واشنطن – خلافا لمزاعم الحكومة الأميركية بأنها لا تقدم حتى الآن أية مساعدات عسكرية إلى جماعات المعارضة السورية المسلحة وإن مساعداتها تقتصر فقط على مساعدات إنسانية ولوجستية، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» مجددا على أن الولايات المتحدة منخرطة بشكل مباشر مع كل من قطر والسعودية والأردن وتركيا في تزويد المعارضة السورية المسلحة بمعدات عسكرية بشكل منتظم منذ مطلع العام الماضي بما يعزز من قوتها وعملياتها ضد الحكومة السورية.
وقالت الصحيفة في تقرير مطول نشر يوم الاثنين إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) تقوم بدور رئيسي في مساعدة الدول الأربع الحليفة للولايات المتحدة في تزويد جماعات المعارضة السورية المسلحة بالأسلحة التي ازدادت كمياتها في الأشهر الماضية استنادا إلى تصريحات مسؤولين أميركيين وقادة جماعات معارضة سورية مسلحة وتقارير حول حركة الملاحة الجوية. حيث أن حركة النقل الجوي التي بدأت بشكل محدود في مطلع عام 2012، واستمرت بشكل متقطع حتى الخريف الماضي، ازدادت بشكل كبير في نهاية العام الماضي لتصل الى اكثر من 160 شحنة عسكرية تنقلها طائرات شحن عسكرية قطرية وسعودية واردنية تهبط بشكل اساسي في مطار اسنبوغا قرب العاصمة التركية، انقرة وبدرجة أقل في مطارات تركية واردنية اخرى. وأن ضباطا من الـ«سي آي أي» من مقرات سرية، ساعدوا الدول العربية الثلاث على اختيار الاسلحة، بما فيها شحنات كبرى من كرواتيا. كما دققوا في قادة ومجموعات من المعارضة لتحديد الجهة التي سترسل اليها الاسلحة. فيما تشرف تركيا على القسم الاكبر من برنامج تسليح المعارضة السورية، حيث تقوم بتزوبد الشاحنات التي تنقل الأسلحة والمعدات العسكرية عبر أراضيها بأجهزة لاسلكي ورادارات لتتمكن من مراقبتها خلال تقدمها إلى سوريا.
وكشفت الصحيفة أن طائرات الشحن العسكرية التابعة لسلاح الجو القطري من طراز سي-130 تنقل الأسلحة من قاعدة العديد العسكرية الأميركية قرب الدوحة إلى المطارات التركية.
واشارت الصحيفة إلى أن حركة النقل الجوي للأسلحة قد ازدادت بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر الماضي، كما ارتبط بالتغيرات التي شهدتها الحرب على سوريا، حين ازداد إحباط الحكومات التركية والعربية من التقدم البطيء الذي كانت تحرزه المعارضة السورية، حيث أسفر زيادة الدعم العسكري التسليحي لجماعات المعارضة السورية إلى توسيع رقعة المناطق التي تسيطر عليها وخاصة في محافظة حلب.
وأشارت الصحيفة أن آخر هذه الشحنات العسكرية كانت وصلت مساء يوم الأحد الماضي حين كان وزير الخارجية الأميركية جون كيري يحث رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي خلال لقائهما في بغداد على اتخاذ مزيد من الإجراءات لوقف مرور الأسلحة الإيرانية إلى سوريا عبر أجواء العراق وهو ما تنفيه الحكومة العراقية.
ونقلت الصحيفة عن هيو غريفيث، من معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية الذي يراقب شحنات الأسلحة غير الشرعية، تقديره أن الحمولات التي كانت على متن هذه الرحلات بلغت 3500 طناً من المعدات العسكرية. وقال إن كثافة ووتيرة هذه الرحلات تشير الى وجود عملية عسكرية لوجستية سرية مخطط لها ومنسقة بشكل جيد».
ونقلت الصحيفة عن عدد من المسؤولين قولهم إن السعودية كانت تشتري أسلحة ومعدات عسكرية من كرواتيا، تنقل على متن طائرات أردنية إلى الأردن، لتشحن بعدئذٍ إلى المسلحين العاملين جنوب سوريا، ويعاد نقلها إلى المعارضة السورية العاملة في تركيا.
وبالرغم من الحجم الكبير لشحنات الأسلحة إلا أن قياديين في جماعات المعارضة السورية المسلحة اعتبروا أن الشحنات غير كافية، مشيرين إلى أن كميات الأسلحة التي تصلهم قليلة وأنواعها خفيفة، وغير قادرة على مواجهة الجيش النظامي بشكل فعال.
ونقلت الصحيفة عن عبد الرحمن عياشي، القيادي في حركة صقور الشام، وهي مجموعة إسلامية معارضة في سوريا، قوله إن «الدول الأجنبية تعطينا أسلحة وذخائر بالتقسيط». مضيفا «إنهم يفتحون ويغلقون طريق الأسلحة مثلما تفعل حنفيات الماء». فيما قال قائدان آخران هما حسن عبود من صقور الشام وأبو أيمن من أحرار الشام إنه أياً كانت الجهة التي ترسل هذه الأسلحة، فانها كانت تقوم بعمل غير كفوء. وقال عبود «هناك ألوية مزيفة من الجيش السوري الحر تدعي أنها من الثوار وعندما تتسلم الأسلحة تقوم ببيعها والمتاجرة بها».
وأوضحت معطيات حركة النقل الجوي أن الشحنات الجوية إلى جماعات المعارضة السورية المسلحة بدأت ببطء في 3 كانون الثاني (يناير) 2012، حيث حطت طائرتان من سلاح الجو القطري من طراز «سي-130» في اسطنبول، وأنه بعد بضعة أسابيع، تمكنت المعارضة السورية من حصار حمص، ثالث أكبر مدينة في سوريا.
وأضافت المعطيات أنه خلال ليالٍٍ متتالية من 26 نيسان (أبريل) إلى 4 أيار (مايو)، حطت طائرة تابعة لسلاح الجو القطري من طراز «سي-17» كانت انطلقت من قاعدة العديد العسكرية الأميركية قرب الدوحة ستة مرات في مطار إسينبوغا التركي، مشيرة إلى أنه بحلول 8 آب (أغسطس)، كان القطريون قاموا بـ14 شحنة إضافية مماثلة.
غير أن الصحيفة نقلت عن مسؤول قطري، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنكاره أن تكون بلاده قدّمت أي أسلحة للمعارضة السورية، مشيراً إلى أن بلاده نقلت إلى المعارضة مساعدات غير قتالية. غير أن الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين وقادة معارضة سورية مسلحة قولهم إن قطر قامت بدور نشط في تزويد الجماعات السورية المعارضة بالأسلحة إلى حد أن الحكومة الأميركية باتت تشعر بقلق إزاء الجماعة الإسلامية المتطرفة التي تقوم قطر بتسليحها في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي سابق، قوله إن مدير الـ«سي آي أي» السابق، ديفيد بترايوس، أدى دوراً كبيراً في المساعدة في إيصال هذه الشحنات العسكرية، وحث عدة بلدان على المشاركة في هذه الشبكة. وأشارت إلى أن بترايوس لم يرد على رسائل الكترونية طلبت منه فيها التعليق على الموضوع.
وعزا المسؤول الأميركي السابق سبب تدخل الحكومة الأميركية في تسليح المعارضة السورية إلى شعورها بأن دولاً أخرى ستقوم بتسليح المعارضة السورية في مطلق الأحوال. واعتبر المسؤول أن الدور الذي قامت به الـ سي آي إي في تسهيل هذه الحمولات، جعل لواشنطن تأثيراً في هذه العملية، ومن بينها إبعاد الأسلحة عن المجموعات الإسلامية، وإقناع المانحين بالامتناع عن إرسال صواريخ مضادة للطائرات قد تستخدمها في المستقبل جماعات إرهابية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أنه كان يتم إطلاع مسؤولين كبار في البيت الأبيض على مستجدات هذه الحمولات.
وأوضحت الصحيفة أنه في الخريف الماضي، أصبحت الطائرات القطرية أكثر انشغالاً، مشيرة إلى أنها كانت تنقل شحنة في كل يوم تقريباً منذ أكتوبر الماضي. مشيرة إلى أنه بعد وقت قريب، انضمت بلدان أخرى لهذه العملية، موضحة أن 3 طائرات من سلاح الجوي الأردني من نوع «سي-130» حطت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في إسينبوغا. وأضافت أنه في الأسابيع الثلاثة التالية، بدأت طائرتان أردنيتان أخريان رحلات من العاصمتين الأردنية، عمّان، والكرواتية، زغرب، حيث قال مسؤولون من عدة بلدان، إنها كانت تنقل أسلحة لاستخدام الجنود المشاة اشترتها السعودية من مخزون كرواتيا للأسلحة.
ونقلت الصحيفة عن معطيات حركة النقل الجوي أن الرحلة الأولى عادت في 15 كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى عمّان، مشيرة إلى أن طائرتين أردنيتين قامتا بـ36 رحلة بين عمّان وزغرب، من ديسمبر حتى فبراير الماضيين. وأشارت إلى أن هاتين الطائرتين قامتا بـخمس رحلات بين عمّان وتركيا في كانون الثاني (يناير) الماضي.
ونقلت عن مسؤول في خطوط طيران إقليمية أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه الرحلات الجوية الأردنية، استمرت الشحنات القطرية، فيما بدأت الطائرات السعودية برحلات مماثلة، موضحة أن هذه الأخيرة قامت، على الأقل، بـ30 رحلة في طائرات من نوع سي 130 إلى إسينبوغا بتركيا من منتصف شباط (فبراير) الماضي وحتى مطلع آذار (مارس) الجاري. وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المواطنين الأتراك شاهدوا هذه الرحلات، وأبلغوا السلطات التركية عنها. غير أن مسؤولين أتراك وسعوديين رفضوا التعليق على هذه الرحلات، وعلى أي حمولة أسلحة، فيما أنكر الأردن وكرواتيا أن يكون لهما أي دور في نقل الأسلحة إلى المعارضة السورية. كما أن مسؤولي الطيران الكرواتي أنكروا حصول أي شحنات حتى.
وقال العضو المعارض في مجلس النواب التركي أتيلا كارت إن «استخدام الأجواء التركية في هذا الوقت الحساس مع تمدد الصراع في سوريا إلى حدودنا ومن قبل طائرات أجنبية من بلدان تقوم بدور مركزي في الصراع يجعل من تركيا طرفا في الصراع». وقد أكد كارت المعلومات الخاصة بالشحنات السعودية وقال «إن الحكومة (التركية) تتحمل المسؤولية في الرد على هذه الادعاءات».
وبالرغم من النفي الأردني الرسمي بالمشاركة في نقل الشحنات العسكرية إلى المعارضة السورية المسلحة فإن مسؤولا في حركة النقل الجوي الإقليمي أكد معطيات حركة النقل الجوي الخاصة بقيام طائرات نقل أردنية من طراز إليوشن نقل مثل هذه الشحنات وقال «إن طائرات النقل الأردنية الدولية هي واجهة لسلاح الجو الأردني».
Leave a Reply