مهاجرة من جميع أنحاء العالم، ليس سهلاً أبداً أن تحظى أقلية حديثة العهد بالحضور المؤسسي –على الرغم من سابقتها في الوصول إلى العالم الجديد، ومن تعددها هي نفسها واختلاف شرائح كبيرة منها عن المجتمع الجديد دينياً وثقافياً واجتماعياً– باهتمام وطني وأن تنجح خلال عقود قليلة، واجهت فيها خصومة وكيدية أبرز القوى المؤثرة وأكثرها تنظيماً وانتظاماً –أي القوى الصهيونية والمؤيدة لإسرائيل والتي تتمتع بدعم غير مشروط من الطبقة السياسية والجزء الأكبر من المؤسسات الدينية الأميركية– في البروز على المستويين المحلي والوطني وان تأخذ رغم ما سلف من احداث مفصلية مكانة متقدمة في المشهد العام.
في الأرقام، يبلغ عدد العرب الأميركيين حسب إحصائيات رسمية يعتمدها المعهد العربي الأميركي AAI نحو 3.7 مليون نسمة، 82 بالمئة منهم حاصلون على الجنسية الأميركية، ويتوزعون على الولايات الخمسين، لكن أكثرهم يعيشون في 11 ولاية كبيرة هي؛ كاليفورنيا (373 ألفاً)، ميشيغن (277.5)، تكساس (196)، نيويورك (195)، إلينوي (143)، فلوريدا (130.5)، نيوجيرسي (116)، أوهايو (115)، مينيسوتا (108.5)، فرجينيا (100.5) وبنسلفانيا (84 ألفاً). وعلى الرغم من استمرار الهجرة الكثيفة التي عرقلتها ظرفياً سياسات إدارة دونالد ترامب فإن أكثرية العرب الأميركيين مولودون في أميركا.
وفي الإسهامات يحضر العرب الأميركيون في كل مجالات الحياة والعلم والإبداع في أميركا من برنامج الفضاء الذي يشغل فيه الدكتور فاروق الباز منصباً علمياً هاماً، والذي قدمت فيه العربية الأميركية كريستا ماكولوف حياتها في سبيل البحث العلمي حين قضت في تحطم مكوك الفضاء «تشالنجر» عام 1986، إلى عرض الأزياء حيث تتألق نورا (جيجي) حديد، وما بينهما من سياسة وثقافة وتعليم وفنون وقوات مسلحة وطب وهندسة وعمل اجتماعي واستثمار وإبداع وصولاً إلى حماية المستهلك التي كان رائدها في أميركا رالف نادر. هناك مئات الأسماء اللامعة في كل الميادين، والمشجع في هذا المشهد الغزير التنوع هو تبني الأكثرية الساحقة منهم للهوية العربية الأميركية ومساندتهم للقضايا الحيوية والإنسانية.
في السياسة المحلية التي لا تقل أهمية عن الحضور الوطني، نجح الجيل الجديد من العرب الأميركيين في إبراز وجوده بجدارة على المستويات المحلية، وأظهرت الانتخابات المحلية الأخيرة في منطقة ديترويت، تياراً شاباً واثقاً من نفسه أوصل إلى سدة المسؤولية ثلاثة رؤساء بلديات منها بلدية ديربورن، وترجم وللمرة الأولى الحضور العربي الأميركي من خلال صناديق الاقتراع التي لا تزال تتسع للمزيد من الأصوات العربية الأميركية.
ما تحقق ليس قليلاً ولا سهلاً بجميع المقاييس، إلا أن واقع الحال يتطلب المزيد من التفاعل الإيجابي والعمل لأن المطلوب أكثر. وعلى حد تعبير رئيس «المعهد العربي الأميركي» الدكتور جيمس زغبي: «نحن نعبّر بفخر عن هويتنا وعن ثقافتنا ونطهرهما من الصور النمطية السلبية التي فرضت عليهما للتشويه. تاريخنا ولغتنا يتم تدريسهما. ابطالنا اصبحوا معروفين. ونحن نقاتل من أجل استنقاذ مأكولاتنا من الذين يحاولون الاستيلاء عليها ثقافياً (مثل إسرائيل) أو الذين يحاولون نزع معناها (من خلال تسميتها مأكولات شرق أوسطية).
Leave a Reply