سيذكر التاريخ قرار المحكمة الدستورية الأميركية بتأييد حظر السفر الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب على خمسة بلدان ذات أغلبية مسلمة على أنه واحد من أكبر سقطات المحكمة العليا في تاريخها، وهو بلا أدنى شك أكثر رداءة قانونية وأخلاقية من قرارها في عام 1944 بتأييد الاعتقال الجماعي للأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
اللافت، أن قرار المحكمة الجديد جاء متزامناً مع التطبيق المتشدد لسياسة «صفر تسامح» مع المهاجرين غير الشرعيين، والذي أسفر عن فصل أكثر من ألفي طفل عن آبائهم على الحدود الأميركية المكسيكية، منذ نيسان (أبريل) الماضي.
وكلا القرارين، يثبتان أن الولايات المتحدة باتت على مفترق طرق خطير، في ظل الانتهاكات الحكومية والرسمية لمبادئ الجمهورية الأميركية والتعديل الأول في الدستور الأميركي الذي يحظر التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.
وما يزيد الأمور سوءاً، هو أن قرار المحكمة سيشجع الرئيس الحامي الرأس على اتخاذ خطوات أكثر عدوانية تجاه المسلمين والمهاجرين في المستقبل، وهو الذي منذ إطلاق حملته الانتخابية الرئاسية لم يتوان عن شن الهجمات المتتالية على المسلمين والمهاجرين وتحميلهم مسؤولية الإخفاقات الأميركية، حتى صار يبدو وكأن شعاره الانتخابي «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، لن يستقيم إلا بالحظر التام لدخول المسلمين والمهاجرين الآخرين من الدول التي وصفها ترامب يوماً بـ«بؤر الحثالة»، وإعادة التوزان لصالح العرق الأبيض في الولايات المتحدة التي باتت تشهد أرجحية واضحة للملونين من أبناء مختلف الأقليات والإثنيات الأخرى، وكأن الحاسة السياسية في واشنطن تضرب بعرض الحائط كل المبادئ التي نشأت عليها الجمهورية الأميركية لتفادي «المشكلة العرقية» التي كانت تشهدها معظم بلدان أوروبا في تلك الحقبة.
إن الشعار الانتخابي «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» على الطريقة الترامبية، ليس إلا نسخة شديدة الشبه لشعار «الرايخ الثالث لألف عام» على الطريقة الهتلرية. ولا شك أن قرار المحكمة الدستورية في هذا السياق يساعد ترامب على «هتلرة» البيت الأبيض!
وإذا كان التاريخ يعيد نفسه فعلاً، فيجب قرع ناقوس الخطر.. لا حيال «الخطر» الوهمي الذي يشكله المسلمون والمهاجرون على أميركا، وإنما «الخطر» الذي أحدق بألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي وقادها إلى الحرب والدمار.
القرار الذي شمل حظر السفر على مواطني 7 دول بينها 5 ذات أغلبية مسلمة، هي: سوريا واليمن والصومال وليبيا وإيران. ويعرف القاصي والداني أن الدور الأميركي، السياسي والعسكري، في تلك البلدان التي تشهد منذ عدة سنوات حصاراً وحروباً دامية وصراعات أهلية عنيفة تمخضت عن هجرة ونزوح الملايين من مواطنيها الذين باتوا اليوم –وبقرار المحكمة العليا– غير قادرين على دخول الأراضي الأميركية، وبهذا تكون القوة الأعظم في العالم قد عاقبت هؤلاء المواطنين مرتين، مرة بتشريدهم من أوطانهم، وأخرى بتركهم في مهب الرياح، بلا أدنى احترام أو أمل في حياة آمنة ومستقرة!
لكن من جانب آخر، وعلى خلفية أن القرار قد اتخذ بفارق صوت واحد (5-4) فهذا يدل على الانقسام الحاد حيال قرار ترامب، لا في أرفع وأعلى مؤسسة قضائية في البلاد وحسب، وإنما أيضاً على جميع المستويات، وفي مختلف الأوساط الشعبية والسياسية والثقافية والأكاديمية والقانونية. وهنا يكمن الخطر الأكبر الذي يتهدد أميركا، والذي يدشنه الرئيس ترامب، ذلك أن سياساته بشكل عام، وقراره بحظر السفر بشكل خاص لا يعيد إلى الأذهان أيام العبودية والفرز العنصري في الولايات المتحدة، وإنما يضعها أمام مأزق وامتحان جديد، وكلاهما مؤلم وعسير.. فأي مصير مظلم ينتظر الولايات المتحدة التي يقودها دونالد ترامب؟
Leave a Reply