طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
استقطبت مدينة هامترامك على مدى الأيام الماضية اهتماماً إعلامياً لافتاً باعتبارها أول مدينة أميركية يشكل المسلمون غالبية أعضاء مجلسها البلدي على خلفـية نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي أسفرت عن فوز ثلاثة مرشحين مسلمين مما جعل مجلس المدينة، المجلس البلدي الوحيد الذي يتمتع بأغبية مسلمة فـي الولايات المتحدة، حيث يضم أربعة أعضاء مسلمين من أصل ستة.
وقد استغل بعض المتعصبين والعنصريين المتشددين هذه الحادثة للتصويب على المدينة التي يشكل المسلمون أكثر من ٥٠ بالمئة من سكانها. وقال هؤلاء إن المدينة وقعت فـي قبضة المسلمين الذين سيعملون على تغيير وجه المدينة المعروفة تاريخيا بتعددها العرقي والإثني والديني، حيث تتميز بوجود تجمع تاريخي للجالية البولندية لما يزيد عن مئة عام.
ولكن هذا التنوع الذي يعد أحد المزايا الإيجابية للمدينة البالغ عدد سكانها 22 ألف نسمة والذي تشير الإحصائيات الرسمية فـي العام 2010 إلى أن أكثر من 40 بالمئة منهم مولودون خارج الولايات المتحدة، غير أنه -التنوع- أصبح أداة يساء استعمالها من قبل بعض الأوساط المجتعمية والإعلامية لتعميق الحساسيات والحزازات بين مكونات المدينة. وفـيما يستغل البعض خطاب الكراهية والتمييز السائد ضد المسلمين فـي إطار «الإسلاموفوبيا»، للتشكيك بدورهم وولائهم الوطني وخضوعهم لدستور الولايات المتحدة، وهو أمر أصبح «موضة دارجة» فـي أوساط اليمين المتطرف، إلا أن بعض الأفراد المسلمين يساهمون -عن قلة وعي وخبرة- فـي تسعير تنافر المجتمعات المتعايشة على مدى عقود وتعميق الحساسيات بينها، وفـي مثل هذه الحالات، ستقف المجموعات اليمينية المتطرفة بالمرصاد وسوف تعمل على استغلال تلك المواقف بطريقة خبيثة من دون أن تتورع عن الاصطياد فـي الماء العكر.
وخير دليل على ذلك، ما حدث مع الناشط اليمني إبراهيم الجهيم الذي رفع منشورا على موقع «فـيسبوك» قال فـيه تعليقا على فوز المرشح اليمني سعد المسمري: «اليوم أثبتنا للبولنديين ولجميع الأطراف أننا موحدون». وبدا هذا المنشور الذي التقطته بعض وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي وكأنه يتضمن رسائل مبطنة مؤداها أن مسلمي المدينة من اليمنيين والبنغاليين والبوسنيين شكلوا تكتلا انتخابيا فـي مواجهة المرشحين المسيحيين البيض.
وقد اعترض المسمري على منشور الجهيم ووعد بالعمل من أجل صالح المدينة العام وسكانها بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم، وأضاف فـي لقاء مع صحيفة «صدى الوطن»: بالقول إن للجالية البولندية حضور عريق فـي المدينة يزيد عن مئة عام، وصحيح أن بعض البولنديين ارتكبوا أخطاء ولكن لا يجب نحمل المسؤولية لكامل الجالية.
وعبر المسمري الذي تصدر السباق الانتخابي عن مفاجأته بحجم الاهتمام الإعلامي الأميركي والعالمي بانتخابات بلدية هامترامك، الذي استقطب وسائل إعلامية كبيرة من بينها صحيفة «واشنطن بوست» و«روسيا اليوم» و«الجزيرة» و«كريستيان ساينس مونيتور» و«يونايتد برس انترناشيونال»، وقال «إن الأغلبية المسلمة فـي المجلس البلدي هي نتيجة طبيعية للخريطة السكانية فـي المدينة كما أنها نتيجة طبيعية للعملية الديمقراطية».
وأضاف «البعض يظن بأن مسلمي المجلس سوف يغيرون هوية المدينة وقوانينها البلدية، وهذا غير صحيح بالطبع، فقد تم انتخابنا كي نعمل من أجل الجميع بدون مفاضلة أو تمييز».
ونوه المسمري إلى أن 20 بالمئة من الأصوات التي نالها فـي الانتخابات جاءت من خارج الجاليات المسلمة.
بدوره، قال الناشط محمد مصلح «إن الجهيم لم يوفّق بانتقاء كلماته ولكنه لم يكن يقصد أن يقول إن المسلمين يسيطرون على المدينة، وإنما أراد تذكير البولنديين وغيرهم أننا متساوون معهم فـي الحقوق».
كما أكد الناشط البعلاوي أن الجهيم ليس شخصا عنصريا وقد قال ما قال من باب إثبات القوة الانتخابية للجاليات المسلمة.
وأضاف بالقول إن منشوره كان رسالة لنا، وليس للآخرين، ومفادها أنه يمكننا فـي حال توحدنا أن نوصل مرشحينا إلى المناصب العامة.
من ناحيته، تمنى الناشط عبدالملك الوجيه على النشطاء العرب والمسلمين ضرورة انتقاء كلماتهم بحيث يتعذر إساءة فهمها، وقال «رسالتنا يجب أن تعكس إيماننا بالتعايش المشترك مع باقي مكونات المدينة والتزامنا جميعا بالعمل من أجل الصالح العام».
ورأى المدير التنفـيذي لمنظمة «ميشيغن واحدة» بيل ماير أن الجهيم قد ذهب بعيداً قليلاً، وأنه كان يجب عليه أن يخاطب بعض الأفراد البولنديين المتحيزين ضد المسلمين وليس كامل الجالية البولندية.
واستنكر ماير استعمال الخطابات المعادية للمسلمين فـي انتخابات هامترامك، مشيراً الى بعض الردود العجيبة على نتائج الانتخابات «فقد قال أحدهم إن سكان هامترامك قد صوتوا على موتهم». وعلق ماير على هذا الموقف بالقول: «إنه مثير للتقزز».
وشدد ماير على دور المسلمين فـي إنعاش اقتصاد المدينة خاصة بعد المصاعب التي مرت بها المصانع فـي المنطقة، وقال «إن المدينة بحاجة لمن يسكن ويعمل فـيها وهذا الشيء يوفره القادمون الجدد».
وأشار إلى وجود بعض التوترات الطفـيفة بين مكونات المدينة على خلفـيات إثنية ودينية، وقال «بإمكانك أن تقرأ لأناس مجهولي الهوية بعض التعليقات السيئة على فـيسبوك.. ولكن فـي العلن لا أحد يسيء لآخر».
وأضاف بالقول «إن بعض السياسيين يستخدمون العنصرية من أجل تحقيق أهداف شخصية» ولفت إلى أن كلا الجاليتين، اليمنية والبولندية، تشهدان انقسامات سياسية داخلية.
ووافق المسمري على ما أدلى به ماير وأضاف «إن التوترات العنصرية بين قياديي المدينة هي أكبر مما عليه بين الناس العاديين».
وفـي نفس السياق، أقر رئيس شرطة هامترامك السابق ماكس غاربارينو بوجود بعض التوترات فـي مجتمع المدينة ولكنه وصفها بأنها لم تصل إلى الحد المنذر بالخطر، وقال إنه راقب انتخابات المدينة عن كثب وكان مصدوما بسبب بعض المواقف الخائفة من فوز المرشحين المسلمين.
وأضاف بالقول «أنا سعيد بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات لأنها تعكس التنوع الديمغرافـي لسكان المدينة ذا الأغلبية المسلمة، والصيغة الحالية لمجلس المدينة هي صيغة عادلة».
وكان حاكم ولاية ميشيغن، ريك سنايدر، قد زار مدينة هامترامك لقص شريط الافتتاح الرسمي للحي البنغالي (بنغلاتاون). ورحب سنايدر فـي كلمة ألقاها خلال افتتاح مكتب «لجنة العلاقات البنغالية الأميركية» (باباك) بنتائج الانتخابات ووصفها بالعملية الديمقراطية التي يختار من خلالها الناخبون أناساً جيدون للمناصب الرسمية».
Leave a Reply