١٨ نيسان: لن أدخل في سباق الكتابة عن مجزرة قانا، وعن شهدائها وعن حزني عليهم. فهذه مسألة شخصية لا يهمني أن يأخذ علماً بها أحد. وحدادي على قتلاها المدنيين الأبرياء ليس ثوبا أرتديه وأخلعه في كل سنة مرة.
مأساتي في حزني عليهم، هو دَيْن لا يزال يزعجني ويؤلمني، وأريده أن يظل يطاردني ويمنعني من النوم حتى يتحقق دعائي بالنوم إلى جوارهم في تلك المقبرة، الأشرف والأطهر من الحياة التي خلّفوها وراءهم.
وككل سنة، نقلت الفضائيات وغطت بعض أشباه المسؤولين اللبنانيين، وبعض الزوجات. الزعيمات لابسات الكعب العالي، جاؤوا لوضع أكاليل الورود وسلال الزهور على قبور شهداء قانا. ولإقلاق العزلة المتعالية للشهداء، وليتمرّنوا أمام الأضواء على موت أكبر من أن يتجرأوا عليه.
أهلنا وأحبتنا الذين يعيشون فوق تراب قانا أو يحيون تحتها، هم أكبر من مواساة عبر زيارة عابرة لتمجيد بطولاتهم في خطاب وإحداث ضجيج يجلعهم يصغرون في أعين الشهداء.
شهداء قانا استشهدوا بكرامة، وهؤلاء الزعماء، صغار وبلا كرامة، كل ما عليهم في هذا اليوم لمشاركة الشهداء هو الصمت.. الصمت.. الصمت فقط.
١٤ نيسان:يوم محفور في ذاكرتي. لن أنساه. يوم ودعت لبنان وهجرته. (لماذا ودعتِ لبنان وخرجتِ منه، وأنتِ إبنة الجنوب وجبل عامل الأصيل الممتدة جذوره في التاريخ؟). أو ببساطة «لماذا تركت بلادك؟»، هذا السؤال أطرحه بشكل دائم على أصدقائي ومعارفي في بلاد المهجر.
معظم المغتربين يقررون البقاء في الغرب بعد أن يروا محاسن الحياة في المجتمع الأجنبي. أما أنا، فقررت مغادرة وطني، لبنان، لكثرة ما صدمتني مظالم الحياة فيه. وقبل أن تقع عيني أو أتعرف على الحياة الغربية.
كانت مساوئ الحروب اللبنانية العربية-الإسرائيلية، أهون من مساوئ وظلم ذوي المواطنة. فللحصول على إخراج قيد أو تسجيل ولد في الدوائر الرسمية، يتطلب (بوس إيد المختار) وحاشيته وفصيلته، هذا عدا البرطلة. تعطلت الكهرباء في بيتي البعيد عن ساحة الضيعة، ذهبت إلى جاري الكهربائي أطلب النجدة. لم أجده في مكان عمله فقصدت المكان الذي دلوني عليه، حيث كان يلعب بالورق مع أصدقائه.
مشيت لأكثر من نصف ساعة، ولا أنسى الى الآن حالة الذل والمهانة التي أصابتني عندما طلب مني انتظاره لينهي دقّ الورق. رجعت إلى بيتي مقهورة ولم يكلف خاطره في المجيء بعد ذلك.
أما آخر مشهد صدمني قبل مغادرتي لبنان، فهو المعاملة السيئة وقلة الذوق والأدب من قبل الموظفين في مطار بيروت الدولي. آخر مشهد قطع الصلة بيني وبين لبنان، كانت صور الرئيس السوري حافظ الأسد تغطي حيطان المطار.. اعتقدت حينها إنني أهاجر عبر مطار دمشق.
١٣ نيسان: اليوم المشؤوم، وبوسطته رمز بداية الحرب اللبنانية والعربية على أرض لبنان. اليوم الذي قرر اللبنانيون فيه التخلي عن ثقافة الحب. حب الوطن لبنان طبعا. ولا أدري هل كانوا هم أصلا يملكوها!. ١٣ نيسان، اليوم الذي يفرح فيه تجار الموت وسماسرة السياسة في لبنان مجددين عهد الحب لأنفسهم، ومشرعين ثقافة الكراهية والطائفية للبنانيين عبر شعار لا يتبدل ولا يتغير: لا زعيم يحب وطنه لوجه الله، بل لوجه الكرسي ومقعدها!. «لا وجود لبلد متخلّف، بل بلاد تخلّف أهلها عن حبها». هذا هو حال لبنان منذ ١٣ نيسان ١٩٧٥ وحتى اليوم. يتذكرونه كل سنة عبر التعليقات والكتابات. يسخرون من كل شيء ومن أنفسهم. ويمر اليوم وينسى اللبنانيون أن يحبوا بلدهم بإخلاص..
١ نيسان: في كل سنة أحلم وأتمنى أن تقول لي أحبكِ.. حتى ولو كنتَ تكذب!
Leave a Reply