وليد مرمر – «صدى الوطن»
أعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية وإسرائيل وقف العمليات العسكرية عبر حدود قطاع غزة يوم الخميس الماضي في أعقاب مساع بذلتها مصر والأمم المتحدة لإنهاء أول مواجهة عسكرية بين الطرفين منذ شهور، إثر قيام إسرائيل باغتيال أحد قادة الحركة في شمال القطاع، تزامنا مع فشلها في اغتيال قيادي آخر في دمشق.
حسب صحيفة «جيروزالم بوست» فإن الجيش الإسرائيلي قد أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ عمليتي اغتيال بهاء أبو العطا وأكرم العجوري منذ بداية الشهر، أي منذ بدء عملية المناورات الأميركية–الأوروبية–الإسرائيلية المسماة «العلم الأزرق» والتي استمرت من 3 إلى 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
نجحت إسرائيل في اغتيال مسؤول «سرايا القدس» –الذراع العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»– بهاء أبو العطا مع زوجته وطفله، فيما نجا عضو المكتب السياسي في الحركة ومسؤول ملف التنسيق مع إيران، أكرم العجوري، إثر محاولة اغتياله في دمشق بعد لحظات من استهداف أبو العطا في شمال غزة، وقد قتل نجل العجوري مع شخصين آخرين وجرح 12 في الغارة.
وتتساءل الصحيفة: «إن المناورات التي تُجرى كل عامين هي تمرين ضخم مع طيارين من الولايات المتحدة واليونان وألمانيا وإيطاليا وهم يتمرنون على بعض المقاتلات الأكثر تقدماً في العالم (هذه السنة اشتركت «أف 35» لأول مرة) مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عما تفعله تلك الدول المتحالفة خلال هذا الوقت العصيب؟ هل ألغى الجيش الإسرائيلي التدريبات؟ هل علق طلعاته الجوية؟ والطائرات الإسرائيلية –أين كانت؟ هل كانت فوق غزة؟».
هنا تتوضح الصورة. لقد قررت إسرائيل وبشكل ماكر أن تحول المناورات إلى عملية حقيقية لإصابة عصفورين بحجر واحد: الأول هو تنفيذ عمليتي الاغتيال في ظل أكبر غطاء لوجيستي ممكن، والثاني الاستفادة التي سيتلقاها المشاركون في التدريبات من الـ«ميني–حرب» التي أشعلتها إسرائيل لمدة يومين.
لا شك أن أبو العطا والعجوري هما من أهم قادة حركة «الجهاد الإسلامي» التي تعتبرها إسرائيل ذراعاً إيرانية في خاصرتها. وهما منذ سنوات على قائمة الاغتيالات لدى الموساد. ولكن أن تقوم إسرائيل بالعمليتين تحت غطاء المناورات هو أمر عجيب.
فقبل أيام من العمليتين، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أيضاً، تقريراً ذكرت فيه أن ثلاث شخصيات مرتبطة بإيران مدرجة على رأس قوائم الاغتيالات بسبب الأخطار التي يشكلونها بالنسبة لإسرائيل وهم: الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وقائد فيلق القدس قاسم سليماني وقائد الجناح العسكري للجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، وقالت الصحيفة إن هؤلاء هم أخطر ثلاث شخصيات على أمن إسرائيل.
لقد أعاد بهاء أبو العطا تنظيم صفوف الجهاد وخصوصاً في غزة وأصبحت لديه حيثية يعتد بها هناك على حساب تقلص تأثير «حماس»، حتى بات يعتبر رجل إيران الأول في القطاع.
وتقول إسرائيل إن أبو العطا يعمل مع زياد النخالة الأمين العام للحركة لتقوية نفوذ إيران في القطاع وأن «حماس» لا تسيطر عليه وأن تأثيره هناك يتنامى.
أما العجوري فتتهمه الاستخبارات الإسرائيلية بلعب دور المنسق الرئيسي بين «الحرس الثوري الإيراني» و«سرايا القدس». ويعتبر العجوري الرجل الأقوى داخل حركة «الجهاد الإسلامي» جراء نفوذه داخل وخارج القطاع، كما ويعتير شخصية مقربة من العديد من مراكز القرار في المنطقة.
ولقد تعرض عدد من قادة «سرايا القدس» لعمليات اغتيال نفذها الموساد الإسرائيلي مباشرة، فبعد اغتيال مؤسسها الشقاقي، تم اغتيال قائد السرايا في غزة خالد الدحدوح، الشهير بكنية «أبو الوليد» الذي اغتيل في مارس 2006 بمدينة غزة، كما تم اغتيال القائد العام للسرايا في شمال الضفة الغربية حسام جرادات في أغسطس 2006 على يد وحدة خاصة من الجيش الإسرائيلي اقتحمت مخيم جنين.
وقد حاولت إسرائيل مراراً تغيير قواعد الإشتباك التي ثبتتها «سرايا القدس» بالدم، وقد نجحت في وقف الاغتيالات بعد عملية اغتيال الشيخ زهير القيسي.
لذلك قامت سرايا القدس بالرد سريعاً على اغتيال أبو العطا، عبر رشق الداخل الإسرائيلي بمئات الصواريخ اعترضت القبة الحديدية –حسب الرواية الإسرائيلية– معظمها(وهذا دليل آخر على الجهوزية اللوجستية خلال المناورات). وفي الواقع، تسببت صليات الصواريخ الفلسطينية بشلل تام في المستوطنات والمدن الإسرائيلية حيث تم إغلاق المدارس ومراكز التسوق، من محيط القطاع المحاصر إلى تل أبيب التي طالتها صواريخ المقاومة.
في المقابل قام جيش الاحتلال بالرد بشكل إجرامي وعنيف عبر قصف الأحياء السكنية مما أدى إلى استشهاد 34 فلسطينياً بينهم ثمانية أطفال وثلاث نساء، وقد استشهد ثمانية أشخاص من عائلة «السواركة» بعد تدمير منزلهم بأربعة صواريخ.
لقد قامت إسرائيل –وفق حساباتها– بالعمليتين وما تبعهما من قصف وتدمير من دون أي خرق سابق من قبل حركة الجهاد أو حماس. وإسرائيل لا تقوم عادة بحروبها في فصل الشتاء للرغبة بعدم الإضرار بحركة العام الدراسي والوضع المالي والاقتصادي والمؤسساتي، فالحروب في الصيف أسهل وأقل كلفة وضرراً. لذلك جاء الرد الإسرائيلي المفرط كرسالة مفادها بأننا غير راغبين، أو غير قادرين، على دخول حرب طويلة الأمد ولكن إن شئتم إطالتها فإن الثمن سيكون كارثياً على المدنيين. وهو ما دفع بالفصائل للقبول بوقف إطلاق النار الذي أصبح جارياً منذ نهار الخميس المنصرم، بوساطة مصرية.
ويبدو أن «حماس» التي تحكم قطاع غزة لم تشارك في القتال الأخير. وربما يكون ذلك من العوامل التي ساهمت في الحد من تصعيد الموقف.
إسرائيلياً، لا شك فيه أن بنيامين نتنياهو حاول من خلال هذه المواجهة، إظهار قوته أمام خصمه بيني غانتس المكلف بتشكيل الحكومة. فهو يريد أن يظهر كشريك قوي لا بد منه لمواجهة «الخطر الإيراني» الداهم، مستعرضاً باعه طويل في التعامل مع التحديات التي تمثلها طهران. لذلك فإن تلك الحرب الخاطفة وما حققته من «إنجازات» سيتم استثمارها في البازار السياسي الإسرائيلي العالق داخلياً عند عقدة تشكيل الحكومة. فقد أخفق نتنياهو في تشكيل الوزارة مرتين لذا فهو يطمح إلى أن يكون مع حزبه اللاعب الأقوى في حكومة غانتس القادمة إن تشكّلت.
وغني عن القول إن هذا العدوان الجديد قد ضاعف أسهمه في الداخل الإسرائيلي.
إن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع والتعنت الإسرائيلي في العملية السياسية وقضم الأراضي الممنهج وتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني والحصار المفروض على غزة من 14 عاماً لم يزيدوا الشعب الفلسطيني إلا تمسكاً بحقوقه وتعلقاً بأرضه وقضيته. وقد يكون تنظيم «الجهاد» غير قادر حتى الآن على فرض قواعد اشتباك صارمة كالتي فرضها شريكه الشمالي «حزب الله» مع إسرائيل. ولذلك، لن تتوانى إسرائيل عن القيام بعمليات اغتيال جديدة لرموزه وقادته كلما سنحت لها الفرصة. ولكن هل ستؤدي هذه العمليات خارج الأطر القانونية إلى تغيير المعادلات بين الطرفين؟
لقد رزقت أخت بهاء أبو العطا بمولود جديد بعد ساعات من استشهاده أسمته «بهاء»، وتداول صورته نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي مع صورة القائد في «سرايا القدس» بهاء أبو العطا مع هاشتاغ: «بهاء أبو العطا ولد من جديد»!
Leave a Reply