صنعاء – طوى اليمنيون الأسبوع الماضي صفحة ٣٣ عاماً من حكم الرئيس علي عبدالله صالح، بيوم انتخابي صاخب كان المرشح الوحيد فيه نائب الرئيس السابق، ولكنهم فتحوا مرحلة جديدة من الانقسام مع مقاطعة الشمال الحوثي والجنوب للانتخابات. ففيما اقترع اليمنيون المؤيدون للسلطة اليمنية “الجديدة” للمرشح التوافقي والوحيد عبد ربه منصور هادي في استحقاق رئاسي، شرّع الجنوبيون المعارضون للانتخابات الباب أمام عصيان مدني عرقل العملية الانتخابية في محافظات “اليمن الجنوبي” السابق، حيث سقط ستة قتلى في أعمال عنف بين القوات الحكومية وأنصار “الحراك الجنوبي”.
وعلى الرغم من ان انتخاب هادي (66 عاما)، نائب صالح وحليفه، لفترة انتقالية لمدة سنتين، فإنه يحمل الكثير من الآمال على ما يبدو لليمنيين الذين يقبعون بغالبيتهم تحت خط الفقر وقد شاهدوا بلادهم تقترب خلال الأشهر الأخيرة من الحرب الأهلية. لكن أغلب اليمنيين يعتبرون هادي رئيسا مؤقتا لا زعيماً متمرساً. ويخشى كثيرون ان يتمزق اليمن على أيدي من يأملون في استغلال فراغ السلطة ان تبين أنه غير قادر على منع انفلات زمام صراع المصالح داخل الجيش.
لكن فرص حدوث انتقال الى حكومة تمثيلية مستقرة تظل غير مؤكدة في افضل الحالات، بالنظر الى تعهد صالح بالعودة الى بلاده لقيادة حزبه مجددا وانقسام في الجيش وتمترس متشددي “القاعدة” في الجنوب وتمرد للحوثيين في الشمال ونزعة انفصالية في الجنوب.
وشهدت عمليات التصويت إقبالا كثيفا، خصوصا في العاصمة صنعاء، حيث قالت اللجنة الانتخابية إنها وصلت إلى 80 بالمئة (!)، مقابل مقاطعة كبيرة في مناطق الحوثيين شمال البلاد، في وقت تمكن الناشطون الانفصاليون في الجنوب من إغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن ومراكز أخرى في بقية المحافظات الجنوبية.
وأكد هادي، الرئيس اليمني المقبل أثناء إدلائه بصوته في صنعاء وسط تدابير أمنية مشددة، أن استحقاق الانتخابات هو “إغلاق لصفحة الماضي وفتح لصفحة جديدة ناصعة البياض نكتب عليها مستقبل اليمن الجديد”.
ويتخذ التصويت طابعا رمزيا إلى حد بعيد إذ يحظى هادي بدعم غالبية القوى السياسية في البلاد، ويأتي انتخابه في إطار “المبادرة الخليجية” التي تخلى بموجبها صالح عن السلطة لنائبه، مقابل حصوله على حصانة من الملاحقة.
أما اللواء النافذ علي محسن الأحمر، الذي شكل انشقاقه عن صالح وانضمامه للمحتجين تحولا كبيرا في المشهد السياسي اليمني، فقال لدى إدلائه بصوته في صنعاء “أنا سعيد جدا بهذا اليوم لأنه يوم انتقال السلطة سلميا، وهذا يبشر بعهد جديد وبمستقبل باهر لليمن”.
من جهته، رأى مبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر أن الانتخابات ليست إلا بداية لطريق “صعب وشائك” رسم ملامحه اتفاق انتقال السلطة الذي جنب اليمنيين الانزلاق إلى الحرب الأهلية. ورأى أن اليمن يواجه “أخطارا كثيرة، أولها انعدام الثقة بين الأطراف السياسية، وتدهور الوضع الأمني وانعدام وجود الدولة في عدد من المناطق وكذلك الوضع الإنساني الخطير”.
وعن سيطرة أقرباء صالح على المراكز الأمنية والحرس الجمهوري، قال بن عمر “هناك إجماع بين اليمنيين وفي إطار الاتفاق انه يجب إعادة هيكلة الجيش، لكن هذا مشروع طويل المدى ولن يتم في ظرف شهر أو شهرين أو ثلاثة”.
وكان دعي أكثر من 12 مليون ناخب يمني للمشاركة في الانتخابات التي تحظى بدعم كبير من القوى الإقليمية والدولية الكبرى. وغابت عمليات الاقتراع عن مناطق شمالية تعد معقل الحوثيين، كما غابت أيضا عن المناطق التي تسيطر عليها “القاعدة” في محافظتي ابين وشبوة الجنوبيتين.
إلا أن المقاطعة في جنوب البلاد أخذت منحى عنيفا مع تنفيذ “عصيان مدني” وقيام ناشطين من “الحراك الجنوبي” بعرقلة عملية التصويت في عدد كبير من المراكز في المحافظات الجنوبية بعد اقتحامها. وتمكن المعارضون للانتخابات من إغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن عند الظهر بالقوة، إضافة إلى مراكز عدة في باقي المحافظات الجنوبية، فيما أسفرت أعمال العنف المرتبطة بالانتخابات في الجنوب عن مقتل عشرة أشخاص بحسب مصادر أمنية وناشطين.
عودة صالح
من جهة أخرى، أعلن نائب وزير الإعلام اليمني عبده الجندي، الأربعاء الماضي، أن الرئيس المنتهية ولايته علي عبد الله صالح، سيعود الى اليمن لتنصيب نائبه رئيساً جديداً للبلاد. وقال الجندي في مؤتمر صحافي في صنعاء، إن “الرئيس صالح سيعود من رحلته العلاجية في الولايات المتحدة الأميركية”. وأضاف سيكون هناك احتفال مهيب لتنصيب عبد ربه منصور هادي وسيتم تسليم دار الرئاسة من صالح الى الرئيس الجديد.
الى ذلك، كشفت مصادر في حزب “المؤتمر الشعبي العام” أن صالح قد أنهى الثلاثاء الماضي ترتيبات مغادرته لمحل إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، إستعداداً للعودة إلى صنعاء. وأشارت المصادر إلى أن حزب المؤتمر الذي ينتمي إليه الرئيس المنتخب، يعمل حالياً على الإعداد لاستقبال صالح، الذي يعتزم تنظيم إحتفال لتسليم نائبه السلطة في حفل رسمي.
وكانت تقارير كشفت بأن صالح سيعود إلى صنعاء، الأربعاء الماضي، بعد ضغوط مارستها واشنطن على صالح، خلال الأسبوع الماضي، لبقائه في أميركا إلى أن تتم عملية إنتخاب هادي رئيساً جديداً لليمن.
يشار الى أن انتخاب هادي كرئيس لليمن لفترة إنتقالية مدتها سنتين، جاء بموجب المبادرة الخليجية الموقعة بين الرئيس السابق ومعارضيه في العاصمة السعودية الرياض العام الماضي.
وجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية اليمنية المبكرة التي نظمت الثلاثاء 60 بالمئة بالرغم من دعوات المقاطعة والاضطرابات في بعض المناطق، وذلك بحسب ارقام كشف عنها مسؤولون في اللجان الاشرافية لكن ذلك لم يمنع المراقبين من التشكيك بدقة هذا الرقم.
الرئيس المقبل يتعهد بالقضاء على “القاعدة”
ومن ناحيته، تعهد هادي قبل يومين من انتخابه رئيسا جديدا للبلاد، القضاء على تنظيم “القاعدة”، بحسب ما نقل عنه مستشار الرئيس الاميركي باراك اوباما للامن القومي جون برينان، وكما اكد بنفسه للمبعوثة البريطانية إيما نيكولسون في صنعاء. وقال برينان للصحافيين بعد لقائه هادي “سنستمر في تشجيع الحكومة اليمنية على مكافحة تنظيم “القاعدة”، ولقد شجعتني كثيرا في هذا الاطار تصريحات السيد هادي الذي تعهد القضاء على القاعدة”. واضاف “بعض الاشخاص في اليمن استخدموا حضور القاعدة لمصلحتهم الخاصة. نحن نرى ان من المخزي ان يتصرف عناصر من الحكومة بهذه الطريقة” من دون ان يحدد من يقصد. وردا على سؤال حول تأكيد مشاركة الطيران الاميركي في غارات تستهدف “القاعدة” في اليمن، اكتفى برينان بالقول ان بلاده “تقدم النصح والمساندة والتجهيزات للوحدات اليمنية التي تقاتل القاعدة”.
نبذة عن هادي
شخصية متكتمة لا تحظى بنفوذ حقيقي في الاوساط السياسية اليمنية. الا انه تمكّن من فرض نفسه لاعباً اساسياً عندما غاب صالح للعلاج في السعودية بعد محاولة اغتياله. وحظي خلال هذه الفترة بثقة المعارضة التي كان يتفاوض معها حول اتفاق انتقال السلطة.
ولد هادي في الأول من ايار (مايو) عام 1945 في محافظة أبين التي كانت في الماضي جزءا من محمية عدن الخاضعة لبريطانيا وباتت الآن من معاقل تنظيم “القاعدة”. وهو متحدر من اليمن الجنوبي السابق. تخرج من المدرسة العسكرية في اليمن الجنوبي العام 1964 وتابع بعد ذلك دورات تدريبية في بريطانيا ومن ثم دورة خاصة بالمدرعات في مصر وظل هناك حتى العام 1970. تابع هادي في العام 1976 دورة في قيادة الاركان استمرت اربع سنوات، ثم شارك في بعثات لشراء الاسلحة من الاتحاد السوفياتي. قام صالح بتعيين هادي وزيرا للدفاع في أيار 1994 إثر حرب الشمال على الجنوب في ذلك العام. وبعد قمعه الجنوبيين، عين صالح في 4 تشرين الأول 1994 هادي نائبا لرئيس الجمهورية. ويشغل الرجل العسكري، منذ العام 1994 منصب نائب الرئيس، كما يشغل منصب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم (حزب صالح).
Leave a Reply